غادة السمان تكتب كوابيس بيروت قبل خمسين عاما

دمشق - أصدر اتحاد الكتاب العرب بسوريا طبعة جديدة من رواية “كوابيس بيروت” للأديبة غادة السمان، بهدف تعزيز حضور الأديبة القديرة في المشهد الثقافي السوري المعاصر.
وتسرد الرواية التي طبعت النسخة الأولى منها عام 1976 تفاصيل الحرب الأهلية في لبنان التي انطلقت شراراتها سنة 1975 وتداعياتها على الإنسان، موثقة فظائع الحرب التي عاشتها بيروت، وما حدث فيها من ذبح واغتيال وتشويه للإنسان.
وتؤرخ الرواية التي تقع في 410 صفحات من القطع المتوسط بشكل أدبي أغلب ما حدث في بيروت التي كانت من أجمل المدن، وتحولت إلى رعب للإنسان وأحلامه، بعد ما عاشته في جحيم الحرب الأهلية وتداعياتها، حيث تبدو تحولات الكوابيس التي سجلتها السمان كمذكرات عاشتها ووثقتها بشكل دقيق، إضافة إلى شعورها الخاص بالحرب الأهلية وما سببته من كوارث.
تدور الأحداث في رواية “كوابيس بيروت” في لبنان في مدينة بيروت على وجه التحديد، ويمكن التمييز في هذا العمل الأدبي بين بنيتين للمكان؛ بنية كبرى تتمثل بمدينة بيروت ككل، وبنية صغرى تتمثل ببيت الكاتبة الصغير في الطابق الثالث الذي حوصرت فيه مع أخيها مقابل الفندق، ومحل بيع الحيوانات الأليفة الذي وصفته الكاتبة بأنّه نسخة مصغرة عما يحدث في بيروت.
وكتبت السمان هذه الرواية في قالب المذكرات، إذ عرضت هذه المذكرات الدامية في شكل سلسلة من الكوابيس، فمثلا كانت تبدأ كل مقطع بعنوان «كابوس 1» وهكذا دواليك، وكان آخرها كابوس 197، وآخرها سمي بـ«حلم 1».
ويلفت النظر في البداية الإهداء غير الاعتيادي لهذه الرواية، حيث اختارت الكاتبة السورية غادة السمان إهداءه إلى عمال المطبعة، الذين يعملون في الخفاء وتحت القصف، دون أن يعرف عنهم أحد ودون أن تدوّن أسماؤهم في الأعمال الأدبية.
تبدأ الرواية بالكاتبة وهي تحاول مساعدة أخيها على إخلاء منزلها من النساء والأطفال وأخذهم إلى مكان «آمن» نسبيا وبعيدا عن القصف، ولكنها ما أن تعود إلى شقتها بعد عملية الإخلاء الناجحة حتى تفاجأ بأن فندق الهوليدي إن، الذي يقف أمام بيتها مباشرة قد تعرض «للاحتلال» من قبل المسلحين، وهنا تجد نفسها عالقة في شقتها في قلب الأحداث وفي قلب الطلقات النارية غير مجهزة بالموارد الغذائية مع احتمال انقطاع الماء والكهرباء عنها، وتتساءل والحال كذلك عن جدوى الأدب والشعر في هذه الحالة وتتمنى لو أنها تعلمت بعضا من فنون القتال للدفاع عن النفس في مواقف عصيبة كهذه.
واعتمدت السمان في روايتها أسلوب الخطاب الروائي بطريقة مبدعة جمعت من خلالها الواقع والخيال؛ لتكون قريبة من المتلقّي في تغيرات الإنسان عبر الزمن، حيث تسرد ما التقطته من مشاهد الحرب بشكل تصويري كشفت من خلاله الشخصيات الإيجابية والسلبية والغدر والخيانة، وما عاشه الأطفال الأبرياء والشباب في مواجهة المعاناة ومصائب الحرب.
وحاولت السمان أن تقدم من خلال سردها للأحداث التي شاهدتها بعض التقنيات الفنية كالطباق والجناس والتقابل والاستعارة ليتناسب شكل السرد مع أحداث الرواية وشخوصها وأبطالها، مستخدمة أسلوب تقمص الكاتبة لشخصية أبطال الرواية وتحركاتهم بأسلوب جعلت فيه التجانس والتوافق ملائما بين تحولات الأبطال وبين المتغيرات المكانية.
ورأت الناقدة ماجدة حمود التي قدمت للرواية بأسلوب نقدي تفاوتا بين الحقيقة والانطباع الذاتي، مبينة أن السمان حاولت أن تبدد ظلمة الكابوس فجعلته حلما لتتيح الخروج إلى باب الأمل لحياة جديدة، إضافة إلى أنها وثقت الواقع بحرفيته بفضل التنوع في المشاهد التي أدت إلى تعدد إيقاعات بنية الخطاب الروائي.
وأوضح رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني أن الهدف من إعادة طباعة الرواية مرة ثانية هو تعزيز حضور الأدباء الحقيقيين على الساحة الثقافية العربية، إضافة إلى كون الأديبة غادة السمان من الأديبات اللواتي رصدن المؤامرات والحروب على الوطن العربي، مبيناً أنها استطاعت بعمق ثقافتها الواسعة كسر هيكلية قواعد الأدب الجافة والتمترس خلف المحرمات المزيفة مندفعة بكتاباتها تجاه أدب التمرد والثورة على التخلف، فخاضت في موضوعات لم تطرحها أنثى الشرق الغائبة عن قضايا وطنها.
وقد بدأت غادة السمان في كتابة هذه المذكرات ليلة 13 نوفمبر عام 1975 وانتهت من كتابتها في 27 فبراير عام 1976 ونشرت هذه المذكرات لأول مرة في مسلسلة في إحدى المجلات اللبنانية مع أوائل عام 1976، ولكنها توقفت عن نشرها في آب 1976 اعتبارا من كابوس رقم 160. صدرت هذه المذكرات بعد ذلك لأول مرة على شكل رواية عن منشورات غادة السمان في أكتوبر عام 1976.