عودة إلى الأطلال

"لا تبكها ذهبت ومات هواها/ في القلب متسع غدا لسواها"، يقول إبراهيم ناجي، الشاعر المصري الذي ترجم في وقت مبكر أشعار الفرنسي بودلير، غير أن قصيدته "الأطلال" التي غنتها أم كلثوم هي التي منحته الشهرة.
بعكسه يقف الشاعر أبو تمام حين يقول “نقل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول”، ولكن “بعد أيه”، كما يشهق عبدالحليم حافظ “ياما قالت لي عينيه ساعة الفراق خليك شويا/ ياما ندالي بدمعة الوداع واترجى فيا/ ليه فارقتو ليه/ ليه ضيعتوا ليه”.
أسئلة حائرة تأتي في الوقت الضائع يواجهها العاشق، هو يعرف أن الميعاد فات، كما تقول أم كلثوم “تفيد بإيه يا ندم/ وتعمل عليه يا عتاب”. يقول المثل “لو ندمنا على الماضي وخشينا المستقبل لما تبقى لنا وقت لنعيش الآن”، وهو ما يعني أن النظر إلى الماضي بندم لا ينفع في شيء، كما أن التحسب للمستقبل لا يصنع المعجزات ومنها الحب.
وقد يكون مناسبا أن يعالج المرء أزمته بطريقة نجاة الصغيرة “حقك علي وسامح وارحمني من الندم/ علشان عتاب مبارح دا كان من العشم”، موقف وسطي لا يملك المرء أن يفرضه من طرف واحد.
فالحب معادلة طرفاها يتعذبان أحيانا بغموض ألغازها. يتصارع فيها ندم سابق وآخر لاحق. وما بين الندمين تمتد طرق تطول أو تقصر. يطول ويقصر معها زمنها.
تقول فائزة أحمد ” لحظة ندم على اللي فعلتو فيك/ لكن ده غصب لو يوم قسيت عليك”، تلك خلاصة تؤلم لكنها تمر على عجل. غير أن هناك بشرا يحبون الحكايات.
بدلا من كلمة يسرد عليك أحدهم أحداث فيلم، كانت حياته مسرحها ليبدو كما لو أنه تعرض لخديعة على طريقة وردة “رسم لي عا السما/ جنة فيها الهنا/ وقال حنعيش هنا/ قلت احلوت سنيني/ وبنالي في الخيال/ قصور من الآمال/ وقال ما فيش محال/ نمت وغمضت عيني/ ومرت الأيام وصحيت من الأحلام/ ما لقيتش غير الآلام وعذابي مستنيني”.
ولأن البشر مختلفون في ردود أفعالهم فهناك مَن يدير ظهره ويذهب إلى مستقبله وهناك مَن يثقل عليه السؤال الجارح كما تقول أم كلثوم “جددت حبك ليه/ بعد الفؤاد ما ارتاح/ حرام عليك/ خليه غافل عن اللي راح”. شيء ما يذكرنا بالبكاء على الأطلال.