غضب شعبي على الحكومة المصرية لاستمرار حوادث القطارات القاتلة

الغضب ضد حادث القطار الأخير يرتبط بأنه رغم إنفاق الحكومة مبالغ مالية ضخمة للتطوير والتحديث وشراء عربات جديدة، إلا أن مثل هذه الحوادث متواصلة.
الخميس 2023/03/09
أموال ضخمة للتطوير بلا نتائج

القاهرة – ارتفع عدد ضحايا حادث قطار في مصر إلى أربعة قتلى و23 مصابا الأربعاء، وسط غضب شعبي على الحكومة لاستمرار حوادث القطارات، على الرغم من ضخامة الأموال التي تم تخصيصها لتطويرها خلال السنوات الماضية.

وفتحت النيابة العامة تحقيقات موسعة في الحادث الذي وقع الثلاثاء وتعهدت وزارة النقل بمحاسبة المتورطين، لكن ذلك لم يخفف غضب الشارع المصري، والذي اعتاد على ترديد المسؤولين روايات مختلفة كلما جدّ حادث.

وقالت وزارة النقل إن الحادث وقع بعد أن تجاوز سائق القطار حاجزًا كان يتعين عليه الوقوف قبله واستمر في السير حتى ارتطامه بالجزء الخاص للحماية في نهاية الطريق.

واتهمت الوزارة التي يرأسها الفريق كامل الوزير سائق القطار بأنه السبب في الحادث ولم يلتزم بإشارة المرور “السيمفاور”، وحاولت تبرئة ساحتها واتهام الركاب بأنهم كانوا يستقلون القطار بشكل غير شرعي والوجود بين العربة الأولى والجرار.

سعيد صادق: تكرار حوادث القطارات يوسع الفجوة بين الشارع والحكومة
سعيد صادق: تكرار حوادث القطارات يوسع الفجوة بين الشارع والحكومة

وتركت تفسيرات وزارة النقل شكوكا، لأنها أعلنت من قبل عن تنفيذ مشروع ضخم للقضاء على الأخطاء البشرية في السكة الحديد من خلال وضع أنظمة إلكترونية للمراقبة والتحكم في سير القطارات باستثمارات بلغت 17 مليار جنيه (نحو 550 مليون دولار حاليا)، ولا تزال تعلق الحوادث على شماعة العنصر البشري.

والأربعاء تحرك عدد من أعضاء البرلمان لتقديم طلبات إحاطة وأسئلة عاجلة لرئيس الوزراء ووزير النقل على وقع استمرار مسلسل الإهمال في قطارات تخدم البسطاء.

وقال النائب البرلماني فريد البياضي، ممثل الحزب المصري الديمقراطي، في طلب إحاطة عاجل للحكومة، “من غير المقبول أن تنفق وزارة النقل مليارات الجنيهات على قطارات لا يركبها سوى نخبة قليلة، بينما دماء المواطنين تنزف على قضبان السكك الحديد وتحتاج إلى بعض الملايين لتطوير المنظومة وحمايتهم”.

وتقع حوادث السكك الحديد في مصر غالبا في قطارات تستهدف شريحة الفقراء ومتوسطي الدخل، ولا يتذكر المصريون أن حادثا واحدا شهده المرفق طوال السنوات الماضية في القطارات الخاصة المميزة، والتي حظيت باهتمام بالغ من الحكومة جراء ارتفاع أسعار تذاكر ركوبها وتحصيل بعضها بالدولار أو اليورو.

ومع كل حادث يتنامى الشعور بأن استمرار الإهمال يبدو متعمدا، ما يمكّن الحكومة من التسويق لفكرة التوسع في خصخصة المرفق وإسناده لشركات لها خبرة في الإدارة، وهي خطة سبق أن روّج لها وزير النقل وقوبلت بغضب برلماني وشعبي.

ويرى مراقبون أن الغضب ضد حادث القطار الأخير يرتبط بأن الناس صمتوا على إنفاق الحكومة مبالغ مالية ضخمة للتطوير والتحديث وشراء عربات جديدة، لكنهم يشاهدون استمرار مسلسل الحوادث القاتلة، على الرغم من التسويق السياسي والإعلامي بأن المخصصات المالية الضخمة ستمنع حوادث القطارات.

وأنفقت الحكومة مبالغ طائلة على تطوير السكة الحديد، وتضم الأجندة الاستثمارية لوزارة النقل تنفيذ 257 مشروعا لتطوير المرفق بكلفة استثمارية تصل إلى نحو 14.4 مليار دولار بحلول 2024، فيما تعقد الكثير من الاتفاقيات مع جهات أجنبية من أجل إقراضها مبالغ ضخمة لشراء العربات والجرارات الجديدة وإجراء عمليات تحديث وتجديد في المرفق، وآخرها كان مع الوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 94 مليون يورو.

مصر

ودافع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن المخصصات المالية الضخمة الموجهة إلى قطاع النقل، وتحديدا السكك الحديد، مستندا إلى ما كان يقع من حوادث كثيرة جراء ترهل المرفق وإهماله، في حين يشعر الناس بأن الحكومة أصبحت عاجزة عن إيجاد حلول واقعية لمنع الكوارث التي تحدث بشكل دوري في هذا المرفق.

وشهدت أسعار تذاكر القطارات ارتفاعات كبيرة تتواكب مع تطوير المرفق، وقالت الحكومة إنه من حقها تحصيل مقابل ذلك من المواطنين، غير أنها أصبحت في وضع حرج أمام الشارع مع استمرار حوادث القطارات.

وقال سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي، إن “الغضب الشعبي ضد الحكومة بسبب حوادث القطارات مشروع وطبيعي، لأن هناك شعورا بفشل الحكومة في مهمة التطوير، وتبدو متهاونة وغير مكترثة بأمن الناس، مقابل التركيز على شريحة بعينها من المواطنين تقدم لهم خدمة نقل ممتازة وآدمية”.

وأضاف لـ”العرب” أن “تكرار الحوادث في مرفق حيوي رغم الترويج الكبير للإنجازات التي تحققت يوسع الفجوة بين الشارع والحكومة على مستوى الثقة، ويثير المزيد من الشكوك حول مكتسبات تحققت من مشاريع تنموية ضخمة، وبدأت تثير غضب الناس لأنها تستحوذ على نصيب كبير من الإنفاق الحكومي”.

وطالت الاتهامات مجلس النواب (البرلمان)، وعليه أن يتحمل جزءا من مسؤولية الإخفاقات الحكومية لأنه لم يقم بمراقبة المسؤولين ويتدخل لتصويب مسار مؤسسات تئن من الإهمال والفوضى وتتكرر فيها حوادث القطارات.

وتركت العشوائية في الإدارة أثرا سلبيا لدى المواطنين يتعلق بسوء الخدمات المرتبطة بهم وتجاهل تحسين قطاعات يتعاملون معها بشكل يومي، ويعتبرون أن هناك مشاريع في مجالات الطرق والنقل تخدم طبقة معينة ومحدودة العدد.

ولا تزال أزمة العلاقة بين المواطنين والوزارات الخدمية في مصر مسألة عصية على الحل، لأن حقائب مثل النقل والمواصلات تدار من خلال مراكز قوى يصعب تفكيكها بسهولة، وتغيب المحاسبة وتتوه الحقيقة ويستمر الإهمال، ما يجعل حوادث القطارات متكررة من دون وقفة جادة تستهدف تصحيح المسار.

خخ

وهناك شعور متصاعد بأن اتجاه الحكومة نحو اتخاذ إجراءات اقتصادية صعبة على مدار السنوات الماضية ضاعف الأعباء على المواطنين، حيث استقطعت أجزاء كبيرة من مصادر دخولهم وأرزاقهم ولم تصاحبها إجراءات موازية لإصلاح المرافق الحكومية وتطوير العنصر البشري الذي يتم تحميله مسؤولية الإهمال.

وصارت الحكومة تقدم لخصومها السياسيين هدايا بالجملة؛ وذلك بتكرار إخفاقها في إدارة ملفات تمس صميم احتياجات الشارع، على رأسها التنقل الآمن وتجنب الموت في وسيلة مواصلات عامة، ومثل هذه الحوادث تستثمرها تيارات معادية للتشكيك في جدوى المشاريع التنموية ومحاولة تأليب الناس على النظام المصري.

وظهرت هذه المسألة بقوة مع تركيز الإعلام التابع لجماعة الإخوان على مقارنة أعداد حوادث القطارات بضخامة ما ينفق على مرفق النقل والطرق سنويا.

 

• اقرأ أيضا:

            حل أزمة الغذاء في مصر يصطدم بالملء الرابع لسد النهضة

            انضباط أم عسكرة في مصر

2