عيش تونسي.. العمل الجمعياتي بوابة السياسة في تونس

مخاوف من تعرض 200 ألف تونسي للاحتيال بعد توقيع وثيقة على الإنترنت.
الجمعة 2019/05/17
ما الهدف من كل هذا

“عيش تونسي”، حملة يلفّها الغموض، بدأ الحشد لها أولا على فيسبوك ثم غزت كل وسائل الإعلام التونسية. وقد أثارت سيلا من الأسئلة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة وأنها انطلقت منذ أشهر.

تونس- غزت مؤخرا حملة في تونس مختلف وسائل الإعلام بعد أن كانت مقتصرة على فيسبوك، ما سبب جدلا واسعا. والحملة المعنونة بـ”عيش تونسي” (عش تونسيا) تدعو التونسيين إلى التوقيع على نصّ متكوّن من 12 نقطة تحت مسمّى “وثيقة التوانسة” يقول عنه تونسيون إنه حرّر بأسلوب شعبوي ركيك.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عبّر التونسيون عن تخوفهم من أهداف هذه الجمعية. وتعتمد الجمعية بشكل مكثف على الإعلانات الإشهارية، وبعد أن قامت باستشارة التونسيين أعدت وثيقة، ثم دعتهم إلى الدخول إلى موقعها على الإنترنت لتوقيعها.

وفي الأيام الماضية باتت الإعلانات المتعلقة بالحملة تعرض في أوقات الذروة، مسجلة دخول فنانين وإعلاميين على الخط. ويتساءل تونسيون إن كان دخول هؤلاء في إطار الاقتناع المبدئي أم في سياق نشاط مدفوع الأجر.

وكان المنسق العام لحملة “عيش تونسي” سليم بلحسن، قد أكد أن المشروع هو أكبر استشارة شعبية في تونس، شارك فيها أكثر من 400 ألف تونسي وتونسية من مختلف الشرائح العمرية، وأسفرت عن وضع “وثيقة التوانسة”.

وأوضح بلحسن أن مشروع “عيش تونسي” جاء نتيجة لراهن سياسي متأزم ووضع اجتماعي واقتصادي متدهور، سيطر على الشأن العام. وسلط الضوء في هذا الإطار على المراحل التي مرت بها الاستشارة، عبر تنظيم اللقاءات المباشرة والاجتماعات الميدانية مع التونسيين بكامل جهات البلاد.

وأكد أن غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن وغياب العدالة الاجتماعية وتفاقم البطالة والتحديات الأمنية واستقرار البلاد، مثلت كلها أهم شواغل المواطنين وفقا لنتائج هذه الاستشارة، بما انعكس سلبا على السلوكات الاجتماعية السائدة والتي طغت عليها الفوضى واستشراء الفساد وتدهور الخدمات الاجتماعية العمومية، وخاصة الصحية والتربوية.

وأفاد بأن المستجوبين، عزوا استفحال كل الأزمات التي شهدتها تونس، إلى ضعف الدولة وفساد الطبقة السياسية الراهنة وعدم كفاءتها في تسيير الشأن العام، بالإضافة إلى المناخ الاقتصادي العالمي الذي أثر مباشرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل بلدان العالم.

جمعية عيش تونسي

وأضاف أن هذه الوثيقة “تعدّ مشروع بناء من أجل غد أفضل، حيث لا مكان لبائعي الوطن والفاسدين والمتلاعبين بمصير الشعب التونسي، ولمن قوّضوا ركائز الدولة وتسببوا في خرابها وتدمير الاقتصاد الوطني”، وفق تعبيره.

ويعتبر تونسيون على فيسبوك أن الحملة هي عملية إشهار سياسي مقنّع. إذ أنها مرتبطة بطموحات سياسيّة لسيّدة هي عضو مؤسس للحملة لا يعرف عنها التونسيون الشيء الكثير وتدعى ألفة التراس، متزوجة من رجل أعمال فرنسي يدعى غيوم رومبورغ.

 ويسخر مستخدمو فيسبوك “عيش تونسي بزوج فرنسي”. وﺗﺮأس التراس ﻣؤﺳﺳﺔ راﻣﺑورغ اﻟﺗﻲ دﻋﻣت ﻋدﻳد “اﻻﻋﻣﺎل اﻟﺛﻘﺎﻓﻳﺔ” في تونس وخارجها.  وتؤكد تقارير إعلامية على العلاقة المتينة التي تربط زوجها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وأعلنت التراس مؤخرا نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية 2019، وفقا لما صرحت به في عدد من اللقاءات الإعلامية. وقالت في حساب منسوب لها على تويتر، لم تتأكد “العرب” من صحته، إنها قررت إعلان الحرب من أجل تونس، وهو ما أثار جدلا واسعا دفعها إلى حذف حسابها.

من جانبها أكدت التراس أن “عيش تونسي” يجب ألاّ تُختزل في شخصها. وأشارت إلى”الرداءة الكبيرة” حسب وصفها، خاصة بعد أن تداولت بعض وسائل الإعلام منشورا نُسب لها عبر حساب مزور في تويتر.

وقالت التراس إنّ “200 ألف تونسي صادقوا على وثيقة التوانسة، وهو ما يعتبر تفاعلا ضخما، وبعد رمضان سنحسم مستقبل جمعية عيش تونسي والتأويلات التي تُثار حولها”. وعلى فيسبوك انتشرت عدة تعليقات مشككة في الجمعية وأهدافها. وقالت صفحة على فيسبوك:

وقال الإعلامي مكي هلال:

وأما المدون هيثم المكي فقد انتقد بشدة جمعية “عيش تونسي” واعتبر أنها “حركة سياسية هدفها الوصول إلى السلطة”، بما يعني أنها “حزب”، وفق قوله. وقال المكي “الجماعة يلومون على السياسيين فسادهم وكذبهم على التوانسة وهم داخلين (دخلوا) بكذبة وتحيل على القانون”.

من جانب آخر، أكد صدام الجبالي، منسق جمعية “عيش تونسي” أنهم يتعرّضون لحملة تشويه واسعة وذلك منذ الإعلان عن إصدار “وثيقة التوانسة” التي تتضمن 12 إجراء استعجاليا، وخاصة المتعلّق بنزع الامتيازات التي يتمتع بها السياسيون.

ونفى كل ما وجّه من اتهامات للجمعية بخصوص التجسس على التونسيين وعلى معطياتهم الشخصية، مشيرا إلى أنهم قد تقدموا بمطلب إلى الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية خلال الاستشارة الوطنية التي قاموا بها خلال شهر نوفمبر 2018، وذلك في إطار حرصهم على احترام القانون، وفق تعبيره. وهو ما كذبته الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية.

العضو المؤسس لجمعية "عيش تونسي" ألفة التراس أكدت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة المقررة هذا العام
العضو المؤسس لجمعية "عيش تونسي" ألفة التراس أكدت نيتها الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة المقررة هذا العام

وأكدت الهيئة في بلاغ لها، أن الجمعية لم تتحصل على ترخيص منها لمعالجة معطيات الاتصال التي جمّعتها في إطار الاستشارة التي قامت بها والتي شملت قرابة 400 ألف شخص. وأوضحت الهيئة أن هذا الترخيص هو ترخيص مسبق وجوبي باعتبار أن التجميع يتعلق بمعطيات شخصية حسّاسة تتمثل في قاعدة بيانات لأرقام هواتف المستجوبين.

وتلقى العديد من التونسيين اتصالات من جمعية “عيش تونسي”. ويقول البعض إن ما أثار الشكوك حول نية الجمعية في جمع المعطيات الشخصية للتونسيين هو طبيعة الأسئلة التي يتم طرحها والتي يرون أنها محاولة لجمع معطيات شخصية للناخبين والقيام بسبر آراء حول أفكارهم وتطلعاتهم.

والملاحظ أن حملة “عيش تونسي”، تأتي في إطار عمل جمعياتي يبطّن عملا سياسيا، بمعنى أنه قد يتحول إلى مشروع سياسي، سيتم الإعلان عنه في الإبان، عندما يتمكن من جمع رقم لا بأس به من التواقيع، “كتفويض شعبي”.

 كما يرى مراقبون أن “وثيقة التوانسة” التي طرحتها الجمعية هي بمثابة برنامج حزب سياسي لخوض الانتخابات. ويؤكدون أن محاولة دخول الجمعية للسياسية من باب المجتمع المدني هدفه تخطي قانون الأحزاب الصارم من حيث مصادر التمويل وغيره من الفصول.

19