عين العالم على غزة: انقسام في القيادة الأوكرانية حول مصير الحرب

تتردد أصداء الحرب في غزة في جميع أنحاء العالم، ويصعب سماع أيّ شيء فوق هذا الضجيج. لكن تصريحات أدلى بها القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية الأسبوع الماضي كانت عالية وواضحة. وأشعلت شرارة أزمة داخلية في كييف ومناقشة دولية حول مستقبل الصراع.
ويقود الجنرال فاليري زالوجني الحرب الأوكرانية ضد روسيا. وكان من المدهش والصادم سماعه وهو يعلن علنا أن القتال بلغ طريقا مسدودا. وكان استنتاجه هو “تماما كما حدث في الحرب العالمية الأولى، وصلنا إلى مستوى التكنولوجيا الذي يضعنا في طريق مسدود. لن يكون هناك على الأرجح تطور عميق”.
وكان الاعتراف مفاجئا، ولاقى بالطبع توبيخا فوريا من القيادة السياسية في أوكرانيا. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقلق واضح من التصريح وتأثيره على الدعم الغربي إن “هذا ليس طريقا مسدودا”.
وكان البيان واضحا إلى حد ما حول الوضع الحالي أيضا، حيث بدا من الواضح منذ أسابيع أن الحرب في أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، إلا أن حرب غزة هي التي مكّنت من توضيح هذا الواقع.
◙ من الممكن أن يتواصل تجميد خطوط المعركة إلى 2024 على الأقل إذا لم يطرأ سبب يدفع موسكو إلى إنهاء الصراع
وكان المقصود من الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في فصل الربيع أن يكون عاصفة عسكرية تغير مجرى المعركة. لكنه عانى من نقص المعدات منذ البداية، وتعثر حين انطلق أخيرا خلال الصيف.
وتمكنت أوكرانيا قبل شن الهجوم المضاد في يونيو من استعادة أراض من الروس، خاصة حول خاركيف في الشرق وخيرسون في الجنوب.
لكن التقدم كان بطيئا منذ بدء العملية. ولم يحدث عمليا أيّ تغيير عبر ما يقرب من ألف كيلومتر من خط المواجهة شديد التحصين.
وإذا دققت في خريطة الأراضي الشاسعة التي احتلتها القوات الروسية، فستدرك صغر المناطق التي استعادتها أوكرانيا. وقدرت صحيفة “نيويورك تايمز” الشهر الماضي أن إجمالي المساحة التي استعادتها خلال عام القتال بأكمله أصغر من العاصمة كييف نفسها. ويبدو هذا كثيرا من الجهد والألم والعناء مقابل مكاسب قليلة.
وتسبب الافتقار إلى الحركة في إحباط معنويات الأوكرانيين ومؤيديهم. ودفع الحلفاء ثمنا باهظا لدعم أوكرانيا خلال عامين دمويين وشتاء شديد البرودة. وقدمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية نحو 80 مليار دولار من المساعدات العسكرية والمالية. كما تبرّعت خمس دول على الأقل، بما في ذلك الدنمارك والنرويج، بما يعادل 1 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي، فقط لتوفير الغذاء لأوكرانيا ودعمها في القتال.
وكانت تداعيات الحرب في أوكرانيا هائلة في جميع أنحاء العالم، حيث تسبب تعطل سلاسل التوريد في ارتفاع الأسعار، ونقص الغذاء، والاضطرابات السياسية. وأمكن تهدئة قلق الجنوب العالمي بتصديقه حجة الغرب التي مفادها أن غزو أوكرانيا يمثل تغييرا جوهريا في قواعد النظام العالمي، وأن بعض الألم ضروري لتصحيح هذا التغيير.
ثم اندلعت حرب غزة. وتصاعدت الخسائر البشرية في صفوف الفلسطينيين ولم يتمكن الزعماء الغربيون حتى من طلب “وقف إطلاق النار”. وأصبحت الاستثناءات من القواعد العالمية المقدمة للحلفاء الغربيين واضحة للجميع.
ولم توضح حرب غزة المأزق الأوكراني لهذا السبب. لكن تركيز اهتمام السياسيين الغربيين على زيلينسكي حمى قيادة الحملة الأوكرانية المتعثرة. وكانت دبلوماسية زيلينسكي النشطة بتنقله من محفل إلى آخر، وزياراته إلى السياسيين الغربيين واستقبالهم، أخفت حقيقة الحرب في عاصفة من الكاميرات واللقطات الصوتية.
وتجذب غزة الآن الاهتمام السياسي العالمي، وأصبح الواقع أكثر وضوحا على نحو مّا مع تحول الصفحات الأولى بعيدا عن الحرب الأوكرانية، حيث كان يسهل تجاهل خطوط المعركة المجمدة حين كانت السياسة تشهد تغيرا مستمرا. ويصعب الآن تجاهل هذا الأمر، وبرزت لذلك الانقسامات داخل أوكرانيا.
◙ أوكرانيا تمكنت قبل شن الهجوم المضاد في يونيو من استعادة أراض من الروس، خاصة حول خاركيف في الشرق وخيرسون في الجنوب
وتشير دلائل إلى أن الحلفاء الغربيين يبحثون عن مخرج. كما أشارت تقارير من مصادر مجهولة نشرتها وسائل الإعلام الأميركية إلى طرح موضوع مفاوضات السلام في أوكرانيا على أعلى مستوى.
وبينما يقول الموقف الرسمي إن الغرب (وخاصة الولايات المتحدة) سوف يقف إلى جانب أوكرانيا ما دامت البلاد في حاجة إلى المساعدة، تتبع واشنطن في الواقع أولوياتها الخاصة. وتنتظرها دورة انتخابية مثيرة للجدل والانقسام في العام المقبل، حيث سيكون تعامل الرئيس جو بايدن مع الصراع الأوكراني جزءا مهما في النقاشات.
وهذا ما يجعل بايدن من أضعف حلقات السلسلة الدبلوماسية المؤدية إلى التسوية الأوكرانية بعد أن راهن بسمعته الشخصية على حربين مثيرتين للجدل، ولم تظهر أيّ منهما أيّ علامة على الانفراج القريب.
وفي نفس الوقت، سيكون فلاديمير بوتين سعيدا برؤية خصم بايدن المحتمل، دونالد ترامب، يعود إلى الرئاسة. ويعني هذا أن فرص تفاوض روسيا قليلة خلال الحملات الانتخابية الأميركية. فمن الأفضل بكثير إبقاء الخطوط الأمامية مجمدة وترك بايدن بتحمل الملامة.
ومن الممكن أن يتواصل تجميد خطوط المعركة إلى 2024 على الأقل إذا لم يطرأ سبب يدفع موسكو إلى إنهاء الصراع.
وراهن زيلينسكي بحياته السياسية على كونه زعيما صامدا لا يتنازل في زمن الحرب. لكن يتضح أن الجيش الأوكراني لا يستطيع تحقيق النصر حتى حين يشير قائد الجيش إلى ذلك. وسيتطلع حلفاء أوكرانيا قريبا إلى وضع ثقتهم بعيدا عن زعيم زمن الحرب، وفي شخص يمكنه تحقيق السلام بأي ثمن كان.