عودة مدرسية متعثرة تربك الطلاب وأسرهم في تونس

نقص المدرسين في الإعدادي والثانوي يؤثر على سير الدروس.
الخميس 2024/10/03
الأستاذ ركيزة عملية التعلم

يشكو الطلاب في تونس وكذلك أسرهم من نقص المدرسين، ما يؤثر سلبا على العملية التربوية. ورغم  مرور أكثر من نصف شهر على انطلاق الدروس إلا أن عددا من أساتذة الشعب العلمية والأدبية مازالوا لم يلتحقوا بعد بمراكز عملهم ما أربك الطلاب وأسرهم. وأرجع مسؤولون بوزارة التربية التونسية نقص المدرسين إلى شغورات نتجت عن تقاعد عدد منهم أو إلحاقهم بخطط وظيفية.

تونس ـ منذ بداية العودة المدرسية تعود ملاك صنديد، طالبة بالسنة الأولى من التعليم الثانوي في معهد المروج الثاني، إلى منزلها بعد حوالي ربع ساعة من مغادرتها له وذلك إما في ساعات الصبح الأولى أو بعد الزوال بسبب تغيب عدد من الأساتذة. وعندما تسألها والدتها عن سبب عودتها المتكررة ترد باختصار “أساتذة مواد الإنجليزية والعلوم الطبيعية والتربية التقنية كلهم متغيبون. لم ندرس ولو حرفا واحد إلى حد الآن في تلك المواد. هناك نقص في المدرسين”.

ولحسن الحظ أن الطالبة تقطن في منزل قريب من معهدها وهو ليس حال كل زميلاتها وزملائها، فهم مجبرون إما على البقاء أمام المعهد لأن قاعات المراجعة مغلقة ولا يتم فتحها، أو الرجوع إلى منازلهم البعيدة عن المعهد وهو ما يزيد من تعبهم.

بدوره يشتكي معتز بن إبراهيم، المرسم بالمعهد الثانوي في سيدي حسين، من غياب الأساتذة بعد أكثر من مرور نصف شهر على العودة المدرسية. وقال والده لـ”العرب” إن المعهد لم يوفر إلى الآن أساتذة في اختصاصات الفرنسية والتربية التقنية والرياضة لقسم السنة الأولى من التعليم الثانوي، كما لم توفر المدرسة الإعدادية التي يدرس بها ابنه الثاني أساتذة العربية والفرنسية والتربية التقنية، وهو أمر مربك حسب قوله.

وأضاف أن زوجته ترافق ابنيهما يوميا إلى المعهد والمدرسة الإعدادية وتضطر إلى انتظارهما أمام بابيهما لأنها غير متأكدة من حضور الأستاذ، وفي حال تغيب الأستاذ ترجعهما إلى البيت وتعيد إيصالهما إلى المؤسسة التربوية التي يدرسان بها في الساعة التي تلي ذلك، وهو ما يعتبر مجهودا إضافيا لوالدتهما.

المدارس تشتكي أيضا من غياب عدد من المعلمين ومن جداول أولية يقع تغييرها بعد أن يكون الطالب قد تعود عليها

كما اشتكت والدة يمنى الطرابلسي المرسمة بالسنة السابعة في إعدادية المروج الأول من غياب أساتذة الرياضيات والفيزياء والفرنسية، وهي مواد أساسية يجب التركيز عليها منذ بداية السنة الدراسية لا إهمالها وتحقيق شغورات فيها،على حد قولها.

وأضافت والدة يمنى أن على وزارة الإشراف أن تضبط حاجياتها من المدرسين قبل العودة المدرسية وتضبط لهم جداول تساعدهم على العمل في راحة، لأن المدرس إذا كان يعمل وفق جدول غير متوازن أو بزيادة ساعات عن زملائه يمكن أن لا يقدم الإضافة للطالب.

وتشتكي المدارس في تونس أيضا من غياب عدد من المعلمين ومن جداول أولية يقع تغييرها بعد أن يكون الطالب قد تعود عليها وعلى سير الدروس وفق ساعات معينة، ولا يؤثر ذلك على الطالب فحسب بل على أسرته أيضا.

واستقبلت المؤسسات التربوية بجميع مراحلها الابتدائية والإعدادية والثانوية يوم الاثنين 16 سبتمبر الفارط 2 مليون و354 ألفا و820 طالبا، بزيادة بنسبة 2 في المئة مقارنة بعدد الطلاب في الموسم الدراسي الفارط، ويتوزع هؤلاء الطلاب إلى 1 مليون و92 ألفا و220 تلميذا مسجلا بالمرحلة الابتدائية باحتساب السنة التحضيرية و1 مليون و262 ألفا و600 تلميذ بالمرحلة الإعدادية (عام وتقني) والتعليم الثانوي.

كما تسجل العودة المدرسية الحالية زيادة بـ814 فصلا بنسبة 0.9 في المئة، ليبلغ العدد الجملي للفصول 90 ألفا و635 فصلا تتوزع إلى 37 ألفا و892 فصلا بالمرحلة الابتدائية باحتساب السنة التحضيرية و52 ألفا و743 فصلا بالمرحلة الإعدادية والتعليم الثانوي.

وأظهرت معطيات وزارة التربية زيادة طفيفة بنسبة 0.4 في المئة في عدد المدرسين، قارين ومتعاقدين، خلال السنة الدراسية الحالية، أي بزيادة 636 مدرسا جديدا، ليبلغ العدد الإجمالي للمدرسين 154 ألفا و779 مدرسا.

وزارة التربية قدرت الحاجيات الإضافية من المدرسين الواجبة تلبيتها مع منطلق السنة الدراسية الجديدة 2024 – 2025 بحوالي 10 آلاف و700 مدرس

وتعزز عدد المؤسسات التربوية في الموسم الدراسي الجديد بزيادة 37 مؤسسة مقارنة بالسنة الدراسية الفارطة، ليبلغ عددها الجملي 6163 مؤسسة.

ورغم الزيادة في عدد المؤسسات التربوية وفي عدد المدرسين إلا أن النقص مازال موجودا، ما يؤثر على سير الدروس.

وفي الوقت الذي تسعى فيه العائلات التونسية إلى تأمين مستلزمات أبنائها المدرسية رغم ارتفاع التكاليف مقارنة بالعام الماضي، تستقبل المدارس العام الدراسي بمشاكل عدة، لن تجعل الأمر سهلاً على الطلاب وعائلاتهم. وفي حين تشكو مدارس ومعاهد بسبب النقص في الكادر التربوي، تشكو أخرى من نقص في التهيئة والترميم والتجهيزات الضرورية لإنجاح العام الدراسي.

وتشهد المؤسسات التربوية التونسية إشكال نقص الأطر التربوية كل عام. وفي عام 2017 افتقرت الكثير من المؤسسات التربوية في محافظة القيروان (وسط) إلى الأطر التربوية، الأمر الذي دفع الأولياء إلى الاحتجاج ووصل الأمر إلى حد إغلاق الطريق صبيحة يوم الثلاثاء 26 سبتمبر 2017 من طرف أهالي منطقة أولاد العيساوي، وهو ما تسبب حسب قول الأولياء في حرمان أبنائهم من حقهم في الدراسة.

وأكد رافع السهيلي الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي ببوحجلة من ولاية (محافظة) القيروان في تصريح لوسائل الإعلام آنذاك أن قطاع التعليم الأساسي بالجهة يشكو نقصا فادحا في الأطر التربوية، مضيفا أن عدد الشغورات في كامل تراب الجمهورية بلغ 5150 ألف معلم وتحتل ولاية القيروان المرتبة الأولى في عدد هذه الشغورات بـ1256 شغورا.

وقدرت وزارة التربية الحاجيات الإضافية من المدرسين الواجبة تلبيتها مع منطلق السنة الدراسية الجديدة 2024 – 2025 بحوالي 10 آلاف و700 مدرس موزعين على مختلف المراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، وستتم تغطيتها من ضمن خريجي علوم التربية وتسوية وضعية المعوضين بالانتداب فضلا عن بعض النيابات المستمرة.

وأفاد مدير عام الموارد البشرية بوزارة التربية محمد قزوني، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بأن الحاجة إلى المدرسين تقدّر بنحو 3406 مدرسين بالنسبة إلى المرحلة الابتدائية، فيما تحتاج المرحلتان الإعدادية والثانوية إلى 7292 مدرسا لسدّ الشغورات.

المعوضون أساسيون في سد الشغورات
المعوضون أساسيون في سد الشغورات

وأوضح أن شغورات التعليم الابتدائي تم سدّها في اليومين الأولين من العودة بمعدّل 2598 مدرسا من خريجي علوم التربية، فيما سيتم سد الشغورات الباقية من خلال تسوية وضعية أساتذة التعليم الابتدائي المعوضين والمدرجين ضمن قاعدة البيانات الخاصة بهم، بمقتضى قرار التسوية الشاملة لوضعيتهم على دفعات والتي ستصدر النصوص الترتيبية الخاصة بها قريبا، لافتا إلى أن أعداد خريجي علوم التربية قادرة على سد شغور المرحلة الابتدائية بنسبة 95 في المئة.

أما بالنسبة إلى التعليم الثانوي فبيّن قزوني أن عملية سد الشغورات تتم بشكل أساسي عبر تسوية وضعية المعوضين المسجلين في قاعدة البيانات، بالانتداب بمقتضى قرار التسوية الشاملة الذي ستصدر فيه أيضا النصوص الترتيبية الخاصة به قريبا والتي سيكون لها الأثر الإيجابي على السنة الدراسية ومخرجاتها، بالإضافة إلى التعويل في جزء بسيط منها على التعويضات المتواصلة من ضمن المعوضين المسجلين في قاعدة البيانات في ظل استحالة الاستعانة بخريجي علوم التربية في هذه المرحلة.

ولفت مدير الموارد البشرية إلى أن الشغورات السنوية بوزارة التربية في المؤسسات التربوية تتراوح بين 5 و7 آلاف شغور في صفوف المدرسين في مختلف المراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهي “أعداد متحركة” حسب توصيفه لارتباطها بأسباب الشغورات الحاصلة، مشددا على أن الحلّ يكمن في التعويل على قاعدة البيانات والعمل على تسوية وضعية الأساتذة المعوضين بالانتداب بناء على القرار المذكور آنفا.

وأرجع المتحدّث هذه الشغورات إلى أعداد المحالين على التقاعد والإلحاق بخطط وظيفية والتعاون الدولي، لافتا إلى أن نحو 3600 مدرس سيحالون على التقاعد بداية من 15 سبتمبر حتى نهاية ديسمبر 2024، وقد أخذت وزارة التربية بعين الاعتبار هذه الأعداد المغادرة في تحديد حاجياتها من الإطار التربوي.

وأفاد بأن وزارة التربية ستعول في مجال سد الشغورات في الأسلاك الأخرى، من عملة وأعوان وإداريين، على تسوية ملف 1600 عون حضيرة في إطار الدفعة الثالثة لتسوية ملف عمال الحضائر ضمن اللجنة المكلفة برئاسة الحكومة، بما سيقلص من النقص الحاصل في هذه الأسلاك التي تعد حاليا نحو 20 ألف عامل في مختلف المستويات وهو ما لا يلبي، حسب قوله، حاجيات المؤسسات التربوية.

15