عواطف حيار تواجه تعقيدات قضايا الأسرة المغربية بمفاهيم علمية

مهندسة مدن ذكية تسعى لتحقيق تقارب بين الإنسان والتكنولوجيا.
الأحد 2022/05/29
تكنوقراطية في مهمة لمعالجة ملفات أسرية شائكة

قضايا كثيرة وذات أهمية على طاولة الوزيرة عواطف حيار التي تحمل حقيبة الأسرة والتضامن الاجتماعي في الحكومة التي يقودها عزيز أخنوش، قضايا أرقت الوزراء السابقين ولن تكون حيار استثناء إلا من حيث المقاربة والنهج والخلفية العلمية والسياسية، فالعنف الأسري وتزويج القاصرات والمعاقون وظاهرة تشغيل الأطفال، كلها ملفات أسرية شائكة، خصوصا إذا كانت الوزيرة تريد تحقيق مفاهيم المدن الذكية في طريقة اشتغالها، فهي الخبيرة في الاتصالات وهندسة المدن الذكية وتوظيف معارفها لتجاوز معوقات العمل وانتقادات الخصوم السياسيين لبعض توجهاتها.

المدن الذكية ليست مجرد مفهوم أو حلم للمستقبل بل حقيقة قابلة للتحقق، هذا ما تحاول الوزيرة تطبيقه في ولايتها الحالية، خصوصا وأن الأسرة والتضامن الاجتماعي مرتبطان بالتنمية المستدامة في صورتها الإجمالية، فبالنسبة إلى حيار، تطمح المدن والبلديات المغربية إلى أن تكون مدن تنمية مستدامة ويجب أن تطور حالة عامة من خلال تثمين الذكاء الجماعي للمواطنين، وبفضل رؤية العاهل المغربي الملك محمد السادس، فإن المغرب طور استراتيجية للتنمية مستدامة وشاملة.

مهامها الإدارية الجسيمة لم تجعلها تنكفئ إلى الوراء، بل عملت بجدية على  تطوير البحث العلمي في المغرب، باعتبارها خبيرة في التمدن والتكنولوجيا الخضراء، حيث تنطلق المسؤولة الحكومية من تخصصها العلمي والأكاديمي دراسة وتدريسا، فهي منسقة ورئيسة لمشروع المدن الذكية، والمهندسة في الاتصالات السلكية واللاسلكية من المعهد الوطني للفنون التطبيقية في تولوز، والحاصلة على الدكتوراه في معالجة موجات الاتصال من مؤسسة “بوليتيكنيك” بباريس.

ويبدو الاستثمار في الرأسمال البشري في الشق المتعلق باستخدام التكنولوجيا الجديدة، وخاصة الرقمية منها، عاملاً ضرورياً، عند حيار، من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، لأن الوصول إلى التكنولوجيا بطريقة عادلة يعد أمرا أساسيا من أجل تنمية شاملة ومستدامة للبلدان، تلك هي نظرية حيار التي تدافع عن رؤيتها بأن الشركات التي تعتمد على التكنولوجيا الفائقة نجحت خلال العقود الأخيرة في إعطاء دفعة لنمو قوي في العديد من البلدان.

تنمية آمنة ومستدامة

[ حيار تطمح إلى أن تكون المدن والبلديات المغربية مدن تنمية مستدامة، وكي يحصل هذا يجب أن تتطور حالة عامة من خلال تثمين الذكاء الجماعي للمواطنين
حيار تطمح إلى أن تكون المدن والبلديات المغربية مدن تنمية مستدامة، وكي يحصل هذا يجب أن تتطور حالة عامة من خلال تثمين الذكاء الجماعي للمواطنين

العديد من المشاكل قد تواجهها حيار أمام تحقيق جزء من رؤيتها، منها تحدي تحقيق جودة الحياة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تقدمها المدن الذكية، مع جعل المدن أكثر كفاءة واستدامة وصالحة للعيش. بمعنى آخر، كيف ستحقق حيار المدينة الذكية التي يمكنها مراقبة ودمج وظائف البنية التحتية الحيوية مثل الطرق والأنفاق والممرات الهوائية والممرات المائية والسكك الحديدية وإمدادات طاقة الاتصالات وغيرها.

وبوصفها تكنوقراطية وتملك حسا سياسيا باعتبارها عضوا في حزب الاستقلال، دمجت رأيها العلمي لتقدم المدن بنوع من العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن بين المؤسسات والمجتمع، والتحول إلى التكنولوجيا الفائقة في العديد من البلدان، لاسيما في المناطق القروية لا يبدو الأمر متوازناً، حيث يوجد أشخاص محرومون منها تماماً، ما يسهم في إحداث فجوة اجتماعية وتقنية كبيرة، والوزيرة التي تعنى بالتضامن الاجتماعي مؤمنة أيضاً بضرورة التفكير في العلاقة التي تجمع المواطنين بالتكنولوجيا المبسطة والمتاحة للجميع، فضلا عن التحديات الكبرى المرتبطة بالتوسع الحضري.

وكأول مغربية تحصل على درجتها العملية في هذا التخصص، تسعى حيار لإنجاز تقارب بين الإنسان والتكنولوجيا المبسطة المتاحة للجميع، وهي تعتقد أن المدينة الذكية نهج مستقبلي للتخفيف من العقبات الناجمة عن الزيادة المستمرة في عدد السكان والتوسع الحضري السريع الذي سيعود بالفائدة على الحكومات والبلديات.

 ترحيب حيار بمناقشة المطالب النقابية يوحي بأنها لا تخشى مواجهة المشاكل التي تتخبط فيها الإدارات التابعة لوزارتها، لكن هناك من اتهم الوزيرة باستقبال نقابات لا تمثيلية لها من أجل محاباة لونها السياسي، خصوصا وأن وكالة التنمية الاجتماعية تعرف احتقانا اجتماعيا غير مسبوق.

العديد من المشاكل قد تواجهها حيار، أمام تحقيق جزء من رؤيتها، منها تحدي تحقيق جودة الحياة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن تقدمها المدن الذكية

لقد كانت الوزيرة قريبة من هموم الشغيلة في قطاع التعليم ومندمجة مع هموم الطلبة والأستاذة، وفي حوار دائم مع ممثليهم النقابيين، وهي تنفي أن تكون سياستها عدم الالتفات إلى مطالب العاملين تحت إدارتها، ومنها صرف جميع المستحقات المتأخرة للأطر التي استفادت من الترقية.

 ويبدو أن كلام الوزيرة لا يعجب منتقديها من البرلمانيين الذين اتهموها بأنها الوزيرة الوحيدة التي لم تستقبل النقابات، بحيث تشكل حالة شاذة، بعدما استقبل رئيس الحكومة وجميع الوزراء النقابات من أجل حل المشاكل والملفات العالقة.

السجال الدائر بين النقابات والوزيرة معقد ومستدام، ولا يمكن أن تحقق حيار أجندتها السياسية وبرنامجها داخل الوزارة إذا لم تغلق هذا القوس بالتعامل الإيجابي مع مطالب النقابات، هذا هو الواقع الذي تنقله نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الممثلة في البرلمان، والتي يتمنى أعضاؤها ألاّ يحدث ما حدث في مؤسسة التعاون الوطني التابعة للوزارة، لأنهم يعتبرون أن أبغض الحلال في عمل النقابات هو الإضراب، لكن النقابة تتهم الوزيرة بإغلاق أبواب الحوار.

وعندما تطالب المركزيات النقابية بمراجعة النظام الأساسي لمستخدمي مؤسسة التعاون الوطني والنهوض بالأعمال الاجتماعية وتسوية ملفات كثيرة واحترام الحريات النقابية، لا تتأخر حيار بالرد بأن النقابات شريك أساسي للوزارة، مجددة استعدادها للتفاعل مع مختلف المطالب وإيجاد الحلول الممكنة في إطار ما تسمح به القوانين.

 وترى حيار التي تعتبر ثاني امرأة تعيّن عميدة لكلية في المغرب أن مقاربتها لهذا الموضوع مشفوعة بما راكمته من معرفة وعلاقات، لهذا فالتعاون والتفاعل مع النقابات أساسي لإعداد مخططات مشبعة بأنماط إنسانية عميقة للعمل والمشاركة في الحقائق الاجتماعية والسياسية والبيئية للعوالم الحضرية، والعمليات التي تدعمها وتصنعها، وهذا يتناسب مع ما تطمح إليه جمعية ”إي مدينة“ التي أسستها حيار، بمدينة الدار البيضاء، والتي تهدف إلى إنشاء وتطوير نظام بيئي للمدينة الذكية لتعزيز استخدام التقنيات الرقمية.

قيادة أصعب الوزارات

الخبرة الإدارية التي راكمتها حيار على رأس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، جعلت منها المرأة المنشودة لتنفيذ سياسات الدولة
الخبرة الإدارية التي راكمتها حيار على رأس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، جعلت منها المرأة المنشودة لتنفيذ سياسات الدولة

بعد تكليفها بالحقيبة الوزارية مباشرة تفجرت أخبار عن تعيينها لزوجها مديراً لديوان الوزيرة، وهو قرار تم التراجع عنه بتوصية من كبار المسؤولين حتى لا تتفاقم الأوضاع وتؤثر على موقع الوزيرة الاعتباري داخل الحكومة، فعينت بدلا عنه أمينة عادل رئيسة لديوانها، والتي سبق لها أن عملت إلى جانب حيار حينما كانت رئيسة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، في منصب نائبة الرئيسة. وقامت بتكليف زوجها بمهام “التعاون والتنمية الاجتماعية والشؤون العامة”.

لكن عاد الحديث هذه الأيام عن الزوج الذي يعمل أستاذاً جامعيا بكلية العلوم والتقنيات بالمحمدية، واتهامه بأنه يتحكم من وراء الستار في مصير ملفات اجتماعية ومشاريع ذات طابع استعجالي، وكذا في من سيكون ضمن لائحة أسماء مقربة منه لتولي مناصب المسؤولية داخل الإدارات التابعة للوزارة. الأمر الذي خلق حالة غليان في صفوف العاملين بوزارة التضامن، وهذا يعني حسب نقابيين وموظفين أن إقصاء الكفاءات لأجل استقدام أعضاء ينتمون إلى حزب الاستقلال ليتولوا مسؤوليات داخل ديوان الوزيرة سيشلّ العمل وسيرفع من منسوب المحسوبية ويؤثر على صورة الوزيرة بشكل سلبي.

جهود المغرب للنهوض بأوضاع المرأة بارزة ونوعية، وقد نقلت الوزيرة رؤية الملك محمد السادس حول تعزيز أدوار المرأة وإدماجها في مشروع التنمية المستدامة

 وهناك من يقول إن الوزيرة قامت بحركة انتقامية عندما أعفت رئيس قسم الميزانية والتجهيز بالوزارة والكاتب العام للوزارة ذاتها ومدير التعاون الوطني ومدير وكالة التنمية الاجتماعية من مهامهم، لكنّ مقربين من حيار يفسرون الإعفاءات التي قامت بها الوزيرة من اختصاصها، ومناسبة لتنفيذ برامج الوزارة في أوقاتها المناسبة، وضخ دماء جديدة في مناصب المسؤولية.

كانت وزيرة الأسرة المغربية حاضرة قبل أيام في إطار مؤتمر إطلاق المؤشر الإقليمي حول العنف ضد النساء والفتيات المنظم من طرف الاتحاد من أجل المتوسط، لتدلي بدلوها في هذا الموضوع المؤرق والقول إن المملكة المغربية منخرطة مبكرا في مجال المساواة، والنهوض بحقوق المرأة، ومناهضة كل أشكال العنف والتمييز الممارس ضدها.

جهود المغرب للنهوض بأوضاع المرأة بارزة ونوعية، وقد نقلت الوزيرة رؤية الملك محمد السادس حول تعزيز أدوار المرأة وإدماجها في مشروع التنمية المستدامة، وتعزيز الترسانة القانونية وتقويتها، وتطوير السياسات العمومية المتعلقة بالمساواة، وإدماج مقاربة النوع، وكذا إحداث ومأسسة آليات التكفل بالنساء ضحايا العنف.

الخبرة الإدارية التي راكمتها حيار على رأس جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء جعلت منها المرأة المنشودة لتنفيذ سياسات الدولة في قطاع الأسرة، فالمرحلة الدقيقة المرتبطة بتنزيل ورش الحماية الاجتماعية، التي أطلقها الملك محمد السادس، يحمّلها مسؤولية إيجاد تدابير واستراتيجيات للنهوض بشأن الأسرة المغربية والطفل، ففي معظم الأحيان هناك تحديات حول التعليم أو المعتقدات أو الأعمال المنزلية أو التغييرات في البيئة.

الأسرة والرعاية الاجتماعية

حيار بحسها السياسي تدمج رأيها العلمي بالحرص على العدالة الاجتماعية
حيار بحسها السياسي تدمج رأيها العلمي بالحرص على العدالة الاجتماعية

وإذا كانت الوزارة تعمل على إعداد سياسة أسرية تروم مواكبة الأسرة لتمكين الأطفال من متابعة دراستهم، والعناية بأطفال الشوارع والأمهات العازبات ودور المسنين، فهذا الطموح يصطدم مع إحصائيات مقلقة في قطاع الرعاية الاجتماعية، فحوالي 35 في المئة من الموارد البشرية ذات مستوى ابتدائي أو غير متمدرسة، و90 في المئة من العاملين الاجتماعيين يشتغلون بالجمعيات، ولاسيما الجمعيات التي تتولى تدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية حيث يشكل التأطير بهذه المؤسسات ثاني هاجس للجمعيات بعد التمويل.

وبذلك يتضح أن أوضاع مؤسسات الرعاية الاجتماعية والعاملين بها صعبة جدا وتحتاج إلى نظرة متطورة لكي يتم تحقيق الرعاية الاجتماعية المأمولة من هذه الحكومة، فالعدد الإجمالي للعاملين الاجتماعيين بجميع أصناف مؤسسات الرعاية الاجتماعية التابعة للتعاون الوطني وعددها 1226 مؤسسة يصل إلى أكثر من 12 ألف موظف.

حيار تصف العدد الكبير من مؤسسات الرعاية الاجتماعية في المملكة بأنه ناجم عن التردي وضُعف تخصص وكفاءة العاملين الاجتماعيين

حيار تصف هذا العدد الكبير من مؤسسات الرعاية الاجتماعية في المملكة بأنه ناجم عن التردي وضُعف تخصص وكفاءة العاملين الاجتماعيين؛ ضعف في الجانب التطبيقي في مسار تكوين العاملين، وضعف في التعويضات والتحفيزات، إلى جانب أن ظروف العمل لا تساعد على الاحتفاظ بالموارد البشرية أو استقدام المتمرّس منها.

ويتساءل البعض هل يكفي تخصيص مليون درهم لإعادة تأهيل المراكز التابعة لمؤسسة التعاون الوطني ومن بينها مؤسسات للرعاية الاجتماعية، أم أن المشكلة بنيوية وتحتاج إلى ترسانة قانونية ومواكبة أكثر من المال؟ سؤال تجيب عليه الوزيرة بطريقة غير مباشرة بأن ما تقوم به، رغم الفسحة الزمنية الضيقة، كفيل بتعزيز الجودة والرقمنة وتنويع خدمات هذه المؤسسات، وكذا التركيز على إدماج الأشخاص في وضعية صعبة أو وضعية هشاشة في المجتمع، مع تشجيع التكفل بالغير داخل الأسر.

ولأن العائلات المغربية تواجه تحديات تجعل من الصعب عليها توفير ما يحتاجه أطفالها في أحيان كثيرة، فيمكن أن يساعد النهج الذي أفصحت عنه الوزيرة في إعادة الاعتبار لقيم الأسرة والعناية بها ضمن

ورش الرعاية الاجتماعية التي أطلقها الملك محمد السادس لدعم العائلات في مواجهة التحديات الاجتماعية والصحية والاقتصادية لتربية الأطفال في بيئة أكثر مردودية مع التركيز على نقاط القوة العائلية وعمل الوزارة في شراكة مع المجتمع.

8