عُمان تدشن جولة جديدة في تنمية ثروات الغاز والمعادن

تستعد سلطنة عمان لتدشين مرحلة جديدة في مشاريعها المتعلقة بتنمية ثروات الغاز والمعادن، في الوقت الذي تسعى فيه لتنشيط اقتصادها للابتعاد أكثر عن حدود المؤشرات السلبية مع الاستفادة من تحقيقها لوفرة مالية نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة.
مسقط - أعطى جهاز الاستثمار العماني نفسا جديدا لصناعتي الغاز والمعادن لتجسيد ثمرة الجهود الإصلاحية للحكومة والرامية إلى زيادة الإيرادات في سياق إستراتيجية تنويع الاقتصاد، والذي لا يزال يسير بوتيرة بطيئة قياسا بجيران البلد في منطقة الخليج.
وفتحت مسقط جبهة أخرى لتنمية ثرواتها الطبيعية متسلحة بحزمة من الخطط لتوسيع نشاطها وزيادة استثماراتها، رغم الحوافز التي توفرها لتعزيز القطاع الخاص غير النفطي.
وتتطلع الحكومة عبر خطة طموحة لجعل قطاع الغاز مجالا إستراتيجيا مساهما في نمو الاقتصاد مستقبلا بتوسيع رقعة الاستثمار في هذا المورد بجذب أكبر شركات الطاقة العالمية، وهو من شأنه تحقيق عوائد أكبر تسهم في تجسيد برنامج الإصلاح.
وأكد حمد النعماني الرئيس التنفيذي للشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال أن الشركة ستقوم خلال الفترة القريبة القادمة بتوقيع عقود مع شركات عالمية أخرى في قطاع الغاز. لكنه لم يكشف عن أسماء الشركات المحتملة.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية الرسمية عن النعماني قوله “سيكون ذلك أسوة بالعقود الثلاثة التي وقّعتها الشركة مؤخرا مع شركات يابانية وحصلت من خلالها على نحو 2.35 مليون طن متري سنويًّا من الغاز الطبيعي المسال العُماني”.
وأشار في حواره مع العدد الجديد للنشرة الفصلية “إنجاز وإيجاز” الصادرة عن جهاز الاستثمار إلى أنه يتم حاليا مناقشة الإستراتيجية التجارية للشركة بهدف إطالة أمدها لعشر سنوات إضافية.
وأوضح أن الشركة نجحت في أن تكون من أوائل شركات الغاز المسال التي بدأت العمل بصفقات التحويل بالسوق العالمية، والاستفادة السريعة من فرص التحويل أو المبادلة أو بيع الشحنات الفورية؛ نظرا إلى ثقة المساهمين فيها، ومصداقيتها وشفافيتها معهم.
ولم تعلن العُمانية للغاز عن نتائج أعمالها لكامل العام الماضي، لكن إيراداتها خلال العام 2021 سجلت نموا بمقدار 31 في المئة لتبلغ قرابة 3.3 مليار دولار بمقارنة سنوية بفضل الانتعاش النسبي الذي شهده قطاع الطاقة العالمي.
ووفق عملاق النفط البريطاني بي.بي فقد حلت عُمان بنهاية العام 2021 في المركز السادس عربيا من حيث الإنتاج بواقع 41.8 مليار متر مكعب خلف كل من قطر والسعودية والجزائر ومصر والإمارات.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الاحتياطات المؤكدة من الغاز الطبيعي في البلد تصل إلى حوالي 24 تريليون قدم مكعب، وهي تحتاج إلى مليارات الدولارات من الاستثمارات الجديدة.
وفي يوليو الماضي رفعت بريتش بتروليوم عُمان حجم إنتاج الغاز في حقلي خزان وغزير من مليار إلى 1.5 مليار قدم مكعب يوميا.
وذكرت بي.بي حينها أنها ستزيد كمية إنتاج المكثفات المصاحبة لتشكل هذه الزيادة قيمة إضافية كبيرة للاقتصاد العماني وللشركاء في منطقة الامتياز.
وتعد منطقة الامتياز لحقلي خزان وغزير أحد أكبر مشاريع تطوير الغاز ضيق المكامن في الشرق الأوسط، وتبلغ مساحة المنطقة الإجمالية قرابة 4 آلاف كيلومتر مربع.
وكان الإنتاج من حقل خزان بدأ عام 2017، فيما بدأ الإنتاج بحقل غزير في أكتوبر 2021، ويقدر المخزون القابل للاستخراج من المنطقة بنحو 10.5 تريليون قدم مكعب.
ولن تكتف الحكومة بتوسيع صناعة الغاز فهي تهدف كذلك إلى عقد شراكات جديدة ضمن خطة بعيدة المدى لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية في صناعة استخراج المعادن.
وكشفت شركة تنمية معادن عُمان عن تفاصيل مشروع “مزون للتعدين”، الذي يُعدّ أحد أهم الاستثمارات الواعدة التي ستسهم في عودة صناعة النحاس بالبلاد.
وقال ناصر المقبالي الرئيس التنفيذي للشركة إن “المشروع يضم 5 مناجم بمخزون احتياطي يبلغ 22.9 مليون طن من النحاس، وبطاقة إنتاجية تقدّر بحوالي 1.5 مليون طن سنويا وبتكلفة تبلغ نحو 300 مليون دولار”.
وتشير بعض أعمال التنقيب إلى وجود استكشافات أولية واعدة من خام النحاس في المنطقة المحيطة بهذه المناجم، ضمن المربع رقم (12 أ 2) والمعروف بإمكاناته المعدنية الواعدة.
ويستهدف المشروع الذي يقع في ولاية ينقل بمحافظة الظاهرة وضع البلد على خارطة الدول المنتجة للنحاس، والتمهيد لإقامة مشاريع الصناعات التحويلية المرتبطة بهذا المعدن مع تعزيز سوق العمل ودفع أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وكان البلد قد وضع المناجم بين أهم أولويات “رؤية 2040″، واعتمد قانونا جديدا للثروة المعدنية في مارس 2020، لتشجيع الاستثمار بالقطاع عبر تجهيز الموافقات للمناطق المستهدفة وطرحها للمنافسة وفق مبدأ تكافؤ الفرص.
ومنذ 2018 منحت السلطات العديد من التراخيص للاستثمار في التنقيب من أبرزها رخصة إنتاج معدن النحاس بمنطقة الغيزين في ولاية الخابورة بمحافظة شمال الباطنة.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن الاحتياطي من هذا الخام يقدر بنحو 50 مليون طن، كما أن هناك احتياطات من خام الكروم تبلغ حوالي 3 ملايين طن.
وبالإضافة إلى ذلك ثمة كميات ضخمة من خام الحديد وهي بحاجة إلى أنشطة استكشاف، وكذلك الحجر الجيري الذي يتواجد في ظفار والظاهرة ومسقط والشرقية والوسطى.
كما تتوفر كميات من خام الرخام، الذي يتواجد في محافظات الظاهرة والداخلية والشرقية، فضلا عن معدن الدولومايت الذي يتواجد في مسقط والوسطى.
وتنظر الحكومة إلى 2023 على أنه عام آخر حاسم في طريق تقليص العجز المالي والضغط على الديون بشكل أكبر بالتزامن مع تنفيذ برامج التنمية للابتعاد تدريجيا عن المخاطر التي تسببت فيها الجائحة.
واعتمدت سلطنة عمان مع مطلع العام الجديدة ميزانية 2023 بحجم 21.4 مليار ريال (55.64 مليار دولار) وبعجز متوقع قدره 3.38 مليار دولار وذلك على أساس فرضية سعر برميل النفط عند 55 دولارا.
وكانت ميزانية العام الماضي مبنية على أساس توقع سعر 50 دولارا لبرميل النفط لكن تقديرات الحكومة تشير حاليا إلى متوسط سعر 94 دولارا للبرميل.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل عمان فوائض مالية وخارجية في عام 2022 وعلى المدى المتوسط نتيجة ارتفاع عائدات النفط وضبط أوضاع المالية العامة وفرض ضريبة القيمة المضافة.
وكدليل على تحسن الوضع المالي للدولة وانخفاض دينها العام رفعت وكالة ستاندرد آند بورز في نوفمبر الماضي التصنيف الائتماني لعُمان من بي.بي سالب إلى بي.بي.