عودة نجاة

في حوالي العاشرة من عمرها، ظهرت نجاة عطية في برنامج تلفزيوني وهي تؤدي أغنية "ليلي يا ليالي" التي سبق وأن غنتها المطربة وردة الجزائرية من ألحان الفنان الكبير بليغ حمدي، فأثارت حولها عاصفة من الإعجاب، وأصبحت حديث الناس والصحافة في ذلك الوقت، نظرا لما كانت تتميز به من جمال الصوت والحضور وخفة الروح والحركة. كان ذلك في جزيرة جربة الساحرة أواخر السبعينات من القرن الماضي.
في منتصف الثمانينات، كانت نجاة قد انتقلت مع أسرتها إلى العاصمة لتختصر المسافة نحو النجومية والانتشار، وهناك كان الحظ في انتظارها مع ألحان الفنان عبدالكريم صحابو، وخاصة من خلال أغاني "نادوا معايا الصبر" و"شمس النهار"، كما تعاملت مع أبرز صانعي الألحان في ذلك الوقت مثل سمير العقربي وعادل بندقة ومحمد الماجري، وشاركت في أكبر المهرجانات الفنية في البلاد، لتكون بذلك إحدى أهم نجوم المرحلة الذهبية للأغنية التونسية مع أمينة فاخت وذكرى محمد وصوفية صادق.
لكن يبدو أن هناك شيئا ما حصل في حياة نجاة عطية جعلها تبتعد عن الساحة الفنية، ربما هو الملل أو خيبة الأمل أو التعب من العمل أو صدمة النجاح غير المنتظر أو انكسار القلب.
أجمع أغلب الفنانين والنقاد وعشاق الأغنية التونسية على أن ابتعادها عن الغناء كان خسارة من الصعب، وربما من المستحيل تعويضها، وأن على كل الأطراف المسؤولة في البلاد أن تساعدها على تجاوز أيّ عراقيل قد تواجهها في طريق العودة إلى عالم الموسيقى والطرب. المهم أن تقرر العودة.
ومنذ أيام أعلنت نجاة عطية أنها قررت استئناف مسيرتها الفنية بداية من العام القادم 2024، وهذا الخبر يمكن أن يعيد الروح إلى المشهد الغنائي في البلاد بصفة عامة، وأن يعيد الرغبة في الإبداع إلى ملحنين ارتبطت تجاربهم بالتعامل معها مثل عبدالكريم صحابو ومحمد الماجري، وإلى شعراء سيجدون في صوتها أفضل أداة لنشر كلماتهم وقصائدهم على نطاق واسع، وكذلك إلى التظاهرات الفنية التي تحتاج إلى أصوات معبرة وحضور مقنع، خصوصا بعد هجرة صوفية وأمينة فاخت إلى باريس، وتراجع مستويات الأعمال الغنائية المحلية نتيجة ضعف إمكانيات الإنتاج وانهيار أغلب المؤسسات الموسيقية التي كانت قائمة في فترة الثمانينات، وسيطرة الألوان الوافدة على الذوق العام وخاصة لدى فئة الشباب.
يسعدني كثيرا تهنئة نجاة عطية بقرار عودتها إلى الساحة الغنائية، وأتمنى لو تسعى وزارة الثقافة إلى إعادة الاعتبار لكل الأصوات التي اضطرت للصمت، أو التي حوصرت في بلادها حتى قررت المغادرة نحو ديار الغربة، وأن تتعاقد من الآن مع صاحبة “شمس النهار” على حفل كبير في الدورة القادمة لمهرجان قرطاج الصيفي، لاسيما أن الجمهور التونسي متعطش لجديد أصوات المرحلة الذهبية للأغنية المحلية، وهو في حاجة إلى مساحات من البهجة والسعادة بخصوصية الكلمة والإيقاع والنغم والأداء التونسي الأصيل.