عودة ملف الذاكرة تختبر تطبيع العلاقات الجزائرية – الفرنسية

الجزائر تعين أعضاءها في لجنة المؤرخين المشتركة مع باريس.
الجمعة 2022/12/02
الذاكرة عقبة لبناء علاقات وثيقة

الجزائر – عين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خمسة مؤرخين ليكونوا ممثلي البلاد في اللجنة المشتركة مع فرنسا التي ستتولى معالجة ملف الذاكرة، ليعود بذلك الحديث عن لغم يأبى التفكك في مسار العلاقة بين البلدين، خاصة وأنه تزامن مع الجدل المتفجر منذ أسابيع بسبب الهوية الحقيقية للجماجم التي استلمتها الجزائر العام الماضي.

وأعلنت الرئاسة الجزائرية عن استقبال الرئيس تبون للأعضاء الذين وقع عليهم الاختيار ليكونوا ممثلي بلادهم في اللجنة المشتركة مع فرنسا لمعالجة ملف الذاكرة، وفق ما تم التوافق بشأنه بين الطرفين خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر خلال شهر أغسطس الماضي.

وهي اللجنة التي ستوكل إليها مهمة معالجة ملف الذاكرة والتاريخ المشترك بين البلدين في الحقبة الممتدة بين 1830 و1962، والتي ظلت محل خلاف وتجاذب بينهما، وكثيرا ما تسببت في سجالات عميقة عطلت الوصول إلى علاقات طبيعية بين الجزائر وفرنسا.

وذكر بيان للرئاسة الجزائرية بأن “الرئيس عبدالمجيد تبون استقبل خمسة من المؤرخين الجزائريين المعينين ضمن اللجنة المشتركة للمؤرّخين”، لكنه لم يوضح تفاصيل أخرى بشأن هوية المؤرخين المعينين ولا موعد مباشرة مهامهم.

كما لم يبرز البيان مضمون الحديث الذي جرى بين رئيس الدولة والشخصيات المعينة خاصة في ما يتعلق بالمقاربة التي تعتمدها الجزائر في معالجة الملف، ولا كيفية إدارة المسائل الخلافية بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بإمكانيات عزل الملف عن العلاقات الثنائية بين البلدين.

وكان الرئيس الجزائري قد عين في وقت سابق الباحث والمؤرخ عبدالمجيد شيخي لشغل منصب مستشار في الرئاسة مكلف بملف الذاكرة، غير أن نشاط الرجل ظل محدودا مقارنة بدور نظيره الفرنسي بنجامين ستورا الذي أعد مشروعا لمعالجة الملف قدمه للرئيس ماكرون.

وظل هامش مناورة الرجل منذ تعيينه محدودا، مما يوحي بأن الملف يبقى على قدر كبير من الأهمية بالنسبة إلى السلطات الجزائرية، ولذلك لم يجر التنازل عنه كلية للمستشار والمؤرخ شيخي الذي ظل يتعاطى بتحفظ شديد مع الملف، مقابل خطوات لافتة قطعها في الجانب الآخر بنجامين ستورا.

وكانت قضية الجماجم التي سلمتها فرنسا للجزائر في صائفة العام 2020 قد فجرت لغما دبلوماسيا بين البلدين في أعقاب حديث تقارير إعلامية صدرت خلال الأسابيع الماضية عن تحايل الفرنسيين على نظرائهم الجزائريين، لأن الجماجم الـ24 التي استلمتها الجزائر ونظمت لها مراسم ضخمة ليست كلها لقادة المقاومة الشعبية في القرن التاسع عشر، وإنما أغلبها لأشخاص محكوم عليهم في إطار القانون العام، ومنهم متعاونون مع الجيش الفرنسي.

واكتفت الجزائر إلى حد الآن بتصريحات محدودة حول القضية، حيث ورد على لسان وزير المجاهدين العيد ربيقة بأن “العملية خضعت لمعاينات وتدقيق من طرف لجنة علمية مختصة، وقد تم تحديد هوية هؤلاء وفق تحاليل وتشخيص علمي، ولا مجال للتشويش على الملف”.

لكن صحيفتي “نيو يورك تايمز” و”لبيراسيون” أكدتا على أن العملية لا تتعدى إلا ست جماجم فقط تعود إلى قادة المقاومة الشعبية، وأن المعطيات التي حصلتا عليها من متحف الإنسان بباريس تؤكد أن الأمر كان على شكل إعارة، لأن القوانين الفرنسية تعتبر محفوظات المتحف ممتلكات فرنسية.

الغموض يظل يخيم على الموقف الجزائري ومدى استعداده لتقديم تنازلات لطي صفحة الذاكرة الى الأبد

وأكدت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبدالملك في رد لها على سؤال طرح على الحكومة في الجمعية الفرنسية، بأن “التسليم وتحديد الهوية تمّا بالتوافق بين الطرفين بعد 18 شهرا من اشتغال لجنة مشتركة على الملف، على ألا يتعدى الاحتفاظ بها في الجزائر أكثر من خمس سنوات وفق القوانين الفرنسية”، لكن نوابا فرنسيين داعمين لماكرون رفعوا عريضة إلى الحكومة من أجل استحداث استثناء تشريعي يسمح لها بالتنازل عن تلك المحفوظات للجزائر.

وفيما يشدد الرئيس الفرنسي على مقاربة بلاده في التعاطي مع الملف التاريخي على أساس ترك المجال للباحثين والمؤرخين، دون تقديم أي مؤشر على أي خطوة تعترف أو تعتذر عن الحقبة الاستعمارية رغم إدانته للجرائم المرتكبة في حق الجزائريين، فإن الغموض يبقى يخيم على الموقف الجزائري وإمكانية تقديم تنازلات لطي صفحة الذاكرة إلى الأبد.

وتأمل القيادتان السياسيتان في الجزائر وباريس في تحييد قضية الذاكرة والتاريخ المشترك من أجل تحقيق تطبيع حقيقي في العلاقات الثنائية وبناء شراكة تخدم مصالح البلدين والشعبين، ولذلك يجري التعويل على عمل اللجنة لحسم الملف.

واتفق الرئيسان ماكرون وتبون في شهر أغسطس الماضي على “إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، تكون مسؤولة عن العمل على جميع أرشيفاتهم التي تشمل الفترة الاستعمارية وحرب الاستقلال”.

وتهدف اللجنة إلى “معالجة جميع القضايا، بما فيها المتعلقة بفتح واستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين، وكذلك التجارب النووية والمفقودين، مع احترام ذاكرتي الجانبين، وسيخضع عملها لتقييمات منتظمة على أساس نصف سنوي”.

وينتظر أن تتوج أشغال اللجنة بعد مهلة العام التي منحت لها بداية من انطلاق عملها بوثيقة مشتركة تقدم مقاربة نهائية لمعالجة ملف الذاكرة والتاريخ المشترك بين البلدين، لتعقبها قرارات نهائية للقيادتين السياسيتين في هذا الشأن، وهو ما سيسمح لهما بالتفرغ لملفات التعاون والعلاقات الثنائية والشراكة بعيدا عن مؤثرات التاريخ.

4