عُمان تتبنى نموذجا خليجيا مختلفا للتطوير العمراني

50 مليار دولار عوائد تطوير العاصمة مسقط من خلال استثمارات بقيمة 19 مليار دولار.
الاثنين 2024/10/28
سنبهركم بمشاريعنا

تؤكد أحدث مخططات التنمية في سلطنة عمان أن الحكومة تتبع نموذجا للتطوير العمراني مختلفا عن السائد في أبرز مدن منطقة الخليج، لتحقيق مكاسب مزدوجة تتمثل في مسح البصمة الكربونية وتنفيذ مشاريع عصرية في التشييد والبنية التحتية تواكب النمو الديموغرافي.

مسقط - تدرس سلطنة عمان تحويل عاصمتها إلى مدينة أعلى كثافة سكانية وأكثر اخضرارا، بشبكة نقل عام متقدمة مع تنفيذ مشاريع للتطوير العقاري متوسطة الارتفاع، بدلا من العمارة الشاهقة التي يمكن رؤيتها في أماكن أخرى من الشرق الأوسط.

ووضع المخطط خبراء من شركة برودواي ماليان ويستهدف مساعدة مسقط البالغ عدد سكانها 1.4 مليون نسمة، على مواجهة تحديات بحلول 2040، والمتمثلة في النمو الديموغرافي، واقتصاد يتنوع بعيدا عن النفط، وتفاقم مخاطر الطقس القاسي نتيجة تغير المناخ.

ورغم أن الخطة لا تزال قيد الموافقة، وهي مدعومة من وزارة الإسكان، لكنها تطرح رؤية جديدة للتوسع الحضري في الخليج تختلف عن النموذج المتبع في مدن مثل دبي وأبوظبي التي تحتضن أكثر المباني ارتفاعا في الشرق الأوسط.

ويواجه موقع مسقط تحديات فريدة، بعضها يتعلق بالجغرافيا باعتبارها عاصمة لبلد يبلغ عدد سكانه 4.5 مليون نسمة يتمركز معظمهم على الساحل، وتقع المدينة في شريط ضيق بين الجبال والبحر.

ونتيجة لذلك توسعت مساحة المدينة على طول ممر متعاقب، حيث تتراص الأحياء بعضها تلو الآخر كعربات قطار. وعليه، تشكّلت كمدينة متعددة المراكز، إذ يمكن أن تكون أوقات التنقل من طرف إلى آخر طويلة قد تصل إلى 160 دقيقة خلال ساعات الذروة الصباحية، مما يشجع السكان على البقاء بالقرب من منازلهم.

ورغم الجمال الطبيعي للموقع، إلا أن هذا الشريط الضيق يواجه تحديات بيئية، حيث تتقاطع المدينة مع شبكة تضم 14 واديا، وهي عبارة عن مجاري أنهار تكون جافة معظم العام، لكنها تتحول إلى فيضانات مفاجئة خلال موسم الأمطار. ويجعل هذا الوضع 45 في المئة من مساحة المدينة عرضة لخطر الفيضانات الناجمة عن الأودية، و20 في المئة عرضة لخطر ارتفاع المد.

ودفعت زيادة حدة الطقس القاسي إدارة الفيضانات إلى تأمين جزء أساسي من مستقبل المدينة، وكذلك شجعت الطبيعة الجغرافية على هيكل حضري غير متصل بشكل سلس، حيث يتوقف التطوير أو يبدأ بناءً على تضاريس الأرض.

فيل بوندز: كل أشكال التصميم تتفادى خطر الفيضانات لنصف قرن
فيل بوندز: كل أشكال التصميم تتفادى خطر الفيضانات لنصف قرن

وقال فيل بوندز، مدير التخطيط الحضري في برودواي ماليان، لوكالة بلومبيرغ “وضعنا العديد من الخرائط المتعلقة بالفيضانات. بشكل عام، حاولنا إبقاء جميع أشكال التطوير بعيدة عن المناطق المعرضة لخطر الفيضانات خلال الخمسين عاما القادمة".

وأشار إلى أن بعض أنظمة الأودية سيتم تطويرها بزراعة النباتات وتغذيتها بالمياه المعاد تدويرها التي كانت ستذهب إلى البحر، مما سيوفر مناطق خضراء مفتوحة بجميع أنحاء المدينة.

وتتوافق أهداف الخطة مع ما يُعتبر اليوم مخططا حضريا جيدا، ومع أن تنفيذ الخطة قد يبدو غير مؤكد، فإن التنسيق بين المشاريع التي بدأت بالفعل يُعزز فرص تحقيقها.

ويُتوقع أن تحقق الخطة عائدا كبيرا، حيث قدّر بوندز أن استثمارا بقيمة 19 مليار دولار سيحقق قيمة إضافية تصل إلى نحو 50 مليار دولار.

وحتى وقت قريب، لم تكن هذه التحديات مشكلة كبيرة نظرا لصغر حجم المدينة، ومع وجود نصف مليون نسمة قبل ثلاثة عقود ظلت المسافات داخل مسقط يمكن قطعها بيسر، وكان من السهل الحصول على أراض للبناء.

وتنص قوانين الدولة على حق أي مواطن يتخطى 23 سنة في امتلاك الأراضي، والحصول على قطعة أرض مجانية تصل مساحتها إلى 600 متر مربع لبناء منزل.

ورغم أن الحصول على قطعة أرض الآن يتطلب انتظارا طويلا عبر نظام القرعة، إلا أن الحلم النموذجي الذي يراود العمانيين ظل امتلاك فيلا خاصة، وليس العيش في شقة.

وتضم مسقط بعض المناطق ذات الكثافة العالية، لكنها تُعد أقل إقبالا على العيش فيها، ويقطنها بشكل أساسي الوافدون من ذوي الدخل المنخفض الذين يستخدمون وسائل النقل العام المحدودة.

ولكي تحظى العاصمة بقدرة على المنافسة يتطلب الأمر تغيير هذه العادات. وبحلول 2040، يُتوقع أن يبلغ عدد سكانها 2.7 مليون نسمة. وإذا استمر التوسع الحضري بنفس الوتيرة، لن تتسنى إدارة مساحة المدينة بشكل فعال، وستفتقر إلى الاستدامة.

وتتضمن الخطة أدوات لكسر هذا النمط، منها التطوير لتصبح أعلى كثافة ووسائل نقل عام وحظر البناء في المناطق الخضراء وإنشاء منظومة للحدائق على أن يتم إنشاء خط قطار خفيف بطول 55 كيلومترا على طول الساحل ليصبح العمود الفقري الجديد للمدينة.

◙ مشاريع التشييد العقاري المقررة ستكون متوسطة الارتفاع، بدلا من العمارة الشاهقة
♣ مشاريع التشييد العقاري المقررة ستكون متوسطة الارتفاع، بدلا من العمارة الشاهقة

وسيخترق هذا القطار المناطق الجبلية التي تفصل بين مسقط القديمة والجزء الغربي من المدينة الذي يضم المطار الدولي والمنتجعات الفاخرة مثل فندق “سانت ريجيس” المطل على خليج عُمان.

وأُجريت دراسة الجدوى لخط القطار الخفيف في أغسطس الماضي، ويتوقع أن يبدأ إنشاؤه في منطقة الواجهة البحرية الجديدة قبل نهاية العام الجاري.

كما سيتم تشغيل حافلات نقل سريع لتوفير خط ربط شرق – غرب مواز داخل المدينة، بالإضافة إلى تشجيع مشروعات التطوير المكثفة على طول خط القطار الخفيف، مع إنشاء مبان متوسطة الارتفاع للحفاظ على المناظر المطلة على الجبال.

وتشتري الحكومة حاليا الأراضي على طول هذا المحور المركزي لإعادة توجيه التطوير نحو المنطقة الوسطى المفقودة، وهي غير مستغلة بشكل كاف بين المدينة القديمة والمناطق الحديثة قرب المطار.

وفي وسط هذا التطوير، سيتم إنشاء مشروع واجهة بحرية من تصميم شركة زها حديد، لتشكّل سلسلة من الأبراج الممتدة نحو الميناء، وتصبح ذات طابع استثنائي في مسقط لبناء ناطحات السحاب.

وفي الوقت نفسه، سيتم تجديد منطقة روي، التي تُعتبر مركز المدينة الحالي، لتصبح أكثر جذبا للسكان من مختلف أنحاء مسقط الكبرى.

وتهدف الخطة أيضا إلى حظر البناء في بعض المناطق، وخاصة عند سفوح الجبال وفي الجزء الغربي النائي من المدينة، الذي لا يزال غير مطور، وسيُستخدم كـ”رئة خضراء” مستقبلية. كما سيتم تحديد مناطق خضراء في الأماكن المعرضة لخطر الفيضانات.

11