عود على بدء.. حل يُنهي وهم "الدولتين"

فشل حل الدولتين لم يعد يحتاج إلى أدلة. والشجاعة تقتضي من الفلسطينيين والإسرائيليين أن يمروا إلى حل الدولة الواحدة على أن يبددوا المخاوف المتبادلة بشأن القنبلة الديمغرافية التي ينظر إليها كل منهما على أنها ستقود إلى هيمنة الطرف الآخر. يرسم المقال، هنا، خطوات عملية تفصيلية ممكنة التنفيذ من أجل بناء دولة ديمقراطية قادرة على احتواء التناقضات.
ككل خروج عن السائد والمألوف، فإن الخروج من “حل الدولتين” للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يتطلب مقدارا من الشجاعة. وهي مما لا ينقص القيادي الفلسطيني محمد دحلان الذي خاطب مؤتمر “تيار الإصلاح في حركة فتح” الذي انعقد في غزة، بالقول إنه “يقبلُ بالدولةِ الواحدةِ كخيارِ تحدّ بعد أن حطمَ الاحتلالُ كل أُسُسِ حل الدولتين ومقوماته، ولأن حلَ الدولةِ الواحدةِ سيصبحُ بديلاً طبيعياً لوهمِ حلِ الدولتين”.
الأفكار المتداولة عن “حل الدولة الواحدة” ما تزال في حاجة إلى تفصيل. وهي تمتد إلى خيارات، بعضها غير قابل للنقاش أصلا من جانب إسرائيل. وهناك بين الفلسطينيين من يدعمون هذا الحل، استنادا إلى فكرة أنهم يملكون “قنبلة ديمغرافية” يمكنها أن تزعزع الكيان الإسرائيلي من الداخل، ويفترضون بطبيعة الحال، إن إسرائيل تجهل هذا المقصد، أو أن الضغوط الديمقراطية الرامية إلى التخلص من “النظام العنصري” القائم، سوف تجبر الإسرائيليين على القبول بهذا الحل، مثلما قبله العنصريون البيض في جنوب أفريقيا.
لقد فشل “حل الدولتين” لأسباب عدة. ولكي لا يفشل “حل الدولة الواحدة” فمن الحكمة أن يُطرح كحل قابل للتطبيق، لا أن يكون حلا يثير المخاوف.
في حدود الظرف الراهن، فإن الفلسطينيين يقولون للإسرائيليين إن وجودكم على 78 في المئة من أراضي “فلسطين التاريخية” هو بحد ذاته تنازل كبير وكاف. وبالتالي، فلا سبيل للمزيد من التنازلات. نريد الضفة الغربية كاملة، من دون مستوطنات (أو مع ما يعوضها في تبادل للأراضي). ونريد غزة، ورابطا جغرافيا بين المنطقتين. ونريد القدس الشرقية، بما فيها الحرم القدسي، لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة. ونريد تعويضا للاجئين وعودة ولو رمزية لبعضهم، حتى ولو كانت إلى أراضي الدولة الفلسطينية. ولكن لا سبيل للإقرار بيهودية إسرائيل لأن ذلك سيعني تدمير حياة مليوني فلسطيني ومستقبلهم يعيشون على أرضهم وراء “الخط الأخضر”، وذلك فوق الدمار الذي لحق بالملايين من أشقائهم الذين يعيشون اليوم في الشتات.
حل السلطة الفلسطينية وتحول النضال لحركة حقوقية سوف يفتح طريقا آخر لإنهاء الاحتلال وبناء ديمقراطية حقيقية
هذا هو الحد الأدنى الفلسطيني. وفي المقابل، يقول الإسرائيليون إن أقصى ما يمكن للفلسطينيين أن يحصلوا عليه هو شيء يتراوح بين 60 و90 في المئة من أراضي الضفة الغربية وغزة، أي أقل من الـ22 في المئة الباقية من أراضي “فلسطين التاريخية”. ومن دون القدس التي يجب أن تبقى عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. ومن دون التفكير بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ومن دون إزالة المستوطنات الكبرى التي تحتل أفضل الأراضي المتنازع عليها في الضفة الغربية. وبعد ذلك كله، فإن على الفلسطينيين الإقرار، ليس بحق إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ونهائية فحسب، وإنما أيضا بكونها دولة يهودية. بمعنى أن على “العرب الإسرائيليين”، أو فلسطينيي عام 1948، أن يقبلوا، بصفة نهائية، بأنهم لن يشكلوا أغلبية داخل إسرائيل، في أي وقت من الأوقات في المستقبل. وأن عليهم أن يقبلوا العيش كأقلية، من دون حقوق قومية بل ومن دون حقوق مواطنة، وربما أن يُعاملوا كجالية أجنبية، أو أن يهاجروا مقابل الحصول على تعويضات، وأن يظلوا يتعرضون لضغوط تجعل بقاءهم في ديارهم أمرا مستحيلا.
ومن الواضح، فإنه لا توجد منطقة وسطى بين هاتين الرؤيتين. وعندما تحولت سلطة الرئيس محمود عباس إلى سلطة فساد وفشل سياسي، وتحول أبومازن إلى دكتاتور صغير يريد البقاء في منصبه، لا تعرف من أجل ماذا، فقد تجردت فكرة “الدولة الفلسطينية” من أبسط مبررات الشرعية أو المنطق. وهي قدمت دليلا على أن المؤسسة الفلسطينية الحاكمة في الضفة والقطاع لم ترق إلى المستوى الأخلاقي أو السياسي أو الدستوري بحيث يمكن تقديمها كبرهان على أن الشعب الفلسطيني قادر على أن يحكم نفسه بنفسه بالفعل.
الشعب الفلسطيني ليس شعبا عاقرا، بحيث لا يستطيع أن يعثر على نخبة تحترم القانون والقيم الديمقراطية. إلا أن سلطة الرئيس عباس في الضفة الغربية وسلطة حماس في غزة، عملتا على امتداد العشرين عاما الماضية على إخصاء الشعب الفلسطيني، بالقسوة والقمع، وأخيرا، بأعمال التعذيب والقتل.
وهو ما يملي على الفلسطينيين، كما على سواهم، السؤال: هل إن نموذج السلطة الراهن، في الضفة والقطاع، جدير بالاعتراف به كدولة؟ هل يفهم معنى الدولة أصلا؟ وهل تصلح ممارسات الفساد والقمع والتطرف الأيديولوجي لتوحي بمستقبل أفضل من مستقبل الاحتلال نفسه؟
الرهان على حل الدولة الواحدة سيكون بدوره حلا فاشلا إذا ما كانت الغاية منه هي التلويح بـ”القنبلة الديمغرافية”.
واضح تماما من أحدث الإحصاءات السكانية أن الفلسطينيين والإسرائيليين يقفون على كفتي ميزان متعادلتين تقريبا. بينما تشير معدلات الإنجاب إلى أن الغلبة سوف تكون في النهاية لصالح الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، فإن جاذبية إسرائيل للمزيد من الهجرة اليهودية تتضاءل، وهو ما يزيد الخوف من أن انفجار “القنبلة الديمقراطية” سوف يعني انفجار إسرائيل نفسها.
ففي حين تبلغ نسبة التكاثر بين الفلسطينيين 2.5 في المئة سنويا، حسب التقديرات الإسرائيلية، و3.7 في المئة حسب تقديرات جهاز الإحصاء الفلسطيني، فإن هذه النسبة لا تزيد عن 1.5 في المئة بين اليهود.
وفي مقابل “عرب إسرائيل” الذين يشكّلون نحو ربع مجموع السكان، فالحقيقة هي أن “العرب اليهود” (السفارديم) يشكلون ربعا آخر. وهو وضع يُضعف بقوة مكانة اليهود (الأشكناز) الغربيين الذين قامت إسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية على أكتافهم.
لقد كان على إسرائيل، لكي تبرر طبيعتها كدولة قومية لليهود، أن تجعل حدودها مفتوحة لكل اليهود (السفارديم والأشكناز معا). وتمكنت في الفترة من 1948 إلى 2006 من استجلاب نحو مليونين و900 ألف يهودي إلى فلسطين. وفي السنوات الأربع الأولى التي أعقبت نشوء إسرائيل (1948 – 1952) كان عدد اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بلغ 687 ألف يهودي، وكان نحو 442 ألفاً منهم من “العرب اليهود”. ويشكل “العرب اليهود” اليوم نحو 36 في المئة من مجموع السكان اليهود في إسرائيل.
وعلى الرغم من أن السياسات الإسرائيلية تحاول استبعاد مظاهر التمييز ضد “العرب اليهود”، ولكن الحقيقة هي أن هؤلاء يمثلون “بروليتاريا” إسرائيل، وحصتهم من “أرض اللبن والعسل” تنطوي على الكثير من الفقر والمرارة.
وقد يبدو الحال الراهن وكأنه كارثة سكانية داخل إسرائيل وفي محيطها. ولكن إذا أُخذت الضغوط التي ستشكلها المتغيرات المستقبلية بالاعتبار، فإن الكارثة التي يمكن لطرفي النزاع انتظارها، ستكون أكبر بكثير.

وفي الواقع، فإن “حل الدولتين” إذا بدا فاشلا سياسيا، ومستحيلا أيديولوجيا، فإنه في الواقع أكثر فشلا من الناحية السكانية. إذ أنه لا “دولة فلسطين” الافتراضية قادرة على استيعاب فلسطينييها إلى جانب “عرب إسرائيل” ممن تريد إسرائيل التخلص منهم، وفوقهم اللاجئون الفلسطينيون في الشتات على تلك المساحة الضيقة من الأرض. ولا “الدولة اليهودية” قادرة على البقاء تحت وطأة “التهديد” الداخلي الذي يمثله “عرب إسرائيل” فضلا عن التهديد الذي يمكن أن يمثله في المستقبل “العرب اليهود” أنفسهم، وفوقهم الأقليات الأخرى، على استقرار الغلبة الأشكنازية.
من الناحية السكانية، فإن الكيانين (الفلسطيني والإسرائيلي) غير قابلين للعيش عمليا ككيانين مستقلين، تحت ضغط الكثافة السكانية التي يريد كل طرف أن يجعل منها داعما لوجوده في المستقبل. وسيظلان عاجزين عن استقبال مواطنين جدد. والتوترات فيما بينهما لن تزول، حتى ولو تم التوصل إلى تسوية توصف بأنها “نهائية”.
هذا الواقع لا يُبقي إلا طريقا واحدا. هو “حل الدولة الواحدة”. وهو الحل الذي عادة ما يقترن بالقول إنها يجب أن تكون “دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها”، أو دولة “ثنائية القومية”. ولكن، إذا كان هذا هو الحل الواقعي الوحيد. فمن الحريّ أن يكون حلا حقيقيا وقابلا للتطبيق.
ليس من المعقول أن يكون لدينا حل واحد، ونقوم بإفساده. هذه وصفة لصراع يمتد إلى الأبد. وقبل كل شيء، يتعين الاعتراف مسبقا، بأن بعض الفلسطينيين من ذوي التصورات المتشددة لا يعرضونه بوصفه حلا، بل بوصفه “تهديدا”. لأنهم بالأحرى يراهنون على “القنبلة الديمغرافية”.
إذا كان لحل الدولة الواحدة أن يكون حلا حقيقيا، فإن أول ما يتوجب فعله هو إبطال مفعول "القنبلة الديمغرافية" فيه
والإسرائيليون يرفضون هذا “الحل” لأنهم يرون التهديد.
ولكن، إذا كان لحل الدولة الواحدة أن يعيش، وأن يكون حلا حقيقيا، فإن أول ما يتوجب فعله هو إبطال مفعول “القنبلة الديمغرافية” فيه.
إسقاط مُعامل العدد من المعادلة هو المدخل الأول لجعل هذا الحل واقعيا ودائما.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل يمكن للديمقراطية أن تتجاهل “العدد”؟
أقول: نعم، يمكن.
يجب أن تحل “ديمقراطية القيم” محل “ديمقراطية العدد”. فلحل تنازع قومي (يستجلب انقساما كليا مسبقا للعدد) فإن قيم الديمقراطية يجب أن توضع قبل القيمة العددية التي يمثلها المتنازعون وفوقها.
التنازل عن العدد كقيمة مسبقة للديمقراطية سوف يُبطل تلقائيا كل “التهديدات” المتبادلة التي تعنيها “الهجرة” أو “عودة اللاجئين” إلى الطرف الآخر. فوجود “عدد إضافي” يجب ألا يؤدي إلى زيادة التهديد، بل ألا يظهر كتهديد أصلا.
وضع “ديمقراطية القيم” في المقدمة، سوف يدفع “العدد” و”العدد الآخر” ليكونا مظهرا من مظاهر العيش المشترك، ويخرجهما من مجال المنافسة والتهديد.
لنقل، إن الكيان الذي يدعى “إسرائيل”، والذي سيترجم اسمه إلى العربية كـ”فلسطين”، هو كل “فلسطين التاريخية”، من النهر إلى البحر، ومن أقصى نقطة في الجليل إلى خليج العقبة.
هذا الكيان سينظر إلى مواطنيه على أنهم متساوون في الحقوق والواجبات. ولكنه، من أجل حفظ المساواة على المستوى القومي، فإنه سيأخذ في الاعتبار أن مواطنيه يمثلون قوميتين رئيسيتين وبضعة أقليات صغيرة.
دستور هذا الكيان سيقر بأنه لا غلبة لقومية على أخرى. لا الفلسطينيون يحكمون الإسرائيليين بمفردهم، ولا الإسرائيليون يحكمون الفلسطينيين بمفردهم.
القاعدة الدستورية الذهبية التي يمكن البدء بها تقول: إن الحكومة يجب أن تكون تحالفا يضم ممثلين عن القوميتين الرئيسيتين. وسواء كان رئيس الوزراء إسرائيليا يهوديا، أو فلسطينيا مسلما، أو واحدا من ممثلي الأقليات، فإن حكومته ستكون حكومة يتناصف مقاعدها ممثلو القوميتين، وأن يكون للأقليات نسبة معقولة بينهم.
ناخبو القومية “أ” سينتخبون عددا متساويا من النواب إلى البرلمان لما يختاره ناخبو القومية “ب”. وسيُنتخب عددٌ معقول من النواب ليمثلوا الأقليات. وهذا سوف يعني أن الزيادة أو النقصان في عدد السكان بالنسبة إلى القوميتين سوف تصبح باطلة، أو غير ذات صلة.
أحزاب القومية “أ” تتنافس في بيئتها. كما تفعل أحزاب القومية “ب” في بيئتها أيضا. والفائز بالأغلبية في بيئته (حسب واحدة من الصيغ الانتخابية) سيكون هو المرشح الطبيعي المؤهل لتشكيل الحكومة. وعلى هذا “المرشح” أن يبحث عن قوة من بين ممثلي القومية الأخرى تعطيه الأغلبية الكافية داخل البرلمان لكي يحكم.
وفي كل انتخابات برلمانية، سيكون هناك “مرشحان طبيعيان” لقيادة تحالف حكومي. ومن يمكنه أن يكسب تأييدا أكبر بين ممثلي الطرف الآخر، هو الذي يقود الحكومة.
حزب “س” الإسرائيلي قد يتحالف على هذا الأساس مع حزب “ص” الفلسطيني، لتشكيل حكومة، إذا كان يستطيع أن يقود تحالفا، أو تحالفات، تعطيه تأييد أغلبية المقاعد في البرلمان.
كما يمكن أن يحصل العكس. إذ يقود حزب “ص” الفلسطيني تحالفا مع حزب “س” الإسرائيلي، لتشكيل حكومة وطنية مشتركة من ممثلي الطرفين.
والأولوية في المشاورات لتشكيل الحكومة تذهب بطبيعة الحال إلى الحزب الذي يكسب العدد النسبي الأكبر من المقاعد في البرلمان. فإذا فشل، تذهب المشاورات إلى الحزب الذي يستطيع أن يشكل تحالفا أكبر.
هناك الآن، شيء من هذا الواقع قائم بالفعل. فحكومة نفتالي بينيت تقوم على دعم طرف واحد على الأقل من “عرب إسرائيل”. وليس من عجائب المصادفات أنهم من يمين الإسلام السياسي أيضا، ما يجعلهم أخوة فعليين لحركة حماس في غزة.
المساواة على مستوى القوميتين تكفي لجعل الديمقراطية تعمل من دون خوف من جانب أيّ قومية تجاه الأخرى. وبينما تعمل الفوارق العددية عملها داخل القومية الواحدة، فإن هذه الفوارق يجب أن تكون غير ذات صلة بالنسبة إلى المساواة بين القوميتين.
هذه الصيغة تراعي الواقع الملموس، أكثر بكثير من الصيغة التي انتهت إليها الديمقراطية في جنوب أفريقيا، حيث كان للأغلبية العددية السوداء اليد العليا. والإسرائيليون يجب أن ينظروا إلى هذه الإمكانية على أنها حل واقعي، ليس لأن التوازن الديمغرافي هو الذي يفرضها، بل لأنها تبطل أهمية المتغيرات الديمغرافية المستقبلية وتخرجها من الصراع.
سوف تقتضي الحاجة أن تكون هناك حكومات محلية تحكم التجمعات السكانية القائمة حاليا. هذه “الحكومات” يجب أن تتلقى ميزانيات متساوية، على المستوى القومي، ولكنها تأخذ بالاعتبار حصة كل مواطن من الميزانية.
مؤسسات الحكم المحلية، والتي غالبا ما ستكون ذات غلبة قومية واحدة، سوف تحكم مكوّنها السكاني، كما تحكم الأرض التابعة مباشرة لهذا المكون (المنازل، المراكز الخدمية، المزارع الخاصة). أما بقية الأرض فتعود إلى الدولة لتقرر بشأنها المشاريع والأعمال التي تتلاءم مع الاحتياجات المشتركة للتنمية والتطوير.
وهذه المكونات السكانية يمكن أن تتوسع بنسب معقولة، عبر استقبال مهاجرين، أو من خلال النمو الطبيعي، من دون أن تتغير حصتها في التمثيل البرلماني.
التجمعات السكانية التي تضم قومية واحدة يمكنها أن تنتخب سلطتها المحلية من قومية واحدة. والتجمعات السكانية التي تضم أغلبية وأقلية تنتخب ممثليها على هذا الأساس.
أما التجمعات السكانية التي تتساوى فيها القوميتان إلى حد معقول فإنها تنتخب ممثلين على غرار ما يتم فعله بالنسبة إلى البرلمان والحكومة المركزية.
ويمكن القبول سلفا بأن التوازنات القائمة اليوم في البلدات والمدن لن تتغير. فما يشكل غلبة يهودية يجب أن يحافظ على غلبته. وما يشكل غلبة فلسطينية يجب أن يحافظ عليها أيضا.
الكيانان الفلسطيني والإسرائيلي غير قابلين للعيش ككيانين مستقلين، تحت ضغط الكثافة السكانية التي يريد كل طرف أن يجعل منها داعما لوجوده
يمكن أيضا الجمع بين نوعين من وسائل انتخاب السلطة التشريعية بحيث يجري انتخاب مجلس نواب وفقا لصيغة، بينما يتم انتخاب مجلس للشيوخ وفقا لصيغة أخرى. وساعتها فإن التشريعات والتشكيل الحكومي يجب أن يجتازا المجلسين معا.
التفاصيل والخيارات بالنسبة إلى هذه الوسائل كثيرة للغاية، ويمكن للإبداع الدستوري أن يتوصل إلى صياغات لانهائية لمعالجتها. إلا أن القاعدتين المتلازمتين اللتين يقوم عليهما هذا الحل هما:
أولا، الشراكة على المستوى القومي.
وثانيا، المساواة على مستوى الأفراد.
هذا الحل، سوف لن يُبطل التهديد الديمغرافي وحده، ولكنه يُبطل التنازع على الأرض أيضا. كما يُبطل كل الأسس الأيديولوجية للنزاع، من دون أن يكون الأمر سببا لإثارة مشاعر بالهزيمة.
إنه مجرى آخر للتاريخ غير المجرى الذي بقينا نسير عليه حتى الآن.
حل السلطة الفلسطينية، وتحول النضال الفلسطيني إلى حركة حقوق مدنية، سوف يفتح طريقا آخر لإنهاء الاحتلال ولبناء ديمقراطية حقيقية تجمع بين الشعبين على أسس المساواة والاعتراف المتبادل بالحق في العيش بأمن وسلام في وطن مشترك.
نظام سياسي جديد سوف يغني الإسرائيليين عن العيش تحت التهديد أو إملاء ممارسات عنصرية، كما أنه سوف يغني الفلسطينيين عن العيش تحت دكتاتوريات لا تعرف كيف تبني دولة.