عون يكرر سيناريو 1990 بخروجه من بعبدا وترك لبنان في الفوضى

الشغور الرئاسي يهدد بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع وتعذر تشكيل حكومة جراء الانقسامات السياسية.
الاثنين 2022/10/31
مرحلة جديدة من الفراغ الرئاسي

بيروت- أعاد خروج الرئيس اللبناني ميشال عون من السلطة في ظل أزمة اقتصادية وحالة فراغ سياسي عمقها بقبول استقالة حكومة نجيب ميقاتي، إلى أذهان اللبنانيين خروجه من السلطة سنة 1990 تاركا البلد في حالة من الفوضى والفراغ.

وقال النائب في البرلمان اللبناني بلال الحشيمي إن الرئيس عون غادر قصر بعبدا ​ للمرة الثانية منتشياً بجمهوره، تاركاً لبنان الدولة ومواطنيها في حالة مزرية من الخراب كما في المرة الأولى عام 1990″.

بلال الحشيمي: عون غادر بعبدا ​ للمرة الثانية منتشيا بجمهوره، تاركا لبنان في حالة مزرية
بلال الحشيمي: عون غادر بعبدا ​ للمرة الثانية منتشيا بجمهوره، تاركا لبنان في حالة مزرية

ولفت الحشيمي إلى أنه “بدلاً من أن يختتم عهده، بإشارة إيجابية، أمعن في تضخيم الأزمة التي تمر بها البلاد، فوقّع إعلامياً مرسوم استقالة الحكومة، وهو لزوم ما لا يلزم، فالحكومة بقرارها هي، مستقيلة، ولا تنتظر منه سوى التوقيع الورقي على هذه الاستقالة”.

وذكر الحشيمي في بيان أنه “بهذه الحركة الإعلامية الاستعراضية يؤكّد على التعطيل المستمر الذي مارسه بالوكالة عن رئيس حزب ​التيار الوطني جبران باسيل ويضرب بعرض الحائط كل الاستشارات النيابية التي أوصت بتسمية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي​ للمرة الثانية، ممارساً الابتزاز السياسي لمنع تشكيل الحكومة. غادر فخامته قصر بعبدا دون أن يعي أن بيروت مثل روما احترقت في عهده الثاني للمرة الثانية”.

وشكل قصر بعبدا العام 1989 مقصداً للآلاف من مناصري عون الذي تولى حينها حكومة عسكرية ورفض تسليم السلطة إلى رئيس منتخب. وفي 1990 تم إخراجه من القصر إثر عملية عسكرية قادها الجيش السوري، ولجأ إلى السفارة الفرنسية، ثم توجه إلى فرنسا حيث أمضى 15 عاماً في المنفى وأسّس تياره السياسي.

وغادر عون الأحد القصر الرئاسي بحضور الآلاف من مناصريه، مستبقاً انتهاء ولايته بتوقيع مرسوم اعتبار حكومة تصريف الأعمال مستقيلة، في خطوة تزيد من تعقيدات الفراغ السياسي الذي تدخله البلاد.

ومع عدم وجود مرشح قادر حتى اللحظة على حصد الأكثرية المطلوبة في البرلمان يهدّد الشغور الرئاسي بتعميق أزمات البلاد في ظل انهيار اقتصادي متسارع منذ ثلاث سنوات، ومع تعذر تشكيل حكومة جراء الانقسامات السياسية منذ مايو.

واستهلّ عون كلمته بالقول “اليوم صباحاً وجهت رسالة إلى مجلس النواب ووقعت مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة”.

وأضاف “اليوم نهاية مهمة وليست نهاية عهد.. اليوم تنتهي مرحلة لتبدأ مرحلة أخرى تحتاج إلى نضال وإلى الكثير من العمل لكي نخرج من أزماتنا”.

وغادر عون القصر الرئاسي قبل يوم من انتهاء ولايته الرئاسية منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء.

ويدخل لبنان بدءاً من الثلاثاء في مرحلة جديدة من الفراغ الرئاسي يتعين فيها وفق الدستور انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، مع فشل النواب خلال أربع جلسات سابقة في انتخاب بديل.

لكنّ الخلافات السياسية حالت منذ الانتخابات النيابية دون تشكيل حكومة جديدة، بينما تواصل حكومة تصريف الأعمال ممارسة مهامها.

ومنذ أسابيع، يتبادل عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الاتهامات بتعطيل تأليف حكومة نتيجة شروط وشروط مضادة.

وفي رسالة وجّهها إلى البرلمان الأحد، بعد توقيعه مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، اتهم عون ميقاتي بأنه “غير راغب في تأليف حكومة بل الاستمرار على رأس حكومة تصريف أعمال”.

وأبدى اعتراضه على أن “تمارس هكذا حكومة (…) صلاحيّات رئاسة الجمهورية بالوكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

ورغم أن خطوة عون تعد سابقة في تاريخ لبنان منذ إقرار الدستور عام 1926، إلا أن خبراء دستوريين يقللون من تداعياتها ويضعونها في إطار صراع النفوذ بين الرجلين.

وفي رده على عون، قال ميقاتي إن توقيع المرسوم “يفتقر إلى أيّ قيمة دستورية”. وأبلغ رئيس البرلمان نبيه بري في كتاب “بمتابعة الحكومة لتصريف الأعمال والقيام بواجباتها الدستورية كافة”.

وسام لحام: إنه صراع سياسي بين عون وميقاتي يأخذ شكلا دستوريا
وسام لحام: إنه صراع سياسي بين عون وميقاتي يأخذ شكلا دستوريا

وتعد الحكومة الحالية عملياً مستقيلة منذ الانتخابات البرلمانية في مايو. وعادة ما يصدر رئيس الجمهورية مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة، في اليوم ذاته الذي يوقّع فيه مرسومي تعيين رئيس الحكومة وتشكيل حكومة جديدة.

ويقول الخبير الدستوري وسام لحام “إنه صراع سياسي بين عون وميقاتي يأخذ شكلاً دستورياً”، إذ لا يمكن للحكومة، وفق الدستور أن تمارس صلاحياتها “قبل نيلها الثقة أو بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”.

وفي لبنان، البلد القائم على منطق التسويات والمحاصصة بين القوى السياسية والطائفية، غالباً ما يستغرق انتخاب رئيس أشهراً. ففي العام 2016 انتخب عون رئيساً بعد 46 جلسة انتخاب خلال أكثر من عامين.

وبعد تسوية سياسية أوصلته إلى الرئاسة عام 2016، تعهّد عون بتحقيق نهضة اقتصادية واستقرار اجتماعي واستئصال للفساد. لكنها وعود لم تتحقّق.

واتسّم النصف الثاني من عهده بشلل سياسي وانهيار اقتصادي متسارع وتظاهرات غير مسبوقة في أكتوبر 2019 استمرت أشهرا، ثم حدوث انفجار مروّع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، ضاعف من النقمة الشعبية على أداء الطبقة السياسية.

وقال البطريرك اللبناني الماروني بشارة الراعي الأحد إن النواب والسياسيين في البلاد مسؤولون عن الفراغ الرئاسي، مع انتهاء ولاية عون غدا دون انتخاب خليفة له.

وقال الراعي في عظة الأحد “لو وُجدت ذرّة من الرحمة والعدالة لدى المسؤولين السياسيّين.. لما أمعنوا في هدم مؤسّسات الدولة تباعًا وصولًا إلى رئاستها التي هي فوق جميع الرئاسات والمؤسّسات، فأوقعوا هذه الرئاسة العليا والأساسيّة في الفراغ، إمّا عمدًا، وإمّا غباوةً، وإمّا أنانيّةً”.

1