عين الأحزاب الشيعية العراقية على حنفية نفط البصرة

الإطار التنسيقي: جميع مجالس محافظات الوسط والجنوب من نصيبنا.
الثلاثاء 2024/01/16
لسان حال أهل البصرة: دعونا وشأننا

التنافس الشرس على قيادة الحكومة المحلية في محافظة البصرة لا يعكس رغبة القوى الشيعية المتنافسة في خدمة المحافظة وانتشالها من المشاكل التنموية والبيئية الحادّة التي تواجهها، بقدر ما يعكس رغبة في السيطرة على مقدّراتها المادية الكبيرة والوصول إلى الأموال المرصودة لمشاريعها التنموية الواعدة.

البصرة (العراق) - باتت السيطرة على الحكومة المحلية في محافظة البصرة بجنوب العراق هدفا رئيسيا لقوى الإطار التنسيقي الشيعي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني، نظرا إلى الأهمية الاقتصادية القصوى للمحافظة التي تنتج حوالي ثلاثة وسبعين في المئة من النفط المنتج في العراق وتمدّ موازنة الدولة بأكثر من ثمانين في المئة من مواردها المالية، فضلا عن اتّساع مجال الاستثمار في مشاريع الطاقة وما يتصل بها من مشاريع أخرى بالنظر إلى وجود المزيد من مخزونات النفط والغاز غير المستغلّة إلى حدّ الآن.

ووضع الإطار المشكّل من أحزاب وفصائل شيعية مقرّبة من إيران قاعدة عامّة للتعامل مع ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي، تنصّ على تغيير جميع المحافظين بغض النظر عن النتائج الانتخابية.

وبدا أن البصرة هي المعنية في المقام الأوّل بهذه القاعدة كون محافظها أسعد العيداني حقّق في الانتخابات نتائج تؤهّله للاحتفاظ بمنصب المحافظ الذي ظل دائما مطمع قوى وشخصيات منافسة له حاولت إزاحته عبر حملات إعلامية ضارية واتهامات بالفساد هدفت إلى تأليب الشارع البصري ضدّه.

وينتمي العيداني إلى العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها زعماء الإطار، لكنّه لا يبدو موضع ثقة هؤلاء الزعماء بسبب كثرة ترحاله السياسي وتنقّله بين التيارات الشيعية، وخصوصا اقترابه من التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر العدو اللدود لقيادات الإطار التنسيقي.

مرتضى الساعدي: حققنا الأغلبية في جميع المحافظات الوسطى والجنوبية
مرتضى الساعدي: حققنا الأغلبية في جميع المحافظات الوسطى والجنوبية

وكانت أخبار قد راجت بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة أن الصدر يدعم ترشيح العيداني لمنصب رئيس الوزراء.

وحصل تحالف “تصميم” بقيادة العيداني على اثني عشر مقعدا من مجمل مقاعد مجلس المحافظة، لكنّ قوى شيعية شكّكت في طريقة تحقيق التحالف المذكور لتلك النتيجة متهمة زعيمه باستخدام مقدّرات الدولة والمال العام في جلب الأصوات الانتخابية عبر إغراء الناخبين بوعود التشغيل ومنح المساعدات وتسهيل المعاملات الإدارية للسكان بشكل عام.

وبعيدا عن الحكم بصحة تلك الاتهامات من عدمها، فإن صدورها عن قوى سياسية منافسة للعيداني يعتبر مطعنا فيها كون تلك القوى مشاركة في الحكم ومتورّطة في عمليات فساد كبرى ولها سوابق مشهودة في تزوير الانتخابات.

وأعلن قادة الإطار في وقت سابق قرارهم استبدال جميع المحافظين الحاليين “بوجوه جديدة”، من دون تفسير لطريقة التعامل مع إمكانية تحقيق المحافظ الحالي للبصرة لأغلبية النصف زائد واحد، وهو أمر متاح له بالنظر إلى نتيجته الانتخابية.

وتعكس ثقة قوى الإطار في قدرتها على التحكّم بتشكيل الحكومات المحلية اتّساع دائرة الوسائل المتاحة لها لانتزاع المناصب والمواقع القيادية ومن بينها تسليط الضغوط السياسية على المنافسين والبراعة في جمع وفبركة التحالفات الظرفية ضدّهم، واللجوء في الظروف القصوى إلى استخدام القضاء في استصدار تفاسير الأحكام والإجراءات الدستورية بما يتوافق مع مصالح تلك القوى وصولا إلى إثارة القضايا في وجه هؤلاء المنافسين وإدانتهم أمام القضاء على غرار ما حدث مؤخّرا لزعيم حزب تقدّم محمّد الحلبوسي الذي أزيح عن منصب رئيس البرلمان بحكم قضائي على خلفية تورطه في قضية تزوير بدا أنها قد أعيدت إثارتها على عجل في إطار تصفية حسابات سياسية معه.

ويولي قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية أهمية قصوى للسيطرة على الحكومات المحلية في أكبر عدد ممكن من محافظات البلاد، وذلك لاستكمال سيطرتهم على مقاليد الدولة بعد أن كانوا قد تمكّنوا من الهيمنة على الحكومة الاتّحادية الحالية بعد هزيمة غريمهم مقتدى الصدر عن طريق التكتّل ضدّه تحت مظلة الإطار التنسيقي والتحالف مع قوى أخرى من خارج العائلة السياسية الشيعية.

وتنطوي الهيمنة على مجالس المحافظات على مكاسب مادية كبيرة من خلال الأموال المرصودة لإدارة الشأن المحلّي وإعادة تحريك عملية التنمية.

الهيمنة على مجالس المحافظات تنطوي على مكاسب مادية كبيرة من خلال الأموال المرصودة لإدارة الشأن المحلّي وإعادة تحريك عملية التنمية

وتعتبر البصرة من المحافظات الواعدة في هذا المجال من خلال مشاريع الطاقة والبنى التحتية التي تعد حكومة السوداني بإطلاقها في المحافظة التي عانت خلال السنوات الأخيرة تأخرا تنمويا فادحا.

ولا يغيب عن أذهان قيادات الأحزاب والفصائل الشيعية في سعيها للتحكم بزمام الحكومات المحلية هدف سياسي حيوي يتمثّل في الاستعداد للانتخابات التشريعية القادمة المقررة لسنة 2025، حيث كثيرا ما مثّلت مجالس المحافظات بمقدراتها المادية وتحكّمها بمصالح حيوية للسكان منصات مثالية لجلب الأصوات الانتخابية عن طريق استخدام تلك المقدرات والسلطات في إغراء الناخبين والضغط عليهم.

وتعتبر البصرة معقلا رئيسيا للأحزاب الشيعية في العراق على غرار باقي محافظات وسط البلاد وجنوبها التي يجزم الإطار التنسيقي بأنّ قيادة حكوماتها المحلية ستكون من نصيبه.

وقال مرتضى الساعدي عضو كتلة السند الوطني المنضوية ضمن الإطار التنسيقي إنّ “الإطار حقق الأغلبية في جميع المحافظات الوسطى والجنوبية وسيتم اختيار المحافظين وفق مبدأ التوافق”.

وأضاف في تصريحات صحفية أنّ “المفاوضات التي بدأت بشكل فعلي هي التي ستقود إلى القرارات النهائية، وخاصة بشأن ملف التجديد لبعض المحافظين بناء على ما أفرزته المفاوضات بين الإطار وبقية القوى السياسية”.

ورغم غناها المادي الكبير إلاّ أن محافظة البصرة تعاني مشاكل كبيرة مترتّبة عن تعثّر التنمية في ربوعها طوال أكثر من عشريتين من الزمن، حيث تعرف تهالكا كبيرا في بناها التحتية وارتفاعا في معدّلات البطالة والفقر.

وخلال السنوات الأخيرة ازدادت مشاكل المحافظة تعقيدا بسبب بلوغ تلوث الهواء والتربة مستويات خطرة، وأيضا بسبب التغيرات المناخية والتناقص الكبير في موارد المياه.

ولا يمثّل التنافس الشديد للقوى السياسية على المواقع القيادية في مجلس محافظة البصرة مؤشّرا إيجابيا للسكان المحلّيين الذين يعرفون أنّ التسابق هو على ثروات المحافظة ومقدراتها وليس على خدمة أبنائها وتحقيق مصالحهم على الوجه الأكمل.

 

اقرأ أيضاً:

         • سبعة قتلى في نزاع عشائري مسلّح بالبصرة

3