عُمان تحافظ على سرية بحث الميزانية واستجواب الوزراء

مراقبون يرون أن وضع نهج واضح للخلافة في سلطنة عمان يحسّن المصداقية والاستقرار السياسي.
الاثنين 2021/01/18
جلسات سرية أو علنية.. الأهم مخرجاتها

مسقط – اختارت سلطنة عمان الحفاظ على قدر من السرّية في معالجة بعض الملفات المهمّة، وذلك على الرّغم من توجّهاتها نحو توسيع نطاق الانفتاح والشفافية في إطار عملية إصلاح هادئة يقودها السلطان هيثم بن طارق الذي لم يمض على تسلّمه زمام السلطة سوى عام واحد تمكّن خلاله من وضع بصماته على تجربة الحكم التي طبعها السلطان الراحل قابوس بن سعيد بطابعه.

وكان من أوضح سمات تلك التجربة تجميع مختلف خيوط السلطة بيد سلطان البلاد، ما أوجد قدرا كبيرا من المركزية يعمل السلطان هيثم على الحدّ منها من خلال ضمان مشاركة أوسع طيف ممكن من مسؤولي الدولة في إدارة شؤونها.

وسنّت السلطنة قانونا جديدا للبرلمان يشترط إجراء محادثات الميزانية الحكومية واستجواب الوزراء تحت غطاء من السرية، في وقت تعمل فيه البلاد على معالجة أوضاعها المالية والاقتصادية المتأثّرة بشدّة بتراجع أسعار النفط وجائحة كورونا.

ورأى متابعون للشأن العماني في ذلك حدّا من جرعة الشفافية المسموح بها في البلد، لكنّهم اعتبروا ذلك مناسبا لما تتميّز به التجربة الإصلاحية للسلطان هيثم من تدرّج وحرص على تجنّب مفعول الصدمة في تحقيق الانفتاح المنشود، ومن انتقاء دقيق لنوعية الإصلاحات الأنسب للبلد في مرحلته الراهنة.

وعمد السلطان هيثم منذ توليه السلطة قبل عام إلى إصلاح الكيانات الحكومية ومؤسسات الدولة وبدأ بإجراء إصلاحات مالية حساسة مثل خفض الدعم وفرض ضريبة القيمة المضافة. وأعلن الأسبوع الماضي تعديلا دستوريا شمل تعيين ولي للعهد للمرة الأولى وقواعد جديدة بشأن كيفية عمل مجلس عمان، وهو برلمان يتألف من غرفتين.

وينص القانون الجديد، الذي نشرته الجريدة الرسمية الأحد، على “أن تكون جلسات مجلسي الدولة والشورى المخصصة لمناقشة مشروعات خطط التنمية والميزانية العامة للدولة سرية”.

كما ينص على أن “تكون جلسة مجلس الشورى التي يتم فيها الاستجواب (للوزراء) سرية، ولا يجوز أن يحضرها إلا رئيس المجلس ونائباه والأعضاء والأمين العام، كما يجب أن تكون جميع وقائع الجلسة سرية ولا يجوز إفشاؤها أو التصريح بها أو نقل أي من وقائعها للصحافة أو وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي بجميع أنواعها”.

وعبرت ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنجز، الأحد، عن اعتقادها بأن إجراءات التقشف المالي ستطبق تدريجيا “للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي” في بلد شهد عام 2011 احتجاجات محدودة للمطالبة بالحد من البطالة والقضاء على الفساد وإجراء إصلاحات سياسية.

 ورغم أنّ عُمان اضطرت إلى خوض ما يشبه سباقا ضدّ الساعة لتذليل الصعوبات المالية والاقتصادية، فقد حرصت في المقابل على الحفاظ على توازناتها الكبرى وتجنّب القفز في مجهول التغييرات المتسرّعة والإصلاحات غير المدروسة.

وفي إطار الحفاظ على الاستقرار الذي تحدّثت عنه الوكالة الائتمانية، أرفقت عُمان خطتها الهادفة لإحداث التوازن المالي مع الإعلان في الوقت ذاته عن تسريع إنشاء نظام متكامل للحماية الاجتماعية.

وتضمّن التوجّه الإصلاحي للسلطان هيثم التخلّص من البطء والتكلّس في أجهزة الدولة وإزالة العوائق التي أخّرت الإصلاح الاقتصادي الذي كان مطلوبا منذ سنوات. وقال في خطاب له إثر توليه زمام الحكم إنّ عمان على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها، واعدا بإنجاز تغييرات تطال الإدارة والاقتصاد، كما تمسّ قطاع التعليم كإحدى أولويات الدولة في عهده.

Thumbnail

وأقرّ السلطان هيثم قبل عدّة أشهر “خطة التوازن المالي متوسطة المدى 2020 – 2024 التي قامت الحكومة بوضعها، والتي تضمنت عدة مبادرات وبرامج تهدف في مجملها إلى إرساء قواعد الاستدامة المالية للسلطنة، وخفض الدين العام ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي بتوجيهه نحو الأولويات الوطنية، وزيادة الدخل الحكومي من القطاعات غير النفطية، وتعزيز الاحتياطيات المالية للدولة، وتحسين العائد على استثمار الأصول الحكومية بما يضمن تعزيز قدرتها على مواجهة أي صعوبات وتحديات مالية، وبما يضعها على مسار النمو والازدهار الاقتصادي”.

وفي إجراء لصيق بهذه الخطّة وجّه السلطان هيثم “بالإسراع في بناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية، وذلك بهدف ضمان حماية ذوي الدخل المحدود وأُسر الضمان الاجتماعي من أي تأثيرات متوقعة جرّاء تطبيق ما تضمنته الخطة من تدابير وإجراءات”.

كما شملت الإجراءات الجديدة التي أمر بها السلطان هيثم تنفيذ مشروعات تنموية في جمبع أنحاء البلاد، وذلك حرصا على “استمرار تعزيز النشاط الاقتصادي والحركة التنموية في السلطنة”.

وقالت ستاندرد آند بورز إن الإصلاحات المؤسسية الأخيرة في عُمان، والتي تشمل وضع نهج واضح للخلافة، من شأنها أن تحسن المصداقية والاستقرار السياسي، لكن العجز المالي والخارجي المرتفع وضعف النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة بين الشبان لا تزال تمثل تحديات كبيرة.

وتراكمت الديون على عمان، وهي منتج صغير للنفط، بوتيرة سريعة في السنوات القليلة الماضية وتضررت ماليتها العامة من انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا.

وقالت وكالة بلومبرغ مؤخّرا إنّ السلطنة عادت إلى سوق الديون للمرة الثالثة في أقل من ثلاثة أشهر، حيث تحتاج إلى اقتراض نحو 2.4 مليار دولار هذا العام لتغطية العجز المالي.

3