عُمان تراهن على الفلسفة لتحقيق روح الانفتاح والفكر التنويري

ملتقى بيت الزبير الفلسفي يطلق جائزة صادق جواد للدراسات الفكرية.
الاثنين 2022/05/16
الملتقى يحتفي بالمفكر العماني الراحل صادق جواد

لا تتوقف وظيفة الفلسفة عند سن المفاهيم التي تبقى من اختصاص النخبة وعملية معقدة، بل تدخل في جوانب كثيرة منها في بناء الفرد والمجتمع، إذ يمكنها أن تتحول إلى وسيلة حياتية لترسيخ التوازن الفكري وتأكيد الجانب النقدي في عملية التفكير، ما يلغي التطرف ويحقق التعايش علاوة على دعم روح الابتكار والتجديد وهو ما يسعى له ملتقى فلسفي جديد في سلطنة عمان.

مسقط – تنطلق أعمال ملتقى بيت الزبير الفلسفي في نسخته الأولى الاثنين السادس عشر من مايو الجاري بمشاركة مفكرين وفلاسفة وباحثين من داخل سلطنة عُمان وخارجها وتستمر أربعة أيام.

وسيتضمن حفل افتتاح فعاليات الملتقى الذي تنظمه مؤسسة بيت الزبير كلمة الملتقى وأهدافه الرامية إلى إيجاد مناخ تفاعلي وتواصلي بين الباحثين والمختصين من مختلف المرجعيات والتكوينات الفلسفية.

فعاليات وبحوث

تسبق الملتقى عدة فعاليات منها افتتاح معرض للكتاب الفكري الفلسفي يشارك فيه عدد من المكتبات ودور النشر العمانية، ويشمل مكتبات روازن، ولوتس، و234، وقراء المعرفة، وPages، وردهة القراء، وذواقة، وبيروت، ودار نثر، بالإضافة إلى مكتبة بيت الزبير فضلا عن افتتاح معرض الفن التشكيلي العماني الذي يضم أعمالا تجريدية لأربعة عشر فنانا عمانيا، وهم محمد نظام، وحسن مير، ومريم الزدجالي، ورابحة محمود، وعبدالكريم الميمني، ونائبة المعمري، وصالح العلوي، وراديكا هملاي، وإنعام أحمد، ونادية البلوشي، وزهرة الجمالي، وعالية الفارسي، وياسر الضنكي ومحمد بن الزبير.

كما تسبق افتتاح الملتقى إقامة حلقة فلسفية للأطفال بعنوان “أفكار كبيرة لأعمار صغيرة” تقدمها الأستاذة داليا تونسي من المملكة العربية السعودية، وهي المديرة العامة لمؤسسة بصيرة الأفكار للاستشارات التربوية والتعليمية.

والفلسفة، على عكس ما يعتقده البعض، لا تفقد أهميتها وراهنيتها ولا تصبح ثانوية، مهما تكاثر المتنافسون عليها، بل بالعكس من ذلك، فهي تستمد حيويتها من هذه الشبكات المعرفية والاختراعات والاكتشافات والأحداث التي تغير وجه العالم ومساراته وطرقه وتستمد فعاليتها كذلك من تجددها الدائم وانفتاحها على علوم أخرى وطرق تفكير وتطبيق أخرى وهو ما يسعى الملتقى لترسيخه في جلساته وفعالياته.

وسيشتمل اليوم الأول للملتقى على تدشين مشروع الفلسفة للصغار والناشئة المتمثل في ترجمة عدد من كتب سلسلة الفيلسوف الصغير للفيلسوف الفرنسي المعاصر أوسكار رونيفييه، بالتعاون مع دار ناتان الفرنسية التي طبعت السلسلة، والمترجمة اللبنانية ماري طوق التي ترجمت الكتب الثلاثة، فضلا عن تدشين كتب الفلسفة للناشئة التي قام بتأليفها الكاتب والمترجم المغربي محمد آيت حنا.

كما سيشهد حفل الافتتاح الإعلان عن جائزة صادق جواد للدراسات الفكرية التي تهدف إلى تكريس قيم المعرفة الإنسانية وتعزيز المساحات البحثية أمام الباحث العماني، ورفد المكتبة العمانية والعربية بمنتوج فكري يتجاوز الأطر الجغرافية المحدودة، وسيتضمن حدث الإعلان عن الجائزة جلسة بعنوان “الإرث الفكري لصادق جواد” بمشاركة الباحثين بدر العبري ومحمد رضا اللواتي، وستقدم داليا تونسي كذلك حلقة الفلسفة للكبار بعنوان “الدودة والطائر” تهدف إلى تقديم حوار فلسفي بالاستعانة بأدب الطفل.

الملتقى يسعى لتكريس قيم المعرفة الإنسانية وتعزيز المساحات البحثية أمام الباحثين لرفد المكتبة بمنجز فكري متجاوز

ويشارك في جلسات الملتقى عدد من الأكاديميين والباحثين بداية بعبدالله ولد أباه من موريتانيا بورقة تحمل عنوان “نقد العقل الفلسفي المعاصر: الفلسفة والأزمات الراهنة للإنسانية”، كما يشارك محمد شوقي الزين من الجزائر في جلسة بعنوان “في أصل التفلسف: تواشج التجربة الفلسفية والتجربة الصوفية” والمغربي عبدالسلام بن عبدالعالي في جلسة أخرى بعنوان “الفلسفة والترجمة”.

ومن لبنان يشارك كل من مشير باسيل عون في جلسة بعنوان “إشكاليات التعددية الثلاث التأويلية والإبيستيمولوجية والأنثروبولوجية: مقاربة نقدية” في اليوم الثاني من الملتقى، ورضوان السيد في جلسة أخرى عن “العقل بين الفلاسفة وعلماء الأصول: قراءة نقدية”، أما الباحث العماني علي الرواحي فسيشارك في جلسة بعنوان “هابرماس في الثقافة العربية”.

وفي اليوم الأخير للملتقى ستقام جلسة بعنوان “فلسفة ما بعد الإنسانية واللامركزية الأوروبية” ويشارك فيها الباحث العُماني محمد العجمي، في حين سيشارك محمد المصباحي من المغرب في جلسة بعنوان “العودة إلى الفلسفة باعتبارها عودة إلى الذات الحلقة المنفتحة على الآخر”، وفي جلسة أخيرة يقدم الزواوي بغورة من الجزائر ورقة عنوانها “الفلسفة والعصر، معالم أولية” بإدارة الدكتور رضا مهدي.

حيوية الفلسفة

◙ الملتقى يجمع نخبة من المفكرين العرب
◙ الملتقى يجمع نخبة من المفكرين العرب

الاهتمام العماني بالفلسفة ليس جديدا، فقد توجت سنوات من النشاطات الفلسفية بتدشين لجنة الفلسفة منذ سنة 2014، وهي لجنة منبثقة عن الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء، تهدف إلى التفكير في المواضيع والشؤون اللامفكر فيها في المجتمع، ولتحسين السمعة السيئة والمخيال المجتمعي المنتشر عن مثل هذه المفاهيم الضرورية كالحرية والديمقراطية والفلسفة من حيث ارتباط هذه الأخيرة بالعديد من المحرمات التاريخية، ولتحقيق ذلك اتخذت العديد من الخطط والخطوات المختلفة، التي من شأنها الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من المتلقين والقُرّاء، بمختلف أطيافهم المعرفية وتوجهاتهم الأيديولوجية.

وكما يقول علي سليمان الرواحي فإن “الفلسفة تشكل في المستقبل عاملا مُهما لفهم وتحليل الحاضر، فهي لم تعد مجردة كما هي التهمة الجاهزة الملتصقة بها، ذلك أن المتفلسف من الضروري أن ينخرط في تحليل الأحداث الراهنة التي تحيط به وبمجتمعه وبالأدوات المتوفرة لديه، وبالمناهج التي يتم تشييدها يوما بعد يوم، وهو في ذلك يهدف إلى إضاءة الحاضر بناء على المعايير البشرية المشتركة بين البشر”.

الملتقى يحاول الوقوف على تحولات الدرس والخطاب الفلسفيين وتقريب المسافة المعرفية بين المتن الفلسفي والعقل العمومي

ويركز الملتقى على دور الفلسفة المستقبلي هذا، إذ يحاول الوقوف على تحولات الدرس والخطاب الفلسفيين، وتعزيز قيم الوعي الفلسفي، وتقريب المسافة المعرفية بين المتن الفلسفي والعقل العمومي، والإسهام في حركة البحث الفلسفي من خلال توسّل وترسيم إحداثيات جدل معرفي متواكب ومضموني، وتعميق قيم التفكير المعرفي، وبيان ما تقدمه الفلسفة من ضمانات وافرة لتمتين العدة المعرفية والممكنات التفسيرية أمام البنى التفسيرية الأخرى.

كما يسعى الملتقى للتعريف بحيوية شبكة العلاقات بين الفلسفة والعلوم والموضوعات الأخرى، وإيجاد مناخ تفاعلي وتواصلي بين الباحثين والمختصين من مختلف المرجعيات والتكوينات الفلسفية، وتقديم بعض الحلقات والجلسات التخصّصية لتنمية الوعي النقدي والتفكير العلمي الفلسفي لدى الأطفال والناشئة والقائمين على مؤسسات التنشئة والتعليم.

12