"غربان طائرة".. تراجيديا اللجوء كما يحكيها أب مطرود من العائلة

قصة بطل الرواية هي مأساة كل أب وقف ثابتا في أرض غريبة ليحافظ على الأسرة سليمة طموحة وحالمة.
الأربعاء 2023/03/15
شخصيات مهزومة في بيئة غريبة (لوحة للفنان محمد زازا)

لندن - تتحدث رواية "غربان طائرة" للشاعر والروائي والمترجم الكردي السوري كاميران حرسان، المقيم في السويد منذ سنوات، عن رحلة بطلها جان دار الذي أخرجته أحلام كبيرة من أرضه طائرة به من شمال مزيف إلى شمال حقيقي شاهده مفرودا في لوحات بديعة على جدران بيتهم الترابي، الذي هجره حين صارت معه شهادة ثانوية وسنون تخوله الطيران وحيدا خارج عشه الأول صوب أعشاش ستتكفل الظروف بنقله منها إلى عش الزوجية الدافئ، حيث وجد نفسه أبا لثلاثة أطفال، مفعما بسعادة مجنحة، طارت على حين غرة كغربان رمادية عندما باغتت عشه أفعى “السوسيال”.

لرواية “غربان طائرة”، الصادرة حديثا عن منشورات رامينا في لندن، رأسان، رأس في الشرق وآخر في الغرب، وجذع ملتف تحتهما، منفصل بجذوره عن التراب. يتكئ فيها كاميران حرسان على محطات ومواقف من سيرته الذاتية ليروي قصة جان دار الذي يعاني من المظالم الاجتماعية التي يعتبرها ملوثة بسياسات الدولة العميقة إزاء الأسر الأجنبية في السويد.

◙ الرواية تقع في 308 صفحات من القطع المتوسط وقد صمم غلافها الشاعر والمصمم ياسين حسين
◙ الرواية تقع في 308 صفحات وصمم غلافها الشاعر والمصمم ياسين حسين

تتعدد الأسباب والنتيجة واحدة، تسفر عن سلب الأب أبوته والأم أمومتها والأطفال طفولتهم حينما ينفرط عقد الأسرة نتيجة لتلك السياسات، حيث تكون الأسرة عربة في قطار المجتمع ينزل الأب منها غالبا في منتصف الطريق، وتترك الأم كذلك لتلاقي المصير ذاته إن ساورتها نفسها أن تعتصم بروابط الأسرة، خوفا من السفر إلى التشظي داخل فكرة جديدة على سكة الحياة، لكنها قد تربح أطفالها وغير ذلك الكثير إن خطبت ود “السوسيال” في تشويه الزوج وتهشيم كرامته.

قصة جان دار هي مأساة كل أب وقف ثابتا خلف فكرة أراد بها أن يحافظ على الأسرة سليمة مرصعة بالطموح والأحلام بمنأى عن فكرة أخرى تقوض أركانها الراسخة في تربة ثقافة مغايرة.

ويتقصد الكاتب عبر مجريات الرواية أن يجعل من جان دار بطله المهزوم شعلة تنير ما يدور في دخيلة المجتمع السويدي من أعمال رمادية مثيرة للجدل، خاصة بين ذوي الأصول الشرقية.

الرواية بغربانها الطائرة هي بمثابة صك مكتوب يوثق ممارسات “السوسيال” بحق الأسر الأجنبية، مستخدمة موارد الدولة لتحقيق الاندماج المزعوم في مجتمع يريد أن يصبغ كل ما فيه بمعاييره الخاصة التي لها صنم في كل ساحة وعين في كل بيت.

الرواية مرآة تعكس صور أبطال مهزومين على شاكلة جان دار يحاورهم فيفتحون له قلوبهم هامسين تارة، وتارة أخرى رافعين عقائرهم أمام جبروت المؤسسة الاجتماعية حتى تتشقق حناجرهم وتنفطر قلوبهم حسرة ولوعة دونما جدوى، فالآذان محشوة بالأوراق والرؤوس منشغلة برفع أقواس النصر التي تكفل لهم الوصول إلى الذهب المخزن في قرارات الدولة وتدابيرها، الأم الرؤوم والأب الحاني والسيد الممسك برقاب عبيده وأرواحهم، بمصائر أناس يتحركون بمشاعرهم ورغباتهم فلا يفلحون بالتملص من سطوته ولا بلوغ تلك الأقنعة التي تخفي حقيقتهم، وما الفائدة المرجوة من رفعها طالما تخفي تحتها وجوها متلونة كالحرباء، لها تحت كل شمس لون؟!

◙ الرواية بغربانها الطائرة بمثابة صك مكتوب يوثق ممارسات "السوسيال" بحق الأسر الأجنبية

ترفع الأقنعة في “غربان طائرة” عن الوجوه حيث يبرز الزيف كحقيقة في أوجه السعادة المستهلكة للأحاسيس والمشاعر إلى درجة باتت على شفير الانقراض، في مجتمع لا يؤمن بجدوى غرسها كأزاهير بين صروح المصلحة العامة وقوانينها المسقوفة بالبلادة المطلقة.

يشار إلى أن الرواية تقع في 308 صفحات من القطع المتوسط، وقد صمم غلافها الشاعر والمصمم ياسين حسين، ولوحة الغلاف للفنان التشكيلي الكردي المقيم في ألمانيا خليل عبدالقادر.

ويذكر أن كاميران حرسان شاعر ومترجم وروائي كردي – سوري يحمل الجنسية السويدية، مقيم في السويد منذ أكثر من ثلاثة عقود. وهذا ما ساعده على تأليف روايته الجديدة بكل هذه الدقة حول واقع المهاجرين. له العديد من الأعمال الأدبية الشعرية منها والنثرية. نشر وكتب في جرائد ومجلات عربية وأجنبية وترجم القصائد السويدية إلى اللغة العربية.

له إصدارات وأعمال أدبية كثيرة منها في الشعر “رشيقا أعمى كالدمى” 2000، “بين” 2006، “نجوم من أعماقها” 2007، “المدخنة التي امتلأت بالدبابير” 2021، وفي الرواية قدم رواية “كوكبة النسور” 2021، وله ترجمات عديدة أبرزها “درب الغريب” مختارات شعرية للأديب السويديغونار إيكيلوف 2016، “مجرات سحرية” مختارات شعرية سويدية 2018، “السماء نصف المكتملة” مختارات شعرية لتوماس ترونسترومر 2020. وقد ترجم البعض من أعماله الشعرية إلى اللغتين الكردية والسويدية.

◙ الرواية مرآة تعكس صور أبطال مهزومين
◙ الرواية مرآة تعكس صور أبطال مهزومين 

12