عُمان نقطة ارتكاز الوساطة التي تريدها طهران مع واشنطن

عباس عراقجي في مسقط ضمن جهود تفادي الصدام مع الولايات المتحدة.
الاثنين 2019/05/27
ساعدونا ولا تفضحونا

خروج الجهود التي تبذلها طهران سرّا للتهدئة مع الولايات المتحدة إلى العلن، كشف من جهة مدى توجّس إيران من نشوب صدام عسكري مع الولايات المتحدة، كما كشف من جهة ثانية ازدواجية اللعبة التي تريد القيادة الإيرانية ممارستها بهدف تحقيق التهدئة المنشودة دون الظهور بمظهر الضعيف المنصاع للضغوط الأميركية.

مسقط - لم تستطع إيران الذهاب بعيدا في الحفاظ على سرّية الجهود التي تبذلها لإيجاد منفذ للوساطة مع الولايات المتّحدة يخفّض وتيرة التصعيد الحالي ويمنع تطوّره إلى صدام عسكري غير متكافئ مع القوّة الأعظم في العالم.

وأعلن، الأحد، عن وصول مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى سلطنة عمان حيث بحث مع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في السلطنة يوسف بن علوي بن عبدالله “التطورات التي تشهدها المنطقة”، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء العمانية، بينما أكّدت مصادر خليجية متعدّدة أنّ الزيارة جزء من جهود الوساطة ومساعي التهدئة التي حاولت طهران إنكارها، لكن كلاّ من بن علوي ومساعد وزير الشؤون الخارجية الكويتي خالد الجارالله قالا إنّها جارية بالفعل.

ووفق الوكالة العمانية الرسمية فإنّ بن علوي استقبل، الأحد، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية. وأوضحت الوكالة أنه “تم خلال اللقاء بحث أوجه التعاون بين البلدين وتبادل وجهات النظر في القضايا الإقليمية والتطورات التي تشهدها المنطقة”.

واتّجهت الجهود الإيرانية لفتح قنوات تواصل مع الولايات المتحدة صوب الدول الخليجية الثلاث التي تحتفظ معها بعلاقات وهي قطر والكويت وسلطنة عمان على أن تظل الأخيرة، بحسب محلّلين خليجيين، القناة المفضّلة لدى إيران استنادا إلى ما لدى السلطنة من خبرة سابقة في التوسّط بين طهران وواشنطن في ملفّات شائكة ومعقّدة بما في ذلك الملف النووي الذي عاد ليشكّل مثار توتّر في العلاقات الأميركية الإيرانية بعد أن بادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو عام إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الذي انخرط فيه سلفه باراك أوباما.

طلب طهران للوساطة تصديق لتوقعات دونالد ترامب الواثق بأن الإيرانيين سيتواصلون معه في النهاية

وقالت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء “إيسنا” إنّ زيارة عراقجي إلى عمان جزء من جولة خليجية تشمل أيضا الكويت وقطر.

ولأسباب سياسية ودعائية بالأساس حاولت القيادة الإيرانية إنكار وجود أي وساطة مع الولايات المتحدة بشأن التصعيد الأخير لكنّ تصريحات مسؤولين خليجيين أوقعت طهران في حرج كبير وكشفت اللعبة المزدوجة التي تمارسها والمتمثّلة في التصعيد علنا، والسعي إلى التهدئة سرّا.

وأنكرت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تكون زيارة وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي الأخيرة لطهران على صلة بجهود الوساطة مع واشنطن لكنّ بن علوي قال إنّ بلاده تسعى مع أطراف أخرى لتهدئة التوتّر، وهو ما أكّده نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجارالله بالقول “يبدو أن المفاوضات بين طهران والولايات المتحدة قد بدأت”، مشيرا إلى جهود وتحركات واتصالات وزيارات من خلال وزير الشؤون الخارجية العماني إلى طهران والتواصل مع واشنطن وغيرها من التحركات التي يبدو أنها في إطار التفاوض. وقال “لدينا ثقة أن يكون الهدوء هو سيد الموقف وألا يكون هناك صدام في المنطقة”.

وأكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي، الأحد، عدم وجود مفاوضات من أي نوع مع الولايات المتحدة.

وفيما بدا أنّه ردّ مباشر على كلام الجارالله، نفى موسوي في تصريح أوردته وكالة أنباء “فارس” الإيرانية، بدء مفاوضات بين طهران وواشنطن قائلا “لا توجد أي مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة بين إيران وأميركا”.

ورأت مصادر خليجية في تناقض التصريحات الإيرانية، من جهة مع التصريحات العمانية والكويتية، من جهة مقابلة، بشأن الموضوع ذاته وهو جهود الوساطة، علامات عجز لدى طهران عن إدارة الملف حسب رغبتها ووفق أهدافها بحيث تحقّق هدفها المنشود وهو التهدئة مع الولايات المتحدة، دون خسائر سياسية وإعلامية.ولم تستبعد ذات المصادر أن يكون كشف مسقط والكويت لجهود التهدئة التي أرادت طهران التكتّم عليها، تعبيرا عن امتعاض العاصمتين من التصعيد الذي تسبّبت به السياسات الإيرانية وما يشكّله من مخاطر على المنطقة. وسبق للكويت أن عبّرت على لسان أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد عن القلق البالغ من إمكانية نشوب حرب في المنطقة.

Thumbnail

وتخشى السلطة في إيران والممثلة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، من أن يؤدّي كشف مساعي التهدئة مع الولايات المتّحدة ومحاولة تجنّب الصراع معها، إلى كسر الصورة النمطية التي نحتها النظام لنفسه كمتزعّم لمواجهة “الاستكبار العالمي”، الذي يمثّله “الشيطان الأعظم” الذي هو الولايات المتحدة نفسها بحسب أدبيات الثورة الإيرانية.

ويعني سعي طهران وراء التهدئة مع واشنطن تصديق توقعات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي عبّر عن ثقة تامّة في أنّ الإيرانيين سيتواصلون معه في النهاية ويطلبون التهدئة مع إدارته.

وعادة ما يوجّه النظام الإيراني الخطاب التصعيدي ضدّ واشنطن نحو الاستهلاك الداخلي لإثارة حماس الشارع وصرف نظره عن قضاياه الداخلية، وهو ما يحتاج إليه الآن أكثر من أي وقت مضى نظرا لصعوبة الأوضاع الاجتماعية وبروز حالة واضحة من الامتعاض والتذمّر لدى شرائح واسعة من الإيرانيين.

لكنّ التمسّك بالتصعيد، لا يخلو بالنسبة لإيران المنهكة اقتصاديا وماليا بفعل العقوبات الأميركية، وأيضا بسبب أعباء التمدّد في الإقليم وتمويل الميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، من محاذير التطوّر إلى صدام عسكري مع الولايات المتحدة التي تفوقها قوّة في مختلف المجالات، ما يجعل تحريك وساطات سرّية هو الأمر الأنسب للقيادة الإيرانية.

وما يضاعف المخاوف الإيرانية مرور الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات عسكرية على الأرض حيث أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، البنتاغون، عن إرسال حاملة الطائرات أبراهام لنكولن وطائرات قاذفة إلى الشرق الأوسط، بسبب وجود ما قالت واشنطن إنّه معلومات استخباراتية حول استعدادات محتملة من قبل إيران لتنفيذ هجمات ضد القوات أو المصالح الأميركية في المنطقة.

3