عودة صحف عربية إلى الأكشاك في سوريا تختبر تقبل السلطات للتنوع

دمشق - تستعد بعض الصحف العربية وبشكل خاص اللبنانية للعودة إلى التوزيع في سوريا، بعد توقيع مذكرة تعاون بين الشركة العامة للطباعة اللبنانية ومؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع، في خطوة للانفتاح الصحفي تضع السلطات السورية رهن الاختبار في قدرتها على تحمل النقد والآراء المعارضة.
ووقّعت مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع في 12 مايو الجاري مذكرة تفاهم مع الشركة العامة للطباعة اللبنانية، بهدف تعزيز التعاون بين الجانبين. وتشمل الاتفاقية استيراد الصحف والمجلات اللبنانية والعربية، مثل “العربي الجديد”، إلى السوق السورية، وتوزيع صحيفة “الثورة” في لبنان، مع تحقيق عائد مادي وتوسيع نطاق الانتشار.
وجاء ذلك خلال زيارة وفد لبناني بقيادة زياد تويني، اطلع خلالها على مطابع المؤسسة وأعمال الصيانة الجارية. وأكد خالد الخلف، مدير عام مؤسسة الوحدة، أهمية المذكرة في إعادة الصحافة الورقية إلى سوريا بعد انقطاع طويل، والاستفادة من خبرات الشركة اللبنانية في الطباعة.
وتأتي هذه الخطوة ضمن مساعي الإدارة السورية الجديدة لتنشيط قطاع الإعلام الذي تأثر بشدة نتيجة الحرب والعزلة، وضمن سياسة إعادة تدوير أدواته الإعلامية بما يتماشى مع التحولات الاقتصادية الجديدة. وتشمل هذه التحولات السماح بعودة محدودة للمطبوعات غير الحكومية ذات الطابع التجاري والثقافي.
ويرى متابعون أن هذه العودة مهمة لمعرفة كيفية تعامل السلطات الجديدة مع المنابر الإعلامية المختلفة ومتعددة التوجهات والآراء، ومدى تقبلها للنقد والمعارضة والحريات التي ستسمح بها، وما هو المدى الذي يمكن أن تذهب إليه في حال قررت خفض سقف الحريات الحالي.
وأحدثت مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع عام 1963، وهي مؤسسة ذات طابع اقتصادي مرتبطة بوزارة الإعلام، من مهامها إصدار الصحف والمجلات والمطبوعات الدورية وغير الدورية، وإجراء البحوث والدراسات الإستراتيجية.
ويصدر عن المؤسسة عدد من الصحف المركزية مثل “تشرين” و”الثورة” و”الموقف الرياضي”، والصحف المحلية وتشمل “الجماهير” و”العروبة” و”الوحدة” و”الفرات”، إضافة إلى مواقع إلكترونية تشمل موقع مؤسسة الوحدة وموقع “سيرياتايمز” و”الثورة أونلاين” و”تشرين أونلاين” و”الوحدة أونلاين”.
◙ رغم أن الخبر السوري يحتل مساحة واسعة في وسائل الإعلام العربية والدولية، إلا أن الإعلام المحلي لا يزال متواضعا كما ونوعا
وكان النظام السوري السابق قد أوقف خلال السنوات الأولى من النزاع تراخيص وتوزيع عدد كبير من الصحف اللبنانية والعربية، واضطر السوريون آنذاك إلى قراءة هذه الصحف إلكترونياً أو الحصول عليها عبر شبكات تهريب غير رسمية، استهدفت زبائن محددين، من بينهم شخصيات من الوسط الثقافي أو المعارضة السياسية ومسؤولون من داخل النظام نفسه.
وتوقف إصدار الصحف الورقية في سوريا منذ عام 2020، ومع تفشي فايروس كورونا توصلت وزارة الإعلام في اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف إلى قرار تعليق الطباعة الورقية للصحف اليومية الرسمية والخاصة وكذلك الصحف الحزبية وجرائد المنظمات والنقابات. وعقب سقوط النظام في 8 ديسمبر 2024 كانت جريدة “عنب بلدي” أول صحيفة تصدر مطبوعة من دمشق. وبعد مرور أكثر من عقد على التوقف عن الطباعة والتوزيع في دمشق وأريافها، عادت الجريدة في بداية مارس الماضي مجددًا كنسخة ورقية إلى شوارع دمشق.
ورغم أن الخبر السوري يحتل مساحة واسعة في وسائل الإعلام العربية والدولية، إلا أن الإعلام المحلي لا يزال متواضعا كما ونوعا؛ حيث يفتقد إلى التنوع، إذ اكتفت هيئة الإذاعة والتلفزيون بإعادة قناة “الإخبارية السورية” التي كانت واحدة من ضمن باقة من القنوات المتخصصة، ما يعني وجود ثغرة إعلامية كبيرة في البلاد، في حين أن المواطن السوري في أمس الحاجة إلى معلومة ذات مصداقية.
وانطلقت “الإخبارية السورية” رسميًا في 5 مايو الحالي، عند الساعة الخامسة مساء، كأول وسيلة إعلامية حكومية تبث بشكل رسمي منذ سقوط نظام بشار الأسد. وقال مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون علاء برسيلو إن قناة “الإخبارية السورية” هي أول قناة رسمية سورية، وأول قناة فضائية تبث محتواها من داخل سوريا بعد التحرير.
وأضاف برسيلو لموقع “الإخبارية” أن “أول ما حرصنا عليه هو تحسين صورة البث، كما تعلمون، فإن معدات التلفزيون السوري متهالكة وقديمة للغاية، لذلك عملنا على أن نخرج بمحتوى بصري مميز يتسق مع رؤيتنا لإعلام حداثي.” وأشار إلى أن قسم الإعلام الرقمي كانت له حصة كبيرة من الاهتمام في إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، لمواكبة التطور في الإعلام الرقمي، سواء من ناحية المحتوى أو من ناحية الجودة.
وأكد برسيلو أنه مع إطلاق “الإخبارية” ستبدأ إدارة الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون العمل على إطلاق قنوات وإذاعات سورية أخرى، تؤدي وظائف مهمة وضرورية للأسرة السورية. وفي 29 مارس الماضي بدأ أول بث رسمي لـ”الإخبارية السورية” على منصات التواصل الاجتماعي واستمر ما يقارب الخمس ساعات متواصلة، وذلك لتغطية تشكيل الحكومة السورية الجديدة.
وسبق أن قال مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام السورية، علي الرفاعي، إن تأخر انطلاق القنوات التلفزيونية الرسمية في سوريا بعد تحرير سوريا من النظام السابق يعود إلى تحديات تقنية وسياسية كبيرة. وشملت التحديات، وفق الرفاعي، العقوبات المفروضة على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والتي تمنع البث عبر الأقمار الصناعية مثل “نايل سات”، مؤكدًا أن الوزارة تحاول باستمرار تجاوز العقبات. وتعود المشكلة الأخرى، بحسب الرفاعي، إلى تهالك المعدات، والتجهيزات القديمة وغير الصالحة للإعلام الحديث، إضافة إلى نظام التشغيل البدائي.