غزلان الريم تستوطن قطاع غزة رغم الحصار

رجل أعمال فلسطيني يحاول على مدار أعوام أن يوفر أجواء مقاربة للبيئة الطبيعية على أرضه تُمكّن الغزلان من العيش السليم فيها.
الجمعة 2019/12/13
مشهد مليء بالحيوية والجمال

غزة (فلسطين)- في مشهد مليء بالحيوية والجمال، تقفز غزلان الريم ذهبية اللون، واسعة العيون، والتي تغنّى بها الشعراء العرب، في الهواء، باحثة عن طعامها من ورق الأشجار الرطبة، والأغصان الخضراء الليّنة.

هذا المشهد، لم يكن في محمية طبيعية، إنما داخل قطعة أرض لا تزيد مساحتها عن الدونم الواحد (يعادل ألف متر مربع)، في مدينة الزهراء، جنوبي مدينة غزة.

ويقترب رجل الأعمال الفلسطيني، علاءالدين الأعرج، من الغزلان التي ألفته، ويلقي لها بلطف قطعا من الخبز الناشف.

وحاول الأعرج على مدار الأعوام السابقة أن يحوّل قطعة الأرض هذه إلى بيئة صالحة لرعاية نحو 16 غزالا من فصيلة الريم، إضافة إلى غزال واحد من النوع الأوروبي.

ويقول الأعرج، إنه يحاول توفير أجواء مقاربة للبيئة الطبيعية، تُمكّن الغزلان من العيش السليم فيها.

وبدأ الأعرج في اقتناء الغزلان منذ عام 2008 تقريبا، حيث كان يتحصّل عليها من تجّار يجلبونها من مصر بطرق مختلفة.

ولم يتردّد الأعرج في شراء ما كان يعرض عليه للبيع، من هذه الأصناف من الغزلان، لكنه فقد في ذلك الوقت، الكثير من الغزلان التي تحصّل عليها، جرّاء الإصابات التي كانت تتعرض لها خلال النقل أو “الاضطراب النفسي”.

وتابع “هذا الغزال حسّاس جدا، أيّ ضربة أو تعرضه لمصدر خوف كفيل بقتله، وتقديم العناية الطبية له صعبة نسبيا”. ويضيف مفسرا، “هو معرّض للخطر، كونه من الحيوانات السريعة جدا والتي يصعب مسكها، حيث تصل سرعته في الساعة الواحدة إلى 65 كيلومترا”.

إذا شعر الغزال بالخوف، قد يلجأ إلى قتل نفسه
إذا شعر الغزال بالخوف، قد يلجأ إلى قتل نفسه

وتنوّعت هذه الغزلان ما بين غزلان الريم الصحراوية، التي تعيش في السهول والغابات والجبال، والغزلان الأوروبية كبيرة الحجم، والتي لها قرون شبيهة بالشجرة، وتعتبر خطيرة نسبيا في حال اقترب منها الأطفال.

ويوضح الأعرج، أن جميع الغزلان التي يمتلكها حاليا، تحصّل عليها من خلال عملية التكاثر الطبيعية، والولادة المحليّة.

ويقول “كل ما اشتريته في الماضي لم يعد موجودا لأسباب مختلفة، إما للوفاة خلال الحروب وإما للتصرف بها لبعض المهتمين سواء أصدقاء أو حدائق حيوانات”.

وبيّن أن أصحاب حدائق الحيوانات كانوا يأخذون بعض العينات من الغزلان من أجل استكمال النواقص في حدائقهم.

وتتكاثر هذه الغزلان بمعدل مرتين سنويا، بحيث تصل مدة الحمل الواحد من خمسة إلى ستة أشهر، وتلد الأنثى غزالا واحدا فقط. ويذكر أن هذه الغزلان ليست بحاجة إلى رعاية خاصة في فترة الولادة، لكن الأعرج كان يستشير بعض الأطباء البيطريين في عدة أمور تتعلق بالوضع الصحي للغزلان.

ويضيف “بسبب صعوبة الإمساك بها، وحتى عملية الإمساك ممكن أن تؤذيها أو تقتلها، لذا ينبغي توفير العناية الصحية كي لا يتم فقدانها”.

ويصل السعر العالمي للغزال الواحد إلى 11 ألف يورو، بينما في قطاع غزة لا يصل سعره إلى الألفي يورو بحسب الأعرج.

ويتابع “في الدول الأجنبية، توفّر الدول محميات طبيعية لتنشئة الغزلان ورعايتها، حيث تقدّم لها الطعام وتحميها من الحيوانات المفترسة والصيادين”. ووفق الأعرج تكلّف عملية رعاية الغزلان وتوفير الطعام لها، نحو 200 دولار شهريا.

ويقول “رغم أن معظم الطعام قد يكون من الحشائش وأوراق الأشجار الرطبة، لكن لا بد أيضا من توفير أنواع من الشعير والأعلاف والتبن”.

وتكبّد الأعرج خسائر مادية كبيرة، جراء هلاك الكثير من الغزلان خلال فترة الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع.

وقال إنه كان يفقد أكثر من 5 رؤوس في الحرب الواحدة، بسبب تعرّضها للخوف من أصوات الانفجارات والقذائف. ويتابع “إذا شعر الغزال بالخوف، قد يلجأ إلى قتل نفسه”.

السعر العالمي للغزال  الواحد يصل إلى 11 ألف يورو أحيانا بينما في قطاع غزة لا يتجاوز سعره الأقصى ألفي يورو
السعر العالمي للغزال  الواحد يصل إلى 11 ألف يورو أحيانا بينما في قطاع غزة لا يتجاوز سعره الأقصى ألفي يورو

ويعتبر الأعرج أن التفكير في تربية الغزلان وتحويلها من هواية إلى مشروع تجاري وإنتاجي، أمر صعب يحتاج إلى “جهد وإمكانيات وقوى شرائية لدى المواطنين”. وذكر أن الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمرّ بها قطاع غزة، وانعدام مصادر الدخل لدى مئات الآلاف من الأسر، ستدفع بالمشروع نحو الفشل.

كما أن تربيته من أجل تناول لحومه غير مجدية، بحسب الأعرج، حيث يصل ثمن الكيلوغرام الواحد إلى حوالي 200 دولار.

ويشير الأعرج إلى حادثة اضطر فيها إلى ذبح غزال، بعد أن طلب منه صديق ذلك، كي يحقق رغبة والدته في تناول لحمه، مضيفا “حققت له هذه الرغبة دون أي مقابل مادي”.

كما لجأ الأعرج في بعض الأوقات، خاصة خلال الحروب، إلى ذبح الغزلان، خاصة المصابة منها، والتي كان يعجز عن رعايتها، لافتا إلى أنه كان يوزع لحومها إما على بعض الحالات التي تطلبه للعلاج لبعض الأمراض وإما يكرم به الضيوف.

وتسبب الحصار الإسرائيلي في إغلاق حديقتين للحيوان في قطاع غزة بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين.

وكبّد هذا الأمر أصحاب الحدائق خسائر مادية كبيرة ما دفعهم إما لبيع حيوانات الحدائق، وإما لإخراجها خارج القطاع، لتلقّي الرعاية والعلاج المناسبين في محميات طبيعية.

20