عُمان تضع آخر اللمسات للشراكة الشاملة مع الهند

اقتربت سلطنة عمان من وضع آخر اللمسات لعقد شراكة إستراتيجية شاملة مع الهند في إطار سياسة يتبعها البلدان لتوسيع خارطة شركائهما وحلفائهما في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري بما يحقق لهما مكاسب أكبر من ترقية تعاونهما.
مسقط- وصلت المناقشات حول نص اتفاقية الشراكة الاقتصادية والشراكة الشاملة بين الهند وسلطنة عمان إلى مرحلة متقدمة تشي باقتراب إبرامها في غضون أسابيع قليلة.
وتأتي هذه الخطوة ترجمة لزخم العلاقات الثنائية في أعقاب زيارة السلطان هيثم بن طارق إلى نيودلهي في ديسمبر الماضي، حيث التزم البلدان بتعميق العلاقات الاقتصادية بعدما جرت جولتان من المفاوضات حول الشراكة الشاملة في غضون شهر واحد.
وقالت مصادر مطلعة لبلومبرغ الثلاثاء إن البلدين اقتربا من اختتام المحادثات بشأن اتفاقية تجارية تسمح بسهولة الحصول على السلع والخدمات في أسواق كل منهما.
وأكدت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هوياتها كون المناقشات خاصة، أن الجانبين توصلا إلى توافق بشأن غالبية المسائل في اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة ومن المرجح أن “تُختتم المحادثات قريبا”.
وأوضح أحد المصادر إن الصفقة قد يتم التوصل إليها في مطلع مارس المقبل لتتوج بذلك أشهرا من المناقشات حول كل الملفات التي يتوقع أن تحقق أقصى استفادة للطرفين في المستقبل.
وكان البلدان قد أكدا خلال الحوار الإستراتيجي العُماني – الهندي الثامن في يناير 2023 على أهمية العمل على تعزيز العلاقات الإستراتيجية الثنائية القائمة.
وبدأ الجانبان المحادثات حول الاتفاقية التجارية قبل ثلاثة أشهر فقط، ويظهر استعجالهما في إتمام الصفقة تصميم رئيس الوزراء ناريندار مودي على بناء روابط أقوى مع الشرق الأوسط.
ووقعت الهند بالفعل اتفاقية تجارة حرة مع الإمارات، كما تعقد محادثات مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بشأن إبرام اتفاقية تجارية.
ويرى خبراء أن مثل هذه الاتفاقيات، التي باتت أحد الأهداف التي تسعى إليها العديد من الدول، تعمل على تحسين الاستقرار المالي والتنويع الاقتصادي، والإسهام في زيادة المبادلات التجارية وزيادة الاستثمار.
وبينما تسعى الهند إلى تعزيز علاقات الثنائية مع دول الخليج وكان آخرها الإمارات حيث دخلت شراكتهما الشاملة مطلع مايو 2022، تتطلع السلطنة إلى تعزيز مكانتها كمركز تصنيع إقليمي واعد، وإتاحة المجال أمام الشركات لتعزيز التعاون مع نظيراتها الهندية.
وعلى الرغم من أن الاقتصاد العماني صغير كما هو الحال مع البحرين، قياسا مع بقية دول الخليج الأخرى، إلا أنها ذات أهمية بالغة بالنسبة إلى الهند على ما يبدو نظرا لموقعها في المنطقة.
وتقع السلطنة إلى جانب مضيق هرمز، وهو ممر مهم لعبور النفط، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو خُمس الاستهلاك العالمي اليومي من النفط يمر عبره.
أرقام اقتصادية بين البلدين
- 12.39 مليار دولار التجارة البينية خلال عامي 2022 و2023
- 1.5 مليار دولار حجم الاستثمارات الهندية في السوق العمانية
- 50 في المئة من ورادات الهند من السلطنة هي منتجات بترولية
وتظهر بيانات شركة فورتكسا للتحليلات أن 20.5 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات والمنتجات النفطية عبرت في المتوسط عبر مضيق هرمز في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023.
كما تمر عبر المضيق معظم صادرات الخام من السعودية وإيران والإمارات والكويت والعراق، وجميعها دول أعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).
ويعبر المضيق أيضا كل إنتاج قطر تقريبا من الغاز الطبيعي المسال. وتفيد إحصائيات فورتكسا بأن نحو 80 مليون طن أو 20 في المئة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال في العالم تمر عبر المضيق كل عام.
وذكرت المصادر أن نيودلهي تريد خفض الرسوم الجمركية على الصادرات إلى السلطنة، والتي تشمل الأرز والأدوية ومنتجات النفط والصلب.
كما أنها تتفاوض مع مسقط لتسهيل وصول المهنيين الهنود مثل الأطباء والممرضات والمهندسين وغيرهم من العمال. ووفق التقديرات يوجد في السلطنة خامس أكبر عدد من الهنود العاملين في الخارج.
وقالت المصادر إن “عمان تريد الحصول بشكل أفضل على السلع مثل المنتجات البترولية المكررة والأسمدة ومنتجات الحديد والصلب وغيرها”.
وتعتبر سلطنة عمان ثالث أكبر شريك تجاري للهند بين دول مجلس التعاون الخليجي، وفق الإحصائيات المتوفرة بشأن المبادلات بين المنطقة وأكبر بلد من حيث تعداد السكان في العالم.
وشهدت التجارة الثنائية بين الهند وسلطنة عمان نموا ملحوظا، حيث ارتفعت بنسبة 82.64 في المئة بين العامين 2021 و2022 لتصل إلى قرابة 10 مليارات دولار.
واستمر الزخم التجاري خلال الفترة بين عامي 2022 و2023حيث تجاوزت التجارة 12.39 مليار دولار، أي أكثر من الضعف في العامين السابقين مقارنة بنحو 5.4 مليار دولار في الفترة بين 2020 و2021.
والهند ثاني أكبر سوق لصادرات النفط العمانية بعد الصين، وقد احتلت المنتجات البترولية خلال العام الماضي مقدمة الواردات الهندية من السلطنة، والتي مثلت 50 في المئة منها.
وسبق أن أكد زير التجارة والصناعة الاتحادي بيوش جويال على ضرورة اتباع نهج محدد لتعزيز الاستثمارات في كلا البلدين.
وقال خلال مباحثات مع نظيره العماني قيس اليوسف في ديسمبر الماضي احتضنتها نيودلهي إنه “لتسهيل ذلك، سيتم إنشاء مكتب عمان “استثمر” في الهند، وفي المقابل، ستطلق الهند مكتب استثمار في عمان”.
وتعتبر الهند ثامن أكبر مستثمر في سلطنة عمان حيث تجاوزت قيمة استثماراتها في البلد الخليجي نحو 1.5 مليار دولار، لكن من الواضح أنها ضئيلة قياسا بأسواق أخرى في المنطقة. بينما لا توجد معطيات حول الاستثمار العماني في الهند.
وتتوزع استثمارات نحو 1744 شركة هندية على قطاعات الصناعة والإنشاء والتشييد والتجارة والنقل والاتصالات والنفط والغاز والتعدين والمحاجر والتعليم والزراعة والأسماك والسياحة والصحة.
ولدى جهاز الاستثمار العماني صندوقان استثماريان مشتركان مع الجانب الهندي للاستثمار في قطاعات متنوعة، أهمها الخدمات المصرفية والمالية والسيارات وتقنية المعلومات والتعدين وغيرها.
وكان اليوسف قد شدد خلال اجتماعه مع جويال على الدور الذي تقوم به اللجنة المشتركة في سبيل إيجاد شراكات تجارية واستثمارية جديدة عبر توفير البيئة المناسبة لرجال الأعمال لبحث فرص التعاون والمساهمة في رفع قيمة التبادل التجاري.
وأصبح السلطان هيثم أول حاكم عماني يزور الهند منذ أكثر من عقدين. وبعد الزيارة، خصصت مسقط لنيودلهي منطقة حصرية في ميناء الدقم الذي يتمتع بموقع إستراتيجي لبضائعها التجارية ورسو السفن الحربية.
وسرعت حكومة مودي في الآونة الأخيرة المحادثات التجارية مع العديد من الشركاء التجاريين الرئيسيين، بما في ذلك المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ورابطة التجارة الحرة الأوروبية، التي تضم سويسرا والنرويج وأيسلندا وليختنشتاين.