غزليات مأمون الشناوي

كان من الممكن أن اكتفي بـ"إمته حتعرف إمته/ إني بحبك إمته” و”ليه خلتني أحبك/ لا تلومني ولا أعاتبك” و”نعم يا حبيبي نعم” و”جميل جمال/ ملوش مثال” و”خسارة خسارة/ فراقك يا جارة” و”أنساك دا كلام/ أنساك يا سلام” و”كل دا كان ليه/ لما شفت عينيه” لكي أقول "لا يزال مأمون الشناوي ملك الغزل في العصر العربي الحديث".
كتب الشناوي المئات من الأغاني لمطربات ومطربي عصره الكبار، أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وليلى مراد وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة، غير أنه لم يتوقف عند حدود ذلك حين كتب أغاني لأصوات توقع أنها ستكون ذات شأن عظيم في عالم الغناء مثلما حدث له مع المغربية عزيزة جلال حين كتب لها "بتخاصمني حبة وتصالحني حبة/ كل شوية تغضب كده من غير مناسبة".
مأمون الشناوي الذي تمر على ولادته هذه السنة 110 سنوات (ولد عام 1914 وتوفي عام 1994) كتب قصائده الغنائية كلها بالعامية المصرية لكنه كباقي شعراء الأغنية الكبار ارتقى باللغة من الشارع إلى فضاء أكثر سعة بحيث صار في إمكانه أن يقف إلى جانب شعراء العربية الكبار الذين عثروا في الغزل على كنوز موهبتهم مثل قيس بن الملوح والشريف الرضي وعمر بن أبي ربيعة وصولا إلى أحمد شوقي ونزار قباني.
اتسمت لغته الشعرية بالأناقة والرقة والعذوبة والرقي والتهذيب ونبل المشاعر وجاذبية التعبير. كلما استمعت إلى أغنيته “بتفكر في مين” التي أدتها أم كلثوم ولحّنها بليغ حمدي بعبقرية استثنائية أقف مشدوها وقلقا ومعذبا ومستفهما ومندهشا أمام بيت شعري فيها يتكون من أربع كلمات هو “سهرت السهر في عنيا” فيقفز المعنى من رأسي لأستمتع بقوة الحمولة الشعرية وعذوبة التركيب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا من قبل عاشق كبير.
في قياسات المنطق يمكننا أن نتساءل "ترى كيف يمكن للسهر أن يسهر؟". ذلك السؤال لا يقوى على مواجهة الشعر بلوعته وجنونه وعذابه وسحره الذي لا تأسره المعاني المتداولة. ولكن أن يسهر السهر في عيني العاشق فذلك ما يفوق الأرق بكل تجلياته.
وإذا ما عدت إلى الأغنية التي تُسمى أحيانا "كل ليلة وكل يوم" نقرأ ما يمهد لذلك البيت العميق في تأثيره، "فكري طول الليل في ليلك والنهار كله في نهارك يا حبيبي/ يا ترى يا واحشني بتفكر في مين/ عامل إيه الشوق معاك عامل إيه فيك الحنين"، كل هذا العالم الاستفهامي الحائر يفضي إلى "سهرت السهر في عنيا" ليحل سحر الإلهام محل البحث عن إجابة شافية.