غرام وطعام

اللبنانيون يختلفون على كل شيء إلا أنهم يتفقون على التبولة.
السبت 2022/10/15
الغرام له علاقة متينة بالطعام

هناك فيلم سينمائي مصري قديم عنوانه غرام وانتقام، كتبه يوسف وهبي الذي قام ببطولته إلى جانب أنور وجدي وأسمهان التي توفيت بطريقة غامضة أثناء تصويره بعد أن غنت “إمتى حتعرف إمتى/ إني بحبك إمتى” و”ليالي الأنس في فيينا”. وهما أشهر أغانيها.

في ذلك الفيلم كانت هناك مكائد بسبب غرام فاشل وبدا الغرام كما لو أنه مناسبة للانتقام. ولكن الغرام له علاقة متينة بالطعام أيضا.

لا أقصد هنا النصيحة المجانية التي تُقدم للنساء والتي تفيد بأن المعدة هي أفضل الطرق للوصول إلى قلب الرجل.

لو كان الأمر كذلك لما غنت العراقية عفيفة إسكندر “فلفل وبهار” وكانت إسكندر تُلقب بمطربة الملوك. أما مَن هم الملوك؟ فذلك سؤال معقد.

لقد حكم العراق ثلاثة ملوك. الأول مات في سويسرا ويُقال إنه مات مسموما، أما الثاني فقد قُتل في حادث مروري، ويُقال إنه قُتل بتخطيط من البريطانيين الذين كانوا يحتلون العراق، أما الثالث فإنه قُتل مع عائلته إثر انقلاب عسكري ألغى الملكية، لتبدأ بعده رحلة العذاب الجمهوري. لذلك يمكن اعتبار ذلك اللقب مجازيا. في الوقت نفسه كان شاعر الغرام حافظ جميل الذي يُقال إنه والد أحلام وهبي وهي مطربة عراقية خفيفة الظل كان قد كتب قصيدته “يا تين يا توت يا رمان يا عنب /  يا خير ما أجنت الأغصان والكتب” التي غناها ناظم الغزالي.

كان الغرام وجبة خفيفة من الفاكهة غير أنني سمعت مطربا شعبيا مغمورا يغني “عزموني على الغدا / تاري الغدا ملوخية / عيني مو عل الغدا / عيني على النشمية”.

أما لو كان الغداء منسفا بالطريقة الأردنية، فلا أعتقد أن ذلك الشخص سيلتفت إلى النشمية.

والملوخية غير معروفة إلا في مصر وبلاد الشام. لا وجود لها على مائدة العراقيين والخليجيين والمغاربة.

في المغرب تُسمى الباميا ملوخية. وللباميا قصة ظريفة مع البغداديين، فالمعماري رفعت الجادرجي لا يعتبر المرء بغداديا إلا إذا كان مُحبا للباميا.

تلك شائعة تبناها الجادرجي وهي ليست حقيقة. لو كانت كذلك لصارت أسطورة مثلما هي أسطورة التبولة اللبنانية.

فاللبنانيون يختلفون على كل شيء إلا أنهم يتفقون على التبولة. لا ينسى اللبناني التبولة مثلما لا ينسى شجرة الأرز التي تزين علم بلاده.

وليس غريبا أن تكون التبولة وسيلة لإغراء الرجل وهو ما عبرت عنه نجاح سلام في الأغنية التي منحتها الشهرة “ميّل يا غزيل / يا غزيل ميّل / ميّل ميولة / نسقيك فنجان قهوة / نعملك تبولة”.

صباح من جهتها في “عالبساطة” انتبهت إلى مفردات غذائية أقل كلفة “تغديني خبزة وزيتونة / وتعشيني بطاطا”.

غير أن ناظم الغزالي يظل هو الأكثر تواضعا في متطلباته الغرامية وهو القائل “من ورى التنور تناوشني الرغيف / يا رغيف الحلوة يكفيني سنه”.

20