غضب شعبي في ليبيا وسط دعوات لرحيل البعثة الأممية

حنا تيتيه تتعهد بالعمل على إجراء انتخابات بعد محاولات محتجين اقتحام مقرها في طرابلس، ومطالبة حكومة شرق ليبيا بمغادرة البعثة البلاد.
الأربعاء 2025/06/25
الشارع الليبي يغلي

طرابلس – أثار تأجيل المبعوثة الأممية إلى ليبيا حنا تيتيه الثلاثاء خارطة الطريق لإنهاء الأزمة السياسية خلال إحاطتها الدورية لمجلس الأمن الدولي الثلاثاء استياء واسعا في البلاد، مما أسفر عن مظاهرات عارمة ومحاولات لاقتحام مقر البعثة في طرابلس، الأمر الذي دفعها إلى استقبال وفد لتهدئة المحتجين.

وشهدت العاصمة طرابلس الثلاثاء موجة غضب شعبي عارمة، حيث تجمّع محتجون أمام مقر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في منطقة جنزور، محاولين اقتحام المبنى تعبيرا عن إحباطهم من "التدهور المستمر في الوضعين السياسي والاقتصادي".

وجاءت هذه المظاهرات جاءت عقب إحاطة قدمتها رئيسة البعثة، حنا تيتيه، أمام مجلس الأمن الدولي حول تطورات الأوضاع في ليبيا.

وأظهرت مقاطع الفيديو المتداولة على فيسبوك محاولات المتظاهرين للدخول، بينما تحركت مدرعات تابعة للأمم المتحدة لتطويق المقر وسط استمرار تدفق المحتجين.

ويطالب المحتجون، وفقًا لبيان مصور، برحيل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وإسقاط حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة. واعتبروا أن الإحاطات الأممية "لا تحمل معنى ولا تقدم أي حل للأزمة الليبية"، مطالبين الأمم المتحدة بـ"إيجاد حل أو ترحيل عن البلاد"، والعودة لمجلسي النواب والدولة لوضع حل للأزمة.

وفي محاولة لاحتواء الموقف، استقبلت البعثة الأممية مساء الثلاثاء وفدا عن "لجنة الحوار الوطني بالمنطقة الغربية"، ممثلين عن متظاهرين محبطين من "التدهور المستمر في الوضعين السياسي والاقتصادي في جميع أنحاء ليبيا"، وفق بيان أصدرته البعثة.

ولجنة الحوار الوطني بالمنطقة الغربية شكلها قبل أيام المجلس الاجتماعي للمنطقة الغربية (أهلي قبلي) للتباحث مع الاجسام السياسية والاجتماعية لحلحلة مشاكل سياسية واجتماعية في المنطقة.

وأكد وفد اللجنة على ضرورة أن تكون أي عملية سياسية في ليبيا "محددة زمنيًا، وتتضمن معالم واضحة نحو إجراء الانتخابات"، داعين البعثة إلى "أخذ بواعث قلقهم على محمل الجد، ودعم مسار سريع يأخذ مطالب الشعب الليبي في الحسبان، ويضمن المساءلة والشمول، ويفضي إلى تقدم ملموس في العملية السياسية".

ومن جانبها، تعهدت البعثة لوفد لجنة الحوار بأنها "ستواصل العمل مع الليبيين في سعيهم من أجل مؤسسات موحدة وإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن".

ويعكس بيان البعثة الأممية محاولة واضحة لتهدئة الأوضاع في أعقاب المظاهرات العنيفة، فهي من خلال استقبال وفد المحتجين والتأكيد على التزامها بدعم توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، تسعى البعثة لإظهار أنها تستمع لمطالب الشعب الليبي، لكن مع ذلك، فإنها تواجه تحديات كبيرة تتمثل في عمق الانقسامات السياسية والانتقادات الحادة من الأطراف الفاعلة الأخرى.

وجاءت إحاطة المبعوثة الأممية أمام مجلس الأمن الدولي متسمة بالحذر والقلق، حيث أعلنت عن تأجيل الكشف عن خارطة طريق لإنهاء الأزمة السياسية المتفاقمة، مشيرة إلى تعثر المشاورات مع الأطراف الليبية.

وهذه الإحاطة عكست حجم التحديات التي تواجه بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في ظل انقسامات داخلية متجذرة ومخاوف دولية من انزلاق البلاد مجددا إلى دائرة العنف والفوضى المالية.

وسلطت تيتيه الضوء على استمرار الانقسام بين الحكومتين في طرابلس وبنغازي، وفشل الجهود المتكررة لتشكيل سلطة تنفيذية موحدة.

وأكدت أن الصراعات وغياب التشريعات الضرورية لإجراء الانتخابات أفرغت العملية السياسية من مضمونها، في وقت تشهد فيه البلاد توترات أمنية وتصاعدًا في الاشتباكات بين الجماعات المسلحة، خاصة في مناطق التماس الحيوية.

ولم تخف المبعوثة قلقها حيال الوضع الإنساني، مشيرة إلى التدهور الحاد في ظروف النازحين داخليًا، وغياب الوصول إلى الخدمات الأساسية، وضعف جهود إعادة الإعمار.

وعلى نحو لافت، أعلنت تيتيه عن تحول في استراتيجية البعثة الأممية، بالتركيز على المسار الاقتصادي كمدخل جديد لكسر الجمود السياسي، وهو ما وصفته بـ"الفرصة الأخيرة" لإنقاذ ما تبقى من الاستقرار المالي، ودعت إلى حوار وطني لتشكيل “خريطة طريق مالية موحّدة”، وسط تحذيرات جدّية من انهيار اقتصادي وشيك نتيجة تدهور قيمة الدينار الليبي وتضارب السياسات النقدية بين شرق البلاد وغربها.

ومن بين ما كشفت عنه تيتيه في إحاطتها، عقدها سلسلة لقاءات في جنوب البلاد مع ممثلين عن القبائل والأعيان، في محاولة لتجاوز حالة التهميش التاريخي التي يعانيها الإقليم، وأكّدت أن هناك توافقا أوليا على استمرار الحوار وضمان إيصال صوت الجنوب في صياغة أي اتفاقات وطنية مستقبلية، وهو ما يُعد اختبارا جديدا لمدى شمولية العملية السياسية.

وفي المقابل، استنكرت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان ما ورد في إحاطة المبعوثة الأممية، واصفة إياها بأنها تضمنت "العديد من التجاوزات غير المقبولة".

وأعربت في بيان نشر على مواقعها الرسمي اليوم الأربعاء عن رفضها القاطع لـ"صمت المبعوثة الأممية إزاء ما شهدته العاصمة طرابلس من اعتداءات مسلحة واقتحامات لمؤسسات الدولة السيادية من مجموعات مسلحة تتبع رئيس حكومة الوحدة الوطنية".

وأكدت حكومة أسامة حماد أن تظاهر المواطنين أمام مقر بعثة الأمم المتحدة الثلاثاء في جنزور بالعاصمة طرابلس "يعد تعبيرا صادقا عن الغضب الشعبي المتصاعد تجاه سياسات البعثة المنحرفة عن مسارها، والتي باتت تسهم في تعطيل الإرادة الوطنية وتعميق الانقسام"، معتبرة أنها تتجاهل مطالب "الأغلبية من أبناء الشعب الليبي، الرافضين لحالة العبث السياسي والداعين إلى توحيد السلطة التنفيذية وإجراء انتخابات نزيهة"، بحسب البيان.

واستنكرت حكومة شرق ليبيا "تدخل" المبعوثة في السياسات المالية للحكومة، معتبرة أنه "يعد تدخلا سافرا في صلاحيات السلطة التشريعية المنتخبة، وتعديا صريحا على مبدأ السيادة الوطنية".

وطالبت الحكومة البعثة الأممية بمغادرة البلاد بشكل فوري وأن "تعلم يقينا أنها غير مرغوب بتواجدها في ليبيا". وجددت دعوتها للمجتمع الدولي إلى التعامل مع الملف الليبي "بجدية ومسؤولية، وبناء على أسس واقعية وواضحة"، مؤكدة التزامها المطلق بتنفيذ استحقاق الانتخابات، وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة تمثل جميع الليبيين. انتخابات موثوقة طال انتظارها.

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها البعثة الأممية للدعم في ليبيا  انتقادات أو احتجاجات شعبية، فمنذ تأسيسها عام 2011، اصطدمت البعثة بتحديات هائلة في مهمتها لتقديم الدعم السياسي والوساطة ببلد يعصف به الصراع والانقسام، مما يترجم غالبا إلى حالة من عدم الرضا الشعبي والسياسي تظهر في صورة انتقادات مباشرة أو حتى مظاهرات.

وتعاني ليبيا من جمود سياسي مستمر وفشل متكرر في التوصل لحلول دائمة، وهذا الوضع يُلقي بظلاله الثقيلة على البعثة الأممية، التي تُعد طرفاً محورياً في تيسير العملية السياسية، فكلما تأخرت الحلول أو أخفقت المبادرات، يُحمّل الليبيون بمختلف أطيافهم البعثة جزءاً من المسؤولية.

وتعمل البعثة في بيئة شديدة التعقيد حيث تتصارع حكومتان وتتعدد الميليشيات والمصالح، وكل طرف يميل لانتقادها إذا شعر بميلها لطرف آخر أو لم تستجب لمطالبه الخاصة، وهذا ما تجلى بوضوح في رد فعل حكومة الشرق على إحاطة حنا تيتيه.

وكانت آمال الليبيين معلقة على نجاح البعثة في إنهاء الصراع وتوحيد البلاد وإجراء الانتخابات، لكن عندما لا تتحقق هذه التوقعات بالسرعة المأمولة، يتصاعد الإحباط ليتحول إلى انتقادات حادة لدور البعثة ومدى فعاليتها.

وينظر بعض الليبيين، وخاصة الأطراف التي تتبنى خطاباً قومياً، إلى وجود البعثة الأممية كشكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مما يثير حساسيات عميقة حول السيادة الوطنية، وأي خطوة تُفسر كتجاوز لهذا المبدأ تُقابل برفض قاطع.

وشهدت البعثة الأممية تعاقباً لعدد من المبعوثين الخاصين، وكل منهم جاء باستراتيجيات ومقاربات مختلفة، هذا التغير المستمر قد يؤثر على استقرار العملية السياسية ويخلق شعوراً بعدم الاستمرارية أو القدرة على تحقيق اختراق حقيقي.

ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في ليبيا، يُنظر إلى البعثة أحيانا على أنها غير فعالة في معالجة هذه القضايا بشكل مباشر، مما يزيد من رصيد السخط الشعبي تجاهها.

ويؤكد تكرار هذه الانتقادات والاحتجاجات أن البعثة الأممية تعمل في بيئة مليئة بالتحديات، وأن مهمتها تتطلب توازناً دقيقاً بين الوساطة السياسية، وتلبية التطلعات الشعبية، والتعامل مع الأطراف الليبية المتنازعة، مع احترام مبدأ السيادة الوطنية.

ومع فشل كل العمليات السياسية السابقة في إيجاد حل للأزمة، تثار الشكوك لدى الليبيين من أن قادة بلادهم لا يريدون حلا يقود للانتخابات بل يفضلون البقاء في مناصبهم.

وحملت مداولات مجلس الأمن الدولي إشارات دعم واضحة لعمل بعثة الأمم المتحدة، لكن مع تباين في درجات اللهجة والمطالب، فالولايات المتحدة شددت على ضرورة تمكين الحكومة الليبية من ممارسة سيادتها، مع التأكيد على أولوية إجراء الانتخابات، أما المملكة المتحدة أبدت قلقها إزاء الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، ودعت لضبط النفس واستئناف المسار السياسي.

وتمسكت روسيا والصين بمبدأ السيادة الليبية، مع رفض أي تدخل خارجي، ودعوتين واضحتين للحوار الليبي-الليبي، بينما طالبت فرنسا بتسريع توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية، ووقف الجمود السياسي، فيما رحبت الإمارات بجهود المصالحة الوطنية، ودعت اليونان إلى وقف العنف ومحاسبة منتهكي حقوق المدنيين.

ومن المتوقع أن يصدر مجلس الأمن بيانا جديدا يدعم اللجنة الاستشارية الليبية، مع دعوة صريحة لاستئناف المفاوضات ووضع معايير واضحة لقياس التقدم، لا سيما في المسارات الأمنية والاقتصادية، تمهيدًا لإجراء