غرام باريسي

بعكس كل المدن العالمية تبدو باريس متمسكة بهويتها الفرنسية بالرغم من تعدد أصول المقيمين فيها والملايين من زوارها.
السبت 2022/12/24
ما من مدينة مثل باريس تصلح مسرحا للغرام

تقف في سانت ميشيل وتنظر إلى كاتدرائية نوتردام. ذلك منظر يختزل الكتب والصور والأفكار وتنهدات العشاق ومكتبة شكسبير والفوضويين وخطاهم الذاهبة إلى سانت جيرمان دي باريس يوم كان سارتر يكتب مذكراته "الكلمات" في مقهى فلور الذي لا يزال قائما.

تذهب إلى مقهى فلور فلا تجد سارتر، غير أنك تتخيل أنك تشم رائحة التبغ التي تنبعث من غليونه. لن ترى سيمون دي بوفوار، رفيقة عمره لأنها كانت في الولايات المتحدة للقاء عشيقها.

قريبا من كنيسة القديس جيرمان يقع شارع أبولينير.

في كل زيارة إلى باريس أقف أمام اللافتة التي تشير إلى اسم ذلك الشارع القصير.

وأبولينير هو شاعر فرنسي الجنسية توفي عام 1918 عن عمر (38) عاما.

كنتُ أتمنى لو أنني شاركت في فيلم "منتصف الليل في باريس" الذي أخرجه وودي ألن عام 2011.

لقد عاد المخرج الأميركي إلى زمن همنغواي وفستجيرالد وجان كوكتو وبيكاسو في ثلاثينات القرن العشرين يوم كانت باريس حاضنة لأجيال فنية وأدبية قادمة من كل أنحاء العالم.

كلّما جلست في المقهى الذي يقع في ذلك الشارع خُيّل إليّ أن هناك سيارة ستقبل لتقلني إلى ذلك الزمن. سيارة تسافر عبر الزمن. أنا أجلس في انتظارها. لديّ من الوقت ما يسمح بالانتظار.

كانت سميرة توفيق قد سبقتني إلى باريس حين مثلت فيلمها "بدوية في باريس". لو أنني التقيتها لاكتفيت بتمثيل دور رشدي أباظة، الشاب الذي وقع في غرام تلك البدوية. وما من مدينة مثل باريس تصلح مسرحا للغرام. المئات من الروايات كُتبت عن أحداث وقعت في باريس. وهناك المئات من الأفلام صُوّرت حباً بباريس، أشهرها "التانغو الأخير في باريس" الذي قام ببطولته مارلون براندو وماريا شنايدر عام 1972.

يقول الروائي الأميركي أرنست همنغواى صاحب "الشيخ والبحر"، "إذا كان قد أسعفك الحظ بأن تعيش في شبابك في باريس فهي ستظل معك البقية الباقية من حياتك أينما ذهبت. ذلك أن باريس عيد متنقل".

ولكن تلك الصورة المسلية لم يرها الروائي البريطاني  جورج أورويل صاحب رواية "1984". لقد عاش أورويل مشردا وجائعا في الحي اللاتيني عام 1928 فكتب مذكراته التي تحمل عنوان "متشردا في باريس ولندن" وهو ما يعني أن باريس ليست مدينة واحدة. وليس ما يُرى منها هو كل شيء فيها. كما أنها مدينة تستجيب لمشاعر المرء وطريقته في النظر. مسلسل "إيميلي في باريس" حاول أن يقدم التناقض الذي يعيشه المرء بين ثقافته الأصلية والمدينة التي تعتز بثقافتها.

ذلك الاعتزاز الذي يصل إلى المطبخ حين يرفض الباريسيون تناول الأطعمة الأميركية السريعة. وبعكس كل المدن العالمية تبدو باريس متمسكة بهويتها الفرنسية بالرغم من تعدد أصول المقيمين فيها والملايين من زوارها.

ولم تكن سميرة توفيق إلا واحدة من الزائرات العابرات.

20