غضب شعبي عارم في ليبيا إثر تلويح الدبيبة برفع دعم المحروقات

الليبيون يدعون إلى إسقاط حكومة الدبيبة متهمين إياها بالتسبب في تفاقم الأزمة الاقتصادية ومقاطعة شركات رجل الأعمال النافذ المقرب منه، محمد الرعيض.
الأربعاء 2025/04/23
بدائل الدبيبة لرفع الدعم لا تروق للمواطنين

طرابلس - أثارت تصريحات رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة حول إمكانية رفع الدعم عن المحروقات موجة غضب واسعة في الأوساط الشعبية وعلى منصات التواصل الاجتماعي، لتضاف إلى حالة الاحتقان المتصاعدة جراء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

هذا الغضب الشعبي لم يقتصر على تصريحات الدبيبة، بل امتد ليشمل رجل الأعمال النافذ المقرب منه، محمد الرعيض، الذي أثارت تصريحاته "المستفزة" خلال المنتدى الاقتصادي الليبي دعوات صريحة لمقاطعة منتجات شركته.

واتهم نشطاء ليبيون الدبيبة والرعيض بالتسبب بشكل مباشر في تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، مستندين في ذلك إلى تقارير صادرة عن مصرف ليبيا المركزي تشير إلى عمليات "صرف مواز" مشبوهة.

وبلغ السخط الشعبي أوجه، حيث طالب العديد من النشطاء بإسقاط حكومة الدبيبة، محملين إياها المسؤولية الكاملة عن التدهور الاقتصادي الذي يرزح تحته المواطن الليبي، وذلك على الرغم من محاولات الدبيبة تقديم "بدائل" لما أسماه "هدر مئات المليارات" في دعم الوقود.

وطرح الدبيبة ثلاثة خيارات بديلة لنظام دعم الوقود الحالي، تتضمن "منح دعم نقدي مباشر للمواطنين"، أو "زيادة شاملة في الرواتب"، أو "تخصيص حصة محددة لكل مواطن من الوقود المدعم عبر بطاقات ذكية".

وأكد الدبيبة أن "مهربي الوقود" شنوا ضده حملة ممنهجة في السابق عندما أثار هذا الملف، داعيًا مؤسسات الدولة إلى توضيح الحقائق للشعب الليبي حول كيفية وقف نزيف مئات المليارات من الدينارات التي تُهدر في دعم الوقود بشكل غير فعال.

وفي خضم هذا الجدل المحتدم حول الإنفاق الموازي والخلافات المستمرة بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا، عاد إلى السطح بقوة النقاش القديم حول رفع الدعم عن الوقود، خاصة بعد دعوة محافظ مصرف ليبيا المركزي ناجي عيسى إلى "مراجعة جذرية لسياسة دعم المحروقات واستبدالها بنظام دعم نقدي مباشر للمستحقين".

وقد جاءت هذه الدعوة خلال لقاء جمع محافظ المركزي برئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد، مما أضفى مزيدًا من الزخم على هذا الملف الشائك.

وخلال مؤتمره الصحافي، أكد الدبيبة أن ليبيا تعتبر حاليا الدولة الأرخص عالميا في أسعار الوقود، مشيرًا إلى أن حكومته "عجزت عن مجاراة هذا السعر الرخيص" وعن "إيقاف عمليات تهريبه المنظمة إلى دول الجوار وحتى إلى أوروبا عبر بعض الموانئ الليبية".

ودعا القطاع الخاص إلى الاستثمار في الصناعات التحويلية، وعلى رأسها قطاع تكرير النفط، معترفًا بأن تحقيق ذلك يتطلب دعمًا قويًا من المصارف الليبية، ومشددًا على ضرورة أن تتوقف الدولة عن استيراد الوقود بشكل كامل.

وحذر المحلل الاقتصادي محمد الشحاتي بشدة من مغبة الإقدام على خطوة رفع دعم الوقود دون وضع خطة اقتصادية واضحة ومتكاملة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الهش الذي تعيشه البلاد.

ورأى الشحاتي في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن هناك "دوافع سياسية" تقف وراء إثارة هذا الموضوع في هذا التوقيت بالذات، مؤكدًا أن "الصراع على الموارد المالية" يلعب دورًا رئيسيًا في هذا الجدل.

 وانتقد الغموض الذي يكتنف طريقة رفع الدعم، متسائلاً عما إذا كانت الفروقات الناتجة عن ذلك ستُحول نقدًا للمواطنين أم ستُوظف في مشاريع إنتاجية تخدم الاقتصاد الوطني.

وأشار الشحاتي إلى أن صندوق النقد الدولي يسعى لفرض نموذجه الاقتصادي في ليبيا، والذي يتضمن بشكل أساسي رفع الدعم عن المحروقات وتقليص الإنفاق الحكومي على الرواتب، لكنه أكد أن الصندوق لم يتمكن حتى الآن من تمرير هذه الأجندة رغم محاولاته "الناعمة". وخلص إلى أن الوضع الاقتصادي والمالي في ليبيا لا يزال يعاني من هشاشة كبيرة تجعله غير قادر على تحمل مثل هذا "التحول الدراماتيكي".

تزامنت دعوات إسقاط حكومة الدبيبة مع حملة مقاطعة شعبية واسعة النطاق استهدفت منتجات شركة "النسيم" المملوكة لرجل الأعمال محمد الرعيض، وذلك على خلفية تصريحات "نارية" أطلقها خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي الليبي.

وقد دعا الرعيض، المعروف بدعمه القوي لحكومة الدبيبة، بشكل صريح إلى رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والمياه، وهو ما اعتبره المواطنون "تجاوزًا للخطوط الحمراء" في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها.

وما زاد من حدة الغضب الشعبي هو ادعاء الرعيض بأن الأزمة الاقتصادية في ليبيا سببها "ثقافة المواطن" وأن ضعف المرتبات ليس مسؤولية الحكومة، بل ناتج عن "ثقافة الاعتماد على الدولة". كما أثارت تصريحاته بأن "دخول كل الطلاب إلى الجامعة يُعد كارثة" موجة استياء عارمة، ووصفها النشطاء بأنها "مستفزة ومهينة".

في كلمته خلال المنتدى، دافع الرعيض عن القطاع الخاص الليبي، مؤكدًا أنه "الوحيد في العالم الذي يعمل بمدخراته دون دعم من المصارف"، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لإجراء إصلاح اقتصادي جاد.

وزعم أن الشعب يشكو من الوضع الاقتصادي لأنه "اعتاد الاعتماد على الدولة"، محملًا السياسة التعليمية الخاطئة مسؤولية "التوظيف العشوائي" الذي وصفه بـ"الكارثة على البلاد".

كما دعا إلى استبدال دعم الوقود ورفع أسعاره تدريجيًا، وتشكيل لجان حوارية تضم القطاع الخاص والوزراء للوصول إلى قرارات حاسمة.

لم يتأخر الرد الشعبي على تصريحات الرعيض، حيث أطلق العديد من الليبيين حملة مقاطعة واسعة لمنتجات شركته تعبيرًا عن رفضهم لتصريحاته ومواقفه التي اعتبروها بعيدة كل البعد عن واقع المواطن ومعاناته اليومية. وقد لاقت هذه الحملة تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث دعا العديد من النشطاء إلى التكاتف لإنجاح هذه المقاطعة كأداة ضغط شعبية.

وعلق المرشح الرئاسي السابق سليمان البيوضي على حملة المقاطعة، معتبرًا أنها تمثل "أعلى درجات الوعي الجمعي". ورأى أن الالتزام بهذه المقاطعة وإنجاحها "سيقض مضاجع العابثين ويخيفهم على مستقبلهم"، مؤكدًا أنها ستكون "فرصة لاستعادة الشارع لدوره ليتحرك متضامنًا لإنهاء حالة العبث والنهب وتفقير الليبيين".

تشهد ليبيا حالة من الغليان الشعبي غير المسبوقة، حيث تضافرت تصريحات الدبيبة حول رفع دعم المحروقات مع تصريحات الرعيض "المستفزة" لتشعل فتيل الغضب وتدفع باتجاه دعوات صريحة لإسقاط الحكومة ومقاطعة الشركات المرتبطة بها. يعكس هذا المشهد حالة الاحتقان المتزايدة جراء الأزمة الاقتصادية وتآكل القدرة الشرائية للمواطنين، ويضع حكومة الوحدة الوطنية أمام تحديات جسيمة تتطلب استجابة حقيقية لمطالب الشعب ومعالجة جذرية للأسباب الكامنة وراء هذا الغضب العارم.