عيد المرأة التونسية فرصة لتحقيق إصلاحات اجتماعية

مع احتفال تونس بعيد المرأة في الثالث عشر من أغسطس من كل سنة، تستغل أوساط حقوقية هذه المناسبة للتطرق إلى النقائص التي تعاني منها المرأة على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. وترى الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن الوقت قد حان لمراجعة مجلة الأحوال الشخصية وذلك لغاية جعل رئاسة الأسرة مشتركة بين الزوجين، إضافة إلى ضرورة منح النساء فرصة حقيقية للمشاركة في إدارة الشأن العام.
تونس - شكل احتفال تونس بعيد المرأة الذي يتزامن مع الثالث عشر من أغسطس من كل سنة، فرصة بالنسبة للتونسيات لإلقاء الضوء على متاعبهن، ومحاولة لعرض جملة من الإصلاحات لفائدتهن وفائدة أسرهن، خاصة في ظل تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة الذي تزايد بشكل مقلق أعقاب ظهور الجائحة.
ودعت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الخميس إلى مراجعة مجلة الأحوال الشخصية وتطويرها في اتجاه جعل رئاسة الأسرة مشتركة للزوجين مع إلغاء التمييز على أساس الدين، في خطوة من شأنها أن تحقق المزيد من الإصلاحات الاجتماعية، وتدعم ترسانة الحقوق والقوانين التي يكافح لأجلها المجتمع المدني منذ استقلال البلاد.
وصدرت مجلة الأحوال الشخصية بموجب الأمر المؤرخ في الثالث عشر من أغسطس 1956، أي في سنة استقلال تونس، لكنها لم تدخل حيز النفاذ حتى الأول من يناير 1957، ومنذ صدور مجلة الأحوال الشخصية قبل أكثر من 65 عاما خضعت للتعديل نحو 10 مرات وأجري عليها بعض التعديلات، لعل أهمها التغيير الذي طرأ عليها بموجب القانون عدد 74 المؤرّخ في 12 يوليو 1993.
ومنحت الإضافات الجديدة التي أدخلت على قانون الأحوال في عام 1993 الحق للمرأة في تمثيل أطفالها في المحاكم، وأيضا القدرة على نقل جنسيتها إلى أطفالها بالطريقة ذاتها التي أتاحها القانون للرجال.
وترى أوساط حقوقية أن الوقت قد حان لمراجعة أخرى لهذه المجلة بالإقدام على خطوات جريئة تعزز حقوق النساء، خاصة أن ترسانة القوانين الكثير منها غير مفعل على أرض الواقع، كما أنه على الرغم من التوعية المستمرة بحقوقهن فإن العقلية الذكورية ما زلت مهيمنة على المجتمع.
وطالبت الجمعية في بيان لها في إطار الاحتفال بالذكرى الـ65 لصدور مجلة الأحوال الشخصية التي تحل يوم الثالث عشر من أغسطس من كل سنة، بإقرار مبدأ المساواة التامة والفعلية بين الجنسين والتصدي لكل مظاهر التمييز، مقترحة الاستئناس بتقرير الحريات والمساواة بإلغاء المهر وإلغاء التمييز على أساس الدين في النسب واللقب والحضانة والولاية والإرث.
كما دعت إلى تفعيل الميزانية القائمة على المساواة بين الجنسين والجهات والفئات.
أوساط حقوقية تونسية تطالب بتطوير مجلة الأحوال الشخصية في اتجاه جعل رئاسة الأسرة مشتركة بين الزوجين عيد المرأة التونسية فرصة لتحقيق إصلاحات اجتماعية
وأوصت بالتسريع في تفعيل التدابير اللازمة في القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بمناهضة كل أشكال العنف على النساء، من خلال توفير الوقاية والتعهد وحماية وتتبع المعتدين. وجددت المطالبة بسياسة جزائية قائمة على اعتبار حماية ضحايا العنف، والقضاء على الإفلات من العقاب إحدى أولوياتها الملحة.
وطالبت الجمعية بتخصيص الميزانيات الكافية للتعهد العمومي بالنساء ضحايا العنف ومرافقتهن الشاملة ومتعددة القطاعات وضمان التكافؤ في الفرص أمام القانون بين جميع أفراد المجتمع. كما حثت على التعجيل بوضع استراتيجية للتصدي للفقر وتهميش النساء ، ووضع منوال تنمية ضامن للعدالة الاجتماعية ومنتج للثروة ودامج للنساء المعطلات.
ويلاحظ المتابعون أنه على الرغم من القوانين التقدمية بالبلاد، إلا أنها لم تنجح في التصدي لظاهرة العنف ضد النساء.
وفي الأشهر الأخيرة، تلقى مركز الإصغاء الخاص بالجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في تونس العاصمة، عددا كبيرا من الشهادات لنساء تعرّضن للعنف الأسري يفوق بكثير ذلك المسجل في الفترة عينها من العام الفائت.
وكان البرلمان التونسي قد أقر في العام 2017 قانونا طموحا لمكافحة العنف ضد المرأة، ودعمه سياسيون ومنظمات من المجتمع المدني تعمل على أن تكون المرأة التونسية تقدمية ومتحرّرة من كل القيود الاجتماعية.
ويوسع هذا النص القانوني الذي لقي إشادات كثيرة، نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبيها للعقاب على صعيد العنف ضد النساء، ويؤكد جليّا ريادة تونس في المنطقة في مجال حقوق المرأة ويكفل حماية قانونية لضحايا العنف.
لكن في المقابل، يبقى إحقاق الحق للضحايا مسارا صعبا في ظل غياب الإرادة السياسية ونقص الإمكانات.
وبموازاة النقائص في المجال الحقوقي والاجتماعي، لم تحقق المرأة التونسية مكاسب سياسية هامة، وظلت الدعوات المنادية بمنحها مشاركة أوسع بالشأن العام مجرد حبر على ورق.

ومع ترقب الشارع التونسي لخارطة الطريق التي سيعلنها الرئيس قيس سعيّد على إثر ما عرف بحراك 25 يوليو، الذي قاد إلى تجميد أعمال البرلمان، تطالب أوساط حقوقية بمشاركة المرأة في الحكومة المرتقبة بتمثيلية أكبر في مواقع صنع القرار.
وأكدت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ضرورة تكريس مبدأ التناصف في التشكيلة الحكومية المنتظرة، وإقرار وتفعيل التناصف الأفقي والعمودي في القانون الانتخابي، مشددة على وجوب تيسير سبل نفاذ النساء إلى مواقع القرار داخل الهيئات والمجالس المنتخبة وغير المنتخبة في الداخل والخارج.
كما قدمت خمس منظمات محلية مطالب خاصة بالنساء للحكومة القادمة.
ودعت إلى تجسيد وتكريس القوانين والبروتوكولات والمواثيق وكل النصوص القانونية سواء كانت دولية أو وطنية الحامية لحقوق النساء، لما من شأنه أن ينهض ويغير من واقع النساء العاملات في القطاع الفلاحي والصناعي وصاحبات المشاريع الصغرى وحاملات الشهائد العليا العاطلات عن العمل والعاملات بالقطاعات المهمشة والمشتغلات في الأعمال الهشة وربات البيوت وذوات الإعاقات، وغيرهن من النساء اللاتي يتعرضن إلى شتى أنواع التمييز والعنف والتحرش.
وطالبت الحكومات القادمة بإيلاء قضايا النساء أولوية قصوى للقطع مع المشاهد المهينة واللا إنسانية، ومنها القتل في حوادث الطرقات وفي المسالك الفلاحية أثناء نقل العاملات وغياب التغطية الاجتماعية واستغلال الأطفال القصر للأعمال المنزلية والاتجار بهم.
كما تشدد على المزيد من تشريك المرأة في الحياة العامة والمشهد السياسي وتطبيق مبدأ التناصف بما يضمن المساواة التامة في تمثيلية النساء بالمجالس المنتخبة، وتحقيق تكافؤ الفرص في تقلد المناصب العليا مع زيادة معدل مشاركتهن في سوق الشغل والقطع مع سياسة التهميش تجاههن، حسب نص بيان مشترك للاتحاد الوطني للمرأة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد).
وما زالت مشاركة النساء في الشأن العام محدودة مقارنة بالرجال، وبرأي المتابعين فإن الوقت قد حان لمنح المرأة التونسية المزيد من المكاسب الحقوقية والسياسية.