عودة طالبان إلى الحكم تهدد مكاسب النساء الأفغانيات

ساد تفاؤل حذر بتوقيع حركة طالبان المتطرفة اتفاق سلام مع الولايات المتحدة كافة أرجاء أفغانستان حيث تتوجس الأفغانيات من أن يكرر المتمردون ممارساتهم السابقة التي حرمت النساء في كافة أرجاء البلاد من ممارسة حقوقهن بكل حرية بعد تطبيق صارم لأحكام الشريعة الإسلامية.
كابول- في وقت تستعد فيه القوات الأميركية لمغادرة أفغانستان في خطوة قد تمهّد لعودة محتملة لحركة طالبان إلى السلطة، تشعر النساء في أنحاء البلد الآسيوي بالقلق من دفع حريات حصلن عليها بصعوبة بالغة ثمنا للسلام.
وتولّت الحركة المتشددة السلطة لحوالي خمس سنوات تقريبا حتى اجتاحت الولايات المتحدة البلاد عام 2001 بعد هجمات 11 سبتمبر الشهيرة والتي دبرها وساهم في تنفيذها زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة آنذاك أسامة بن لادن والذي استقر في أفغانستان التي رفضت تسليمه للولايات المتحدة ما دفعها لغزو كابول.
ووقعت الولايات المتحدة، السبت، اتفاقا تاريخيا مع الحركة المتطرفة يهدف لسحب القوات الأميركية ويمهد لبدء مباحثات السلام الأفغانية بين حكومة الرئيس أشرف غني والمتمردين.
وحكم المتمردون أفغانستان بقبضة من حديد حوّلت النساء إلى سجينات بموجب تفسير صارم للشريعة الإسلامية.
ومع سقوط حكم طالبان، شهدت حياة النساء نقلة نوعية خصوصا في المناطق الحضرية مثل كابول أكثر منها في المناطق الريفية المحافظة.
ورغم حماسة الأفغانيات اللاتي تخيّم عليهن الريبة من المتمردين لحلول السلام، إلا أنهن يشعرن بالخشية من دفع ثمن باهظ لذلك. وحُرمت النساء في فترة حكم طالبان من التعليم أو العمل، وهي حقوق تحرص الأفغانيات على حمايتها بشدة اليوم.
وفي مدينة هرات (غرب)، قالت البائعة سيتارا أكريمي البالغة 32 عاما “سأكون سعيدة جدا إذا حل السلام وتوقفت طالبان عن قتل شعبنا” مضيفة “لكن عودة حركة طالبان إلى السلطة بعقليتها القديمة، أمر يقلقني”.
وتابعت الوالدة المطلقة لثلاثة أطفال “إذا طلبوا مني البقاء في المنزل والتوقف عن العمل فلن أتمكن من إعالة أسرتي هناك الآلاف من النساء مثلي في أفغانستان، وجميعنا نشعر بالقلق”.
وتتشارك المخاوف نفسها الطبيبة البيطرية المقيمة في كابول، طاهرة رضائي، التي تعتقد أن “وصول طالبان سيؤثر على حق المرأة في العمل والحرية والاستقلال”. وقالت الشابة البالغة من العمر 30 عاما “لم تتغير عقليتهم”.
وأشارت رضائي المتحمسة لمسيرتها المهنية إلى أنها متشائمة بشأن آفاقها في حال عودة المتمردين إلى الحكومة، حتى ولو لم يملكوا سلطة مطلقة. وأضافت “بالنظر إلى تاريخهم، لا أشعر بتفاؤل كبير أعتقد أن الوضع سيكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى النساء العاملات مثلي”.
وفي الفترة التي سبقت الاتفاق الأميركي، قدّم المتمردون تعهّدا غامضا باحترام حقوق المرأة بما يتماشى مع “القيم الإسلامية”، ما أثار تحذيرات من الناشطين من أن التعهد كان مجرد كلام ومفتوح لتفسيرات أوسع واحتمالات يصعب التكهن بها.
وتسيطر الحركة المتطرفة على مساحات شاسعة من أفغانستان. وبينما باتت تسمح للفتيات بالالتحاق بالمدارس الابتدائية في بعض المناطق، إلا أنه لا تزال هناك تقارير دورية عن جلد نساء ورجمهن بالحجارة، ما يغذي المخاوف من عودة الوضع إلى ما كان عليه إذا عادت الحركة إلى السلطة.
ويكافح الكثير من المواطنين الأفغان لموازنة رغبتهم في السلام مع رعبهم من المتمردين. وقالت المسؤولة الحكومية توربكاي شينواري، الأحد، في مقاطعة نانغرهار التي شهدت معارك شرسة بين طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان “كل عائلة هنا تشعر بالحزن لأنها فقدت أبناءها وأزواجها وإخوتها في الحرب”.
ولفتت المرأة البالغة من العمر 46 عاما أنها كانت تصلي من أجل السلام، لكنها تشعر بقلق متزايد من أنه “سينظر إلى النساء على أنهن جنس من الدرجة الثانية وسيتعرضن للقمع” إذا عاد المتشددون إلى السلطة.
رغم حماسة الأفغانيات اللاتي تخيّم عليهن الريبة من المتمردين لحلول السلام، إلا أنهن يشعرن بالخشية من دفع ثمن باهظ لذلك
ولكن في قندهار، حيث تأسست حركة طالبان، تشعر التلميذة باروانا الحسيني بتفاؤل نادر. وقالت الحسيني البالغة 17 عاما “أنا لا أشعر بالقلق. من هم طالبان؟ إنهم إخوتنا. كلنا أفغان ونريد السلام”. وأضافت “لقد تغير الجيل الشاب، ولن يسمح لطالبان بفرض أيديولوجيتها القديمة علينا”.
ولا شك لدى الأشخاص الذين تحملوا وطأة حكم المتمردين في أن عودة طالبان لن تجلب غير تكرار “للذكريات المظلمة والمؤلمة”. وتستذكر عاملة في أحد المصانع تدعى عزرا وتنتمي إلى أقلية الهزارة الشيعية، كيف كانت أمّا شابة وحيدة في المنزل مع أطفالها عندما وصلت حركة طالبان السنية إلى قريتها.
وتروي المرأة البالغة 40 عاما والتي كانت خائفة من الإفصاح عن اسمها “ما زلت أتذكر ذلك اليوم بوضوح، لقد ذبحوا جميع الرجال، ثم وصلوا إلى منزلي”. وتضيف من منزلها في مقاطعة باميان في وسط البلاد أن المسلحين هددوا بقطع رأس ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات.
ولكن في نهاية المطاف، نجت العائلة وهربت إلى باكستان لكن زوجها أصبح يعاني من إعاقة جسدية ومن الصدمة جراء الضرب الوحشي الذي تعرض له وقت الحادثة.
وتتابع “حتى يومنا هذا عندما يتذكر كلمة طالبان يبدأ في البكاء”. واختتمت بالقول “الكل يريد السلام، لكن ليس إذا كان مرهونا بعودة طالبان. لا أريد هذا السلام المزعوم”.