غضب داخل الاتحاد العام التونسي للشغل يمهد لانتفاضة على الطبوبي

قيادات من الاتحاد العام التونسي للشغل يحمّلون الطبوبي مسؤولية القطيعة بين المنظمة والسلطات التونسية من خلال التعامل السلبي معها.
الأحد 2024/12/15
صرخة الطبوبي.. كل شيء ضاع

تونس- يدخل خمسة من قيادات المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل في اعتصام مفتوح بمقر الاتحاد بداية من يوم الخامس والعشرين من ديسمبر الجاري احتجاجا على الوضع الذي آلت إليه المنظمة النقابية الأكبر في البلاد، ما يعكس حدة الخلافات بين الأمين العام نورالدين الطبوبي ومساعديه.

وقالت مصادر تونسية مقربة من الاتحاد إن الخلاف الأساسي يكمن في رفض عدد من القيادات القطيعة بين الاتحاد والسلطات التونسية، ما جعل المنظمة على الهامش في وقت كانت فيه طرفا رئيسيا في المشهد قبل سنوات.

باسل الترجمان: خلافات على تقاسم المكاسب وليس من أجل وضع المنظمة
باسل الترجمان: خلافات على تقاسم المكاسب وليس من أجل وضع المنظمة

وأشارت المصادر إلى أن النقابين المعارضين لخط القيادة يحمّلون الطبوبي مسؤولية هذه القطيعة من خلال التعامل السلبي مع السلطات وسعيه لفرض شروط عليها دون أن يفهم أن الوضع تغير كليا، وأن الرئيس قيس سعيد لا يمكن التعامل معه بمنطق الشروط المسبقة وأنه لا يقبل محاولة فرض الدور السياسي للاتحاد عليه.

وجاء قرار الاعتصام بعد اجتماع عام انعقد السبت بمشاركة كل القواعد النقابية من جامعات مهنية وفروع نقابية من عدة ولايات، وفق ما أشارت إلى ذلك الوكالة الرسمية التونسية. وأعلن أنور بن قدور وعثمان الجلولي ومنعم عميرة والطاهر المزي وصلاح الدين السالمي أعضاء المكتب التنفيذي للمركزية النقابية الدخول في اعتصام مفتوح الأربعاء القادم مع عقد مؤتمر صحفي لإنارة الرأي العام التونسي بشأن الأوضاع التي وصفوها “بالمتردية” التي آلت إليها المنظمة النقابية.

ويعتبر محللون سياسيون تونسيون أن خروج الخلافات داخل الاتحاد إلى العلن أمر متوقع، وأن الأمر قد يتطور أكبر إلى انشقاقات إذا لم تعمل القيادات النقابية على تطويق هذا التطور المهدد لوحدتها، لافتين إلى أن الاعتصام يعكس التوترات التي تلت مؤتمر سوسة الاستثنائي، الذي أقر التمديد للقيادة الحالية لفترة جديدة في تناف مع تقاليد الاتحاد.

وقال المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان “يحقّ لنا أن نستغرب من إضراب هؤلاء خصوصا وأنهم من بين من خططوا لمؤتمر سوسة وشاركوا فيه، وبالتالي ما الذي جرى حتى يحتجوا الآن؟”

وكان الاتحاد عقد مؤتمرا استثنائيا في يوليو 2021 صادق فيه على تنقيح الفصل 20 من النظام الأساسي، والذي تم بمقتضاه فسح المجال أمام أعضاء المكتب التنفيذي الوطني للترشح لأكثر من دورتين متتاليتين.

المنذر ثابت: بوادر انشقاق تؤكد وجود خلافات تهدد وحدة المنظمة النقابية
المنذر ثابت: بوادر انشقاق تؤكد وجود خلافات تهدد وحدة المنظمة النقابية

وأضاف الترجمان في تصريح لـ”العرب”، “يبدو أن هنالك خلافات على تقاسم المكاسب داخل الاتحاد وليس خلافات هيكلية من أجل وضع المنظمة، خاصة وأنهم شاركوا في مؤتمري سوسة وصفاقس“.

وتابع الترجمان “هنالك تيار آخر يطالب باستقالة الطبوبي ومحاسبة المتورطين في الفساد“.

وتوسعت دائرة الخلافات الداخلية لتظهر للعلن في الأشهر الأخيرة، وكشفت عن انقسام واضح بين تيّار تقليدي يتمسك بالدور السياسي للمنظمة ويرفض الاقتصار على لعب دور نقابي مع التصعيد ضدّ السلطة، وآخر يساند مسار 25 يوليو ويدعو إلى ضخّ دماء جديدة في القيادة، بعد أن اتضّح أن القيادة الحالية لم تحسن إدارة الأزمة مع أخذ قرارات مرتبكة لا تخدم مصالح الاتحاد.

وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “في كل الحالات هي أزمة، وهذا بمثابة بوادر انشقاق داخل المنظمة وتؤكد وجود خلافات، كما تصدع بناء الاتحاد لما تمت مراجعة الحد من ولايات الأمين العام“.

وأضاف لـ”العرب” أن “اتحاد الشغل كان استثناء تنظيميا بالنسبة إلى فترات سابقة وصولا إلى 2011، لكن يبدو أن التراجع على هذا الاعتبار، نظر إليه أنه انقلاب من الطبوبي، وضعف الاتحاد لا يمكن أن يكون معطى إيجابيا“.

ولفت ثابت إلى أن “هذا التأزم قد يقود إلى تفكك الاتحاد، والتيار الإصلاحي برز داخل المنظمة، ومن المفروض أن يتم التوافق على نقاط الاختلاف“.

◄ أعضاء المكتب التنفيذي يصفون الأوضاع التي آلت إليها المنظمة النقابية وصفوها "بالمتردية"
أعضاء المكتب التنفيذي يصفون الأوضاع التي آلت إليها المنظمة النقابية وصفوها "بالمتردية"

وبدأ الطبوبي وأعضاء الفريق الذي يحيط به نفسه يخسرون نفوذهم في قطاعات مهمة وذات تمثيلية عالية داخل المنظمة في ضوء اتهامات له لمواقفه بأنها تصب في صالح معارضي قيس سعيد، وأنه يضغط من وراء ذلك من أجل دفع الرئيس سعيد لاستقباله والرضاء بأن يلعب الاتحاد دورا سياسيا كما كان يحصل في السابق.

ويبدو أن قيادة الاتحاد لم تفهم بعد حدود الإطار النقابي الذي حددته لها السلطة، وظلت تراوح بين التصعيد والتهدئة في صراعها معها أملا في تغيير موقفها.

ومنذ ما يزيد عن سنتين، تقلّص دور المنظمة النقابية بعد أن خصّص لها الرئيس قيس سعيد إطارا واضحا تنشط فيه لا يتجاوز الدور النقابي مع عدم الاقتراب من المربّع السياسي، خلافا لما كانت تتمتع به سابقا من مشاركة في صنع القرار السياسي والتدخل للعب دور الوساطة في الأزمات والتفاوض مع السلطة بصبغة سياسية.

وأدت مبادرة الحوار التي دعا إليها اتحاد الشغل إلى توتر بين المنظمة النقابية والرئيس التونسي، إثر التصعيد الذي أبدته المركزية النقابية بهدف دفع السلطة إلى الاعتراف بها شريكا سياسيا لرسم خارطة الطريق للمرحلة المقبلة، وهو ما يرفضه سعيد ويرى فيه مساسا بشرعية مسار الخامس والعشرين من يوليو.

ويقرّ الملاحظون بأن قدرات الاتحاد الذاتية والشعبية تراجعت، فخلال العشرية الماضية كانت المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا في البلاد أشبه بحزب سياسي كبير، وأشرف الاتحاد على الحوار الوطني في 2013، لكن الأمر مختلف تماما بعد مسار 25 يوليو.

 

1