غضب شعبي ودولي ضد إيران فجره إسقاط الطائرة الأوكرانية

إدانات دولية واسعة لاحتجاز طهران السفير البريطاني متهمة إياه بتحريض المحتجين.
الاثنين 2020/01/13
تأهب أمني لقمع الاحتجاجات

عمقت حادثة إسقاط إيران للطائرة الأوكرانية، الأسبوع الماضي، أزمتها بعد الإقرار المتأخر بمسؤوليتها عن ذلك وكذلك بعد خروج الإيرانيين للتنديد بممارسات النظام الذي أراد لأيام إخفاء حقيقة سقوط الطائرة المنكوبة، لكن لم يتوقف تمادي السلطات الإيرانية في التصعيد مع خصومها بعد إعلانها احتجاز السفير البريطاني في طهران روب ماكير لفترة وجيزة متهمة إياه بتحريض المحتجين، وهو ما نفاه المتهم وتلته بيانات شجب وتنديد بتوقيف دبلوماسيين.

طهران – كثّف محتجون إيرانيون وصحف في الجمهورية الإسلامية الضغوط على قادة البلاد وعززت شرطة مكافحة الشغب وجودها في طهران، الأحد، بعدما أقر الجيش بإسقاط طائرة ركاب أوكرانية بطريق الخطأ ما أثار سخطا شعبيا تزايد باعتقال السفير البريطاني في طهران لفترة وجيزة.

وألقى متظاهرون باللوم على السلطات في حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، الأسبوع الماضي، والتي أودت بحياة 176 شخصا.

ونشر العشرات من المغردين على تويتر، الأحد، صورا لحشود بالعشرات رافعين شعارات مناهضة للسلطات.

وهتف المحتجون الذين احتشدوا في شارع أمام جامعة في طهران، الأحد، “يكذبون ويقولون إن عدونا أميركا، عدونا هنا”. وتجمع المحتجون في مدن أخرى أيضا.

وأطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع على الآلاف من الإيرانيين الذين خرجوا إلى الشوارع في وقت متأخر من مساء السبت في العاصمة ومدن أخرى، فيما ردد الكثيرون منهم شعار “الموت للدكتاتور” موجهين غضبهم إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

ونشرت وكالات أنباء مرتبطة بالدولة تقارير عن الاحتجاجات بينما جرى تداول مقاطع مصورة للمظاهرات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال سكان بطهران إن الشرطة عززت وجودها في العاصمة صباح الأحد.

وقالت صحيفة “اعتماد” الإيرانية المعتدلة في عنوان رئيسي، الأحد، “اعتذروا واستقيلوا”، مضيفة أن “مطلب الشعب” هو استقالة من هم وراء سوء إدارة أزمة الطائرة.

وتفجرت الاحتجاجات في أعقاب إقرار الجيش الإيراني، السبت، بمسؤوليته عن سقوط الطائرة التابعة للخطوط الجوية الدولية الأوكرانية بطريق الخطأ بعد دقائق من إقلاعها الأربعاء الماضي، أثناء حالة استنفار للقوات الإيرانية تحسبا لرد أميركي على ضربات طهران الانتقامية.

دونالد ترامب: أقول لقادة إيران، لا تقتلوا متظاهريكم الولايات المتحدة تراقبكم
دونالد ترامب: أقول لقادة إيران، لا تقتلوا متظاهريكم الولايات المتحدة تراقبكم

وظل المسؤولون الإيرانيون لأيام ينفون مسؤولية البلاد عن إسقاط الطائرة، حتى بعدما قالت كندا، التي فقدت 57 من مواطنيها في التحطم، والولايات المتحدة إن معلومات مخابرات لديهما تشير إلى أن صاروخا إيرانيا، ربما أُطلق عن طريق الخطأ، هو ما أسقط الطائرة.

وقال الرئيس حسن روحاني إنه “خطأ كارثي” واعتذر. وذكر قائد كبير بالحرس الثوري أنه أبلغ السلطات بأن صاروخا أصاب الطائرة يوم تحطمها، مما زاد من حالة الغضب في البلاد من التأخر في الإقرار بالمسؤولية.

وكتبت صحيفة أخرى معتدلة هي جمهوري إسلامي، أو الجمهورية الإسلامية، في مقال افتتاحي “يتعين إقالة الذين أخروا نشر السبب وراء تحطم الطائرة وأضروا بثقة الناس في المؤسسة الحاكمة أو أن يستقيلوا”.وانتقاد السلطات في إيران ليس أمرا معتاد.

وتزيد هجمات الصحف والاحتجاجات من التحديات الماثلة أمام المؤسسة الحاكمة التي واجهت في نوفمبر الماضي أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد وأكثرها دموية منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.

ومع اتساع نطاق الاحتجاجات في أنحاء إيران، بما في ذلك مدن كبرى مثل شيراز وأصفهان وهمدان وأروميه، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر “نتابع احتجاجاتكم عن كثب وشجاعتكم مصدر إلهام”.

وأضاف ترامب في تغريداته التي نشرها بالفارسية والإنجليزية لكي تصل إلى أكثر عدد ممكن من الإيرانيين “أقول لقادة إيران، لا تقتلوا متظاهريكم الولايات المتحدة تراقبكم”.

وضاعفت إيران من الانتقادات الموجهة إليها بعد أن عمدت، السبت، إلى احتجاز السفير البريطاني روب ماكير لفترة وجيزة.

وذكرت صحيفة ديلي ميل البريطانية أنه اعتُقل أمام جامعة لتحريضه المحتجين المناهضين للحكومة.

وخرج السفير البريطاني في سلسلة تغريدات لينفي التهم الموجهة له نافيا مشاركته في المظاهرات. وأكد ماكير أن احتجاز الدبلوماسيين ’’أمر غير قانوني’’.

وكتب على موقع تويتر ”أستطيع أن أؤكد أني لم أشارك في أي مظاهرات! فقد توجهت لفعالية تم الإعلان عنها لتأبين ضحايا مأساة الطائرة الأوكرانية المنكوبة. ومن الطبيعي أن أشارك في تأبين الضحايا وبعضهم بريطانيون”.

وأضاف ”غادرت بعد خمس دقائق، عندما بدأ البعض ترديد شعارات”. وأوضح ”تم احتجازي لنصف ساعة بعد مغادرة المنطقة. واحتجاز الدبلوماسيين هو بالطبع غير قانوني، في جميع الدول”.

ودوما مع الموقف البريطاني حيث ندد وزير الخارجية دومينيك راب بالاعتقال، وقال إن بإمكان إيران “الاستمرار في سيرها نحو وضع المنبوذ… أو اتخاذ خطوات لوقف تصعيد التوتر وانتهاج طريق دبلوماسي مستقبلا”.

وتتالت بيانات شجب احتجاز إيران للسفير البريطاني إذ دانت الحكومة الألمانية الاعتقال المؤقت ووصفته بأنه “انتهاك غير مقبول للقانون الدولي”.

وأعلنت وزارة الخارجية الألمانية في تغريدة لها على تويتر الأحد ”ندين هذا التصرف بكل وضوح. الامتثال للقواعد الأساسية في التعامل الدولي يصب في صالح الجميع”.

وأعربت فرنسا أيضا عن تضامنها التام مع بريطانيا. وجاء في بيان قصير للخارجية الفرنسية في باريس أنه من المتوقع أن تفي السلطات الإيرانية بالتزاماتها الدولية.

وأعرب منسق الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن “قلقه الشديد” إزاء الاعتقال المؤقت للسفير البريطاني في طهران.

وكتب بوريل على تويتر “يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الحد من التصعيد وإلى توفير مساحة للدبلوماسية”.

وتأتي هذه التطورات في إيران بعد تصاعد التوتر بينها وبين واشنطن التي انسحبت في عام 2018 من الاتفاق النووي الموقع بين طهران وست قوى عالمية، ثم عاودت فرض عقوبات تصيب الاقتصاد الإيراني بالشلل.

وفي الثالث من يناير، قتلت ضربة أميركية بطائرة مسيرة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني المسؤول عن بناء شبكة إيرانية مؤلفة من قوى إقليمية تحارب بالوكالة في العراق وخارجه.

وردت طهران بضربات صاروخية على أهداف أميركية في العراق. ولم تسفر الضربات عن مقتل أي جندي أميركي، لكن سُمح في الساعات التالية التي سادها التوتر بإقلاع الطائرة الأوكرانية من مطار طهران فأسقطها صاروخ أطلقه مشغل ظن أن الطائرة مصدر هجوم.

وقال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو “إسقاط طائرة مدنية أمر مروع. يجب أن تتحمل إيران المسؤولية كاملة”.

وأضاف أن روحاني تعهد بالتعاون مع المحققين الكنديين والعمل على وقف التوتر في المنطقة ومواصلة الحوار.

وفي تضافر مع المؤسسة الحاكمة، أشاد نواب إيرانيون بقادة الحرس الثوري لشجاعتهم في الإقرار بالخطأ.

وتفاقم الغضب الشعبي من السلطات مع تزايد التساؤلات بشأن تحطم الطائرة.

وتساءل إيرانيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب انشغال المسؤولين بدفع اتهامات الخارج بدل إبداء التعاطف مع عائلات الضحايا.

وتعيد هذه الحادثة إلى الواجهة السخط الشعبي القابل للانفجار في أي لحظة ضد النظام الإيراني، لاسيما بعد ما شهدته طهران من موجة احتجاجات في نوفمبر الماضي وتعمد السلطات استخدام نظرية المؤامرة كأداة لقمع المحتجين.

5