غضب بين المصريين في الخارج من الضرائب على الهواتف والتحويلات المالية

القاهرة - تثير إجراءات توصف بالاستفزازية غضب المصريين المغتربين على حكومة بلادهم، وآخرها فرض ضريبة الهواتف المحمولة على المواطنين القادمين من الخارج، والتلويح بفرض رسوم على تحويلاتهم إلى البنوك المحلية.
ورغم نفي الحكومة أن تكون الضرائب المستحدثة موجهة إلى المصريين العاملين في الخارج لم يخفف الخطاب الرسمي حدة مواقف البعض منهم، وأطلقوا حملة إلكترونية لوقف تحويلات المغتربين إلى البنوك المصرية بهدف الضغط على الحكومة للتراجع عن سياسة الجباية التي تفرضها عليهم، في صورة رسوم وضرائب جديدة.
وظهر استفزاز الحكومة للمغتربين في السماح لكل منهم بدخول البلاد بهاتف واحد شخصي لمدة ثلاثة أشهر، وبعد ذلك يلتزم بدفع ضريبة أو تتوقف خدمات الاتصالات بهاتفه، وفرض ضريبة مبالغ فيها على أي هاتف جديد يجلبه معه أي مواطن. ويقول مصريون بالخارج إن هذه النوعية من الإجراءات مثيرة، لأن الضريبة لا يتم فرضها على الأجانب الذين يصلون إلى مصر لأغراض سياحية، بل موجهة إلى الموطنين بشكل خاص.
وتمثل تحويلات المغتربين المصريين أهم روافد العملة الأجنبية، حيث ارتفعت خلال آخر عشرة أشهر بنسبة وصلت إلى 68.4 في المئة، وارتفعت إلى 23.7 مليار دولار، في ذروة انخفاض عوائد قناة السويس بعد تصاعد التهديدات الأمنية من جانب جماعة الحوثي اليمنية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن.
وتلقفت المنابر الإعلامية المملوكة لجماعة الإخوان إجراءات الحكومة موظفة إياها في تأليب المصريين بالخارج على الدولة وحضهم على وقف تحويلاتهم عبر البنوك الوطنية، بحيث يتم توريط الدولة في أزمة دولارية جديدة وتكون مضطرة إلى التراجع عن تلك التصورات أو تستثني منها المغتربين المصريين.
ونجحت الحكومة المصرية في استعادة وتيرة تدفق العملات الصعبة عبر العاملين في الخارج بعد محاصرة السوق الموازية (السوق السوداء) واتخاذ حزمة واسعة من الإصلاحات، من بينها وقف المضاربات لتوحيد سعر الصرف، ومن ثم ارتفعت التحويلات بعد أن أصبحت قيمة العملة في البنوك موازية للسعر نفسه في السوق السوداء.
ودافع مسؤولون داخل الحكومة عن القرارات الأخيرة، بأنها لا تستهدف المصريين المقيمين في الخارج، لكنها تُعالج بعض السلبيات المرتبطة بتهريب بضائع لها منافس محلي، مثل الهواتف، وذلك لصالح المستثمرين والاقتصاد القومي، لكن تلك المبررات لم تبدد غضب بعض المغتربين على الحكومة.
وتزامن خلاف الطرفين مع توجه القاهرة نحو تنويع وزيادة تحويلات العاملين في الخارج بمسارات مختلفة، من بينها تأسيس كيانات استثمارية تتراوح بين صناديق استثمار وشركات لتعزيز فرص استثمار مدخراتهم، وطرح صندوق استثماري برأسمال يبلغ مليار دولار في وحدات قابلة للاكتتاب من المغتربين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها دوائر حكومية غضب المغتربين، فقد سبق أن طُرح مقترح برلماني يقضي باستقطاع جزء من رواتبهم لإنقاذ الاقتصاد، وفي مناسبة أخرى قُدم اقتراح يلزمهم بتحويل 50 في المئة من رواتبهم لتوفير العملة الصعبة، ثم تم فرض رسوم وضرائب مرتبطة بالسلع التي يجلبونها عند مجيئهم خلال الإجازات.
وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن الحكومة أخفقت إلى حد كبير في إدارة العلاقة مع المغتربين بما يقود إلى تهاوي الثقة بها، وقد تكون لذلك تداعيات اقتصادية خطيرة لها ارتدادات سياسية عكسية، مع أنها لو تعاملت بقليل من الحكمة والعقلانية لاستفادت منهم بما يخفف كثيرا حدة أزمة العملة الأجنبية.
وسبق أن أثار استبعاد المصريين في الخارج من المشاركة في الحوار الوطني استنكارا سياسيا وحزبيا ضد الحكومة، دون أن تصحح الخطأ وتُشركهم في جلسات الحوار عبر ممثلين لهم، رغم أن عددهم يصل إلى نحو 12 مليون مواطن، وهو عدد هائل يصعب تجاهله كجزء من المعادلة السياسية والاقتصادية.
◙ مصريون بالخارج يؤكدون أن هذه النوعية من الإجراءات مثيرة لأن الضريبة لا يتم فرضها على السياح الأجانب
وقال الرئيس السابق لحزب الكرامة محمد سامي لـ”العرب” إن “حسابات المنفعة لا يجب أن تكون حاكمة للعلاقة مع المغتربين، ويجب وضع محفزات لا عراقيل أمامهم، كي يتم إشراكهم في دعم الاقتصاد الوطني والاستماع جيدا إلى مطالبهم، وهذا يحتاج إلى رؤية سياسية واقتصادية شاملة تعيد صياغة العلاقة معهم.”
وتظهر ملامح الإخفاق الحقيقي في عدم وضع رؤية محددة لدمج المغتربين ضمن خطط التنمية الشاملة التي تتبناها الحكومة لتسريع بناء الجمهورية الجديدة على أساس التشارك بين أبناء الداخل والخارج، حيث لا تٌتخذ خطوات فاعلة لكسب ثقة المغتربين وتقديم حوافز لتشجيعهم على استثمار مدخراتهم.
وكان إلغاء وزارة شؤون المصريين بالخارج في تشكيل الحكومة الحالية، ودمجها ضمن حقيبة الخارجية، رسالة سلبية إلى المغتربين؛ فقد نجحت الوزارة القديمة في تبني مشكلاتهم وعلاجها سريعا، وكانت حلقة اتصال فاعلة بينهم وبين السلطة لنقل همومهم ومطالبهم ومقترحاتهم، لكن الرسائل أصبحت شبه منقطعة.
وأضاف محمد سامي أن فتح قنوات اتصال مكثفة مع المغتربين ضرورة سياسية واقتصادية، ومن المهم أن يكون الخطاب والقرار الرسمي الخاص بالمصريين في الخارج ذكييْن ورشيدين لأنهم جزء أصيل في مواجهة التحديات الداخلية، ويكفي أن تحويلاتهم الأخيرة ساهمت بشكل فعال في تحسين الاحتياطي الأجنبي.
وبإمكان الحكومة أن تعتمد على المصريين في الخارج بما يخفف اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والرضوخ لمطالبه وشروطه القاسية التي جعلت النظام مغضوبا عليه، بعد أن قادت الاستجابة لمطالب الصندوق إلى زيادة الغلاء وارتفاع معدلات الفقر والتضخم بما انعكس على الظروف المعيشية للمواطنين.
ولا يُمانع الكثير من المهاجرين في أن يكونوا فاعلين في مواجهة التحديات الداخلية ضمن سياسة تشاركية، ولا يطلبون التعامل معهم كطرف مدلل، ويكفيهم أن تكون هناك آلية مرضية تدمجهم في التنمية الداخلية دون التعاطي معهم بفكر تجاري بما يدفع خصوم الدولة إلى العزف على هذا الوتر لتحقيق مآرب سياسية مشبوهة.