عودة لافتة للمحطات النووية

إنتاج القطاع جزء أساسي لتحقيق الحياد الكربوني في إمدادات الكهرباء.
الجمعة 2022/09/02
حل من الحلول إلى أن يأتي ما يخالف ذلك

فرضت أزمة الطاقة العالمية والغلاء غير المسبوق في الأسعار على الدول اللجوء إلى إعادة استخدام محطاتها النووية كبديل لضمان توفير الكهرباء من المصادر النظيفة، رغم أن النقاشات حولها وحول دورها في تحقيق الحياد الكربوني لا تزال تأخذ حيزا كبيرا.

واشنطن - شرعت الحكومات الغربية وأيضا اليابان في مراجعة مواقفها القديمة بشأن دور توليد الطاقة النووية في مواجهة أزمة طاقة غير مسبوقة، مما يمهد الطريق لما يمكن أن يكون أكبر “عودة” لمصدر الطاقة هذا في الآونة الأخيرة.

وتزايد دعم الطاقة النووية في الأشهر الأخيرة التي أصبح يرى فيها صناع السياسة بديلا للغاز الأرفع تكلفة ومصدرا للكهرباء عديم الانبعاثات من شأنه أن يساعد في الحفاظ على الطموحات والأهداف المناخية.

وحتى أن اليابان وألمانيا اللتين تعهدتا بتخفيض الطاقة النووية أو التخلص التدريجي منها كمصدر للكهرباء في أعقاب كارثة فوكوشيما سنة 2011، أصبحتا تفكران الآن في تمديد استخدام الطاقة النووية لفترة أطول.

ويمدد قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة الذي تقرر اعتماده مؤخرا الإعفاءات الضريبية والتمويل لمحطات الطاقة النووية، بينما تتطلع ولاية كاليفورنيا إلى إبقاء آخر محطة طاقة نووية عاملة مفتوحة بعد الموعد النهائي المحدد لإغلاقها في 2025.

وليس تشغيل المحطات النووية القديمة بعد “تاريخ انتهاء صلاحيتها الأصلي” سهلا بسبب مخاوف السلامة المرتبطة بإطالة اعتماد المرافق.

لكن الخبيرة في شؤون الطاقة تسفتانا باراسكوفا التي تكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية ترى أن استعداد الحكومات لتقديم تنازلات يزداد فيما يتعلق الأمر بحل مشكلة نقص الطاقة في مواجهة التحديات الجديدة والبدائل غير الجذابة.

وقالت إن “وجهات النظر وسط نقص الطاقة العالمي وأسعار الغاز المرتفعة تتغير، خاصة في أوروبا وآسيا اللتين تتدافعان للحصول على الإمدادات غير الروسية بعد حرب أوكرانيا واستعمال الرئيس فلاديمير بوتين شحنات أنابيب الغاز سلاحا في وجه أوروبا”.

عودة منتظرة

مشهد يفرض التغيير
مشهد يفرض التغيير 

قالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها في يونيو الماضي إن “المشهد السياسي يتغير، مما يفتح الباب أمام عودة الطاقة النووية”.

ويرى خبراء الوكالة أن الطاقة النووية في وضع جيد للمساعدة في إزالة الكربون من إمدادات الكهرباء. وأكدوا أن تحقيق صافي الصفر دون الطاقة النووية بحلول سنة 2050 سيكون أكثر صعوبة.

25 في المئة نسبة إنتاج الكهرباء المستهدفة بحلول العام 2050 من خلال مئة مفاعل نووي

كما أن “تمديد عمر المحطات النووية هو جزء لا غنى عنه من مسار فعال من حيث التكلفة إلى صافي الصفر بحلول 2050”.

وبحسب الوكالة فإن مثل هذه التمديدات تحتاج إلى استثمارات كبيرة ولكنها تنتج تكلفة كهرباء تنافس طاقة الرياح والطاقة الشمسية في معظم المناطق.

ولاحظت أن ثمة تزايدا في زخم مفاعلات معيارية صغيرة ذات تكاليف ومخاطر أقل مقارنة بمحطات الطاقة النووية التقليدية.

ومع ذلك فإن الطاقة النووية ستحتاج إلى سياسة قوية ودعم حافز من الحكومات لضمان التشغيل الآمن والمستدام وتعبئة الاستثمارات اللازمة بما في ذلك التقنيات الجديدة.

التفكير بجدية

الطاقة النووية لضمان المزيد من الكهرباء
الطاقة النووية لضمان المزيد من الكهرباء

أشار بعض حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك اليابان وألمانيا، إلى أنهم قد يعيدون النظر في دور الطاقة النووية لضمان المزيد من الكهرباء.

وتعتقد باراسكوفا أنه ربما يكون ذلك تعويضا لانخفاض إمدادات الغاز وسط التخفيضات الروسية في حالة ألمانيا، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال في حالة اليابان.

تسفتانا باراسكوفا: الاستعداد لتقديم تنازلات يزداد لحل مشكلة نقص الطاقة
تسفتانا باراسكوفا: الاستعداد لتقديم تنازلات يزداد لحل مشكلة نقص الطاقة

وتناقش ألمانيا، الاقتصاد الأكبر في الاتحاد الأوروبي ورابع أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، ما إذا كانت ستنهي توليد الطاقة النووية في نهاية 2022 كما هو مخطط له في ظل أزمة الغاز.

ويوجد في البلاد ثلاث محطات طاقة نووية متبقية، ومن المقرر إغلاقها بحلول نهاية هذا العام بموجب خطة اعتمدتها البلاد لوقف استخدام الطاقة النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما.

وأشار المستشار أولاف شولتز في مطلع أغسطس الماضي إلى أنه “قد يكون من المنطقي” الإبقاء على محطات الطاقة النووية قيد التشغيل.

ومع ذلك، قد تكون مثل هذه الخطوة صعبة، وفق باراسكوفا، لأن العديد من الأحزاب، بما في ذلك حزب الخضر، التي تشكل جزءا من الحكومة الائتلافية، تعارض تمديد توليد الطاقة النووية إلى ما بعد 2022.

وفي تحول كبير الأسبوع الماضي، كشفت اليابان أنها تريد إعادة تشغيل المزيد من المحطات النووية التي كانت متوقفة عن العمل بعد حادث فوكوشيما.

كما أن الحكومة هناك أبدت اهتماما بتطوير تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة، وسط أزمة طاقة أدت إلى دعوات المستهلكين إلى الحفاظ على الطاقة هذا الصيف.

خفض التضخم النووي

لا بد من التصدي لتغير المناخ
لا بد من التصدي لتغير المناخ

يقر قانون خفض التضخم في الولايات المتحدة، التشريع الرئيسي لإدارة الرئيس جو بايدن للتصدي لتغير المناخ، بالدور الرئيسي الذي ستلعبه الطاقة النووية في تحقيق صافي انبعاثات صفرية.

ويسمح القانون بإعفاءات ضريبية جديدة للإنتاج للمحطات النووية القائمة، بالإضافة إلى “ائتمانات محايدة تكنولوجيا” للطاقة النظيفة، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين النظيف باستخدام الكهرباء المولدة بالطاقة النووية.

واستحوذت الطاقة النووية في العام الماضي على 19 في المئة من توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، وكانت أكبر مصدر منفرد لإمدادات الطاقة عديمة الانبعاثات، قبل توليد طاقة الرياح بنسبة 9.2 في المئة، وفقا لبيانات وكالة الطاقة الدولية.

ستيفن سي غرين: دعم القطاع سيحقق الأهداف المناخية للولايات المتحدة
ستيفن سي غرين: دعم القطاع سيحقق الأهداف المناخية للولايات المتحدة

وكتب ستيفن سي غرين، زميل أول غير مقيم في مركز الطاقة العالمي بالمجلس الأطلسي، مؤخرا أن دعم المولدات الحالية ومشاريع الطاقة النووية المتقدمة وتطوير الوقود النووي المتقدم سيمكنان الطاقة النووية من المساهمة بشكل كبير في أهداف واشنطن المناخية.

وقال “ستنشئ بذلك، قدرات يمكن تصديرها لتعزيز جهود المناخ في جميع أنحاء العالم”.

وكان حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم قد اقترح تمديد عمر محطة الطاقة النووية الوحيدة العاملة في الولاية، ديابلو كانيون، حتى 2035 بعد عشر سنوات من تاريخ الإغلاق المخطط له في 2025.

وبحسب مسودة الاقتراح توفر محطة الطاقة حاليا حوالي 17 في المائة من الكهرباء الخالي من الكربون في كاليفورنيا و8.6 في المائة من إجمالي إمدادات الكهرباء في الولاية.

وقد تكافح كاليفورنيا للحفاظ على الأضواء دون الطاقة النووية خلال موجات الحر الصيفية بعد 2025.

المناخ وعمر المحطات

إطالة عمر محطات الطاقة النووية القديمة ضروري
إطالة عمر محطات الطاقة النووية القديمة ضروري 

مع تزايد تواتر موجات الحر وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة، يمكن أن تتحدى فترات الحرارة الشديدة والجفاف إطالة عمر محطات الطاقة النووية القديمة.

وتعدّ فرنسا مثالا على ذلك، حيث يمثل توليد الطاقة النووية حوالي 70 في المئة من مزيج الكهرباء في سابع أكبر اقتصاد في العالم.

وحذرت وكالة الطاقة الدولية في وقت مبكر من هذا الصيف من أن توليد الطاقة النووية في فرنسا سوف ينخفض مع ارتفاع درجات حرارة مياه نهري رون وغارون إلى درجة لا يمكن لها تبريد المفاعلات.

◙ مع تزايد تواتر موجات الحر مكن أن تتحدى فترات الحرارة الشديدة والجفاف إطالة عمر محطات الطاقة النووية القديمة

وألغت اللجنة التنظيمية النووية الأميركية في فلوريدا خلال فبراير من هذا العام ترخيصا لسنة 2019 لشركة فلوريدا للطاقة والضوء لتمديد عمر مفاعلين يبلغان من العمر 50 عاما لمدة 30 عاما أخرى.

وطالبت اللجنة بمراجعة بيئية جديدة، بما في ذلك المخاطر المحتملة التي يمكن أن يشكلها تغير المناخ.

وتظهر الإحصائيات الدولية أن ثلاثين بلدا تنتج قرابة 11 في المئة من الكهرباء عالميا من مصادر الطاقة الذرية عبر تشغيل 44 مفاعلا نوويا وبقدرات تصل إلى حوالي 400 ألف ميغاواط، فضلا عن وجود 54 مفاعلا آخر قيد الإنشاء.

وتستهدف الخطط الراهنة للدول التي تستخدم الطاقة النووية للأغراض السلمية أن تساهم هذه المحطات في ربع الإنتاج العالمي من الكهرباء بحلول 2050.

11