عودة ترامب تضيف لمسة أخرى إلى معضلة الشركات الغربية في روسيا

المستثمرون في مفترق شروط الخروج المُكلفة وخطر الاستيلاء على الأصول.
الثلاثاء 2025/01/21
ألو.. يقولون ادفع ثم غادر!

مع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تواجه المئات من الشركات الغربية التي لا تزال تعمل في السوق الروسية معضلة صعبة تتمحور حول التمسك بالبقاء أو الانسحاب في ظل الغموض الذي يلف الملف، وخاصة المتعلق بالقواعد التي تفرضها موسكو على المستثمرين.

موسكو/واشنطن- يلوح أمام المستثمرين الغربيين الذين ينشطون في روسيا أفق ضبابي، حيث يجدون أنفسهم في مفترق طرق مع تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا، بينما تجعل شروط خروج موسكو الأكثر صرامة من المغادرة أكثر كلفة.

وغادرت العديد من الشركات، بما في ذلك رينو وماكدونالدز وهينيكن، روسيا منذ بدء الحرب الروسية – الأوكرانية في شهر فبراير 2022، وعادة ما تتحمل خسائر كبيرة وتبيع أصولها بخصومات كبيرة يطلبها الكرملين.

في المقابل، بقيت شركات أخرى. وقد حافظت شركات تصنيع المواد الغذائية ومنتجات النظافة، مثل بيبسيكو، وبروكتر آند جامبل، ومونديليز، على وجودها مستشهدة بأسباب إنسانية.

ولا يزال المقرضون الأوروبيون، مثل رايفايزن بنك إنترناشيونال، ويوني كريديت، عالقين في فخ الأرباح في روسيا، والحاجة إلى موافقة موسكو على الخروج.

وشددت روسيا شروط المغادرة في أكتوبر الماضي، لتشجيع الشركات على البقاء، وطالبت بخصومات لا تقل عن 60 في المئة على معاملات الخروج و”مساهمة طوعية” بنسبة 35 في المئة في الميزانية من سعر الصفقة، وصفتها واشنطن بأنها “ضريبة خروج.”

وتحدثت وكالة رويترز إلى 15 محاميا ومصرفيا ومستشارا ورجل أعمال، طلب البعض منهم عدم الكشف عن هويتهم للتحدث بحرية، وكانوا قد شاركوا في عشرات عمليات خروج الشركات الغربية من روسيا من أجل هذه القصة.

إيان ماسي: من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحققه ترامب في الملف
إيان ماسي: من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحققه ترامب في الملف

وأكدوا أن الشركات التي لا تزال موجودة في روسيا ستراقب بعناية ما يمكن أن يقدمه ترامب، بعدما أدى اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة الاثنين، وتعديل خططها وفقا لذلك.

وقال إيان ماسي رئيس قسم الاستخبارات المؤسسية في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا بشركة استشارات المخاطر أس.آر.أم إن “فوز ترامب في الانتخابات يضيف طبقة أخرى من عدم اليقين للشركات المتعددة الجنسيات التي لديها أصول في روسيا.”

وأوضح أنه في حين يواصل الكرملين زيادة تكاليف مغادرة السوق الروسية، فقد يقلل ترامب من تكاليف البقاء، مما يفرز نوعًا من الركود.

وأضاف ماسي “من غير الواضح ما الذي يمكن أن يحققه ترامب في ولايته الثانية، إذ يعترف مستشاروه الآن بأن الصراع سيستغرق شهورًا على الأقل لحله.”

ومع ذلك، فإن وصوله قد يمنح بعض الشركات الغطاء السياسي للبقاء في روسيا، في حين قد ترى شركات أخرى احتمال تخفيف العقوبات كفرصة للمغادرة.

وقال آلان كارتاشكين، الشريك في ديبويز وبليمبتون لرويترز “قد نشهد تخفيف بعض العقوبات إذا تمكنت الإدارة الجديدة من التفاوض على تسوية الصراع في أوكرانيا.”

ولفت إلى أن هذا قد يؤدي إلى فك تجميد بعض الأصول المملوكة للأجانب العالقة في روسيا، مما يفتح الباب أمام موجة أخرى من صفقات الخروج.

ويشير مستثمر في عمليات الاندماج والاستحواذ عمل على عشرات الصفقات أن الشركات التي تحجم بالفعل عن المغادرة قد تكون أكثر ميلا إلى الانتظار حتى تستقر الأمور.

وقال مصدر آخر، قدم المشورة في أكثر من 100 صفقة خروج، إن “عودة ترامب قد تدفع أيضًا أولئك الذين يتطلعون إلى قطع العلاقات مع روسيا إلى تغيير خططهم والقرار بالبقاء.”

وكان أليكسي ياكوفليف مدير إدارة السياسة المالية بوزارة المالية الروسية قد قال لرويترز في ديسمبر الماضي، إن “المفاوضات بشأن صفقات الخروج جارية، دون تسمية شركات محددة.”

سورين جورتسونيان: الفائدة المرتفعة جعلت تمويل الصفقات باهظا للغاية للبعض
سورين جورتسونيان: الفائدة المرتفعة جعلت تمويل الصفقات باهظا للغاية للبعض

وردا على سؤال عما إذا كان وصول ترامب قد يوقف عمليات الخروج أو يرى بعض الشركات تعود، قال ياكوفليف “هذا يتجاوز فهمنا.”

وأكدت ستة من المصادر أن الكثير قد تغير منذ الحرية النسبية في إبرام الصفقات في 2022، وخاصة في ما يتعلق بالتعامل مع أهواء ومطالب لجنة الخروج.

وتبدو الحكومة الروسية حريصة على حماية الميزانية الفيدرالية وإغلاق الثغرات التي سمحت للمشترين المحليين بشراء الأصول بثمن بخس.

وتتطلب الصفقات الآن تقييمات من قبل مقيمين مستقلين يتم اختيارهم عن طريق وزارة الاقتصاد الروسية، ومزادات للأصول بين المشترين المحليين.

ويتطلب إتمام الصفقات التي تزيد عن 50 مليار روبل (488 مليون دولار) موافقة الرئيس فلاديمير بوتين، كما يجب على المشترين إثبات الأسباب الاقتصادية لأي صفقة، مثل إظهار كيف قد يؤدي فشلهم في شراء مصنع معين إلى انخفاض في الإنتاج.

وقال محام روسي إن “إمكانية بيع أصل كبير بالشروط المقبولة بالحد الأدنى محدودة بشكل كبير.”

وبينما أوضح أحد المستشارين أن عدد الصفقات انكمش إلى أقل من 20 في المئة، مما كان عليه في ذروته في منتصف عام 2023، أكد مصدر آخر أن المساهمات الأعلى في الميزانية كانت تسعير البائعين، وخاصة لصفقات الاستحواذ الإداري.

وقال سورين جورتسونيان، الشريك والمؤسس المشارك لشركة المحاماة ريبالكين، جورتسونيان، دياكين وشركاؤه (آر.جي.دي) إن “أسعار الفائدة المرتفعة عند 21 في المئة جعلت تمويل الصفقات مكلفًا للغاية بالنسبة لبعض المشترين.”

ولا تزال بعض الصفقات الكبيرة تنجح ويمكن للشركات متعددة الجنسيات استخراج بعض الأموال من روسيا، حيث تتم هيكلة الصفقات الآن بحيث يدفع المشترون ضريبة الخروج.

وباعت شركة السلع الاستهلاكية يونيليفر أصولها الروسية، بما في ذلك أربعة مصانع، قبل فرض المزيد من القيود في أكتوبر. كانت قيمة هذه الصفقة تقترب من 500 مليون يورو، وفقا لشخص مطلع على الأمر. ورفضت يونيليفر التعليق.

وأشار أربعة أشخاص إلى أن الاستيلاء على الأصول لا يزال الخطر الرئيسي الذي يواجه الشركات التي تختار البقاء.

روسيا شددت شروط المغادرة في أكتوبر الماضي، لتشجيع الشركات على البقاء، وطالبت بخصومات لا تقل عن 60 في المئة على معاملات الخروج

ووضعت روسيا حوالي اثني عشر أصلًا مملوكًا لأجانب تحت إدارة مؤقتة معينة من موسكو، والتي يقول البعض إنها قد تكون تكتيكًا روسيًا لدفع السعر إلى الأسفل للمشترين المحليين. وقال أحد مستشاري الشركات إن “الأصول الكبيرة للبيع تحت ضغط مستمر.”

وعندما استولت موسكو على حصة كارلسبرغ في شركة بالتيكا برويريز في يوليو 2023، أكدت شركة البيرة الدنماركية أن أعمالها “سُرِقَت.”

وقبل أقل من شهر من ذلك، وجدت مشتريا راغبا. وقد فشلت الصفقة، ولكن في ديسمبر، نجحت كارلسبرغ في تأمين بيع أصولها بقيمة 34 مليار روبل (330 مليون دولار)، وفقا لوثائق حكومية. ورفضت كارلسبرغ التعليق بما يتجاوز تصريحاتها السابقة.

وفي نهاية المطاف، بالنسبة للشركات الغربية في روسيا التي تكافح قواعد الخروج الأكثر تكلفة وتهديدات الاستيلاء، فإن وصول ترامب يجلب المزيد من المجهول. وقال أحد المتخصصين في الخدمات المالية “ترامب ورقة رابحة. أنت لا تعرف ماذا سيفعل.”

10