عن قرية يانوح الدرزية

يسود الاعتقاد بأن جميع الدروز مساندون للدولة الصهيونية لكن الواقع ليس هكذا فهناك حراك قوي معارض للتجنيد الإجباري.
الاثنين 2024/02/05
دروز إسرائيل منقسمون بشأن المشاركة في حرب غزة

يسود الاعتقاد بأن جميع الدروز مساندون للدولة الصهيونية. الواقع ليس هكذا. فهناك حراك قوي معارض لفرض التجنيد الإجباري على شباب الدروز. والرئيس الروحي لدروز فلسطين في ذلك الوقت، الشيخ أمين طريف، كان معارضا بشدة لهذا الاتفاق. وهناك إثباتات تاريخية لذلك. أحدها ما حصل في قرية يانوح، القرية الدرزية.

هذا، وقد نشر كتاب The War for Palestine. Rewriting the History of 1948 في السنة 2007 شارك به 15 باحثا مختصا منهم: فواز جرجس، رشيد الخالدي، ليلى بارسيمنز، إدوارد سعيد، وآفي شلايم، واتفق المساهمون جميعهم على أن التاريخ الرسمي الإسرائيلي ما هو إلا تاريخ أساطير، وأن ذلك قد ثبت بعد أن فُـتح القسم الكبير من الأرشيف الإسرائيلي أمام البحاثة – ليس كله – فوجدوا قصة قرية يانوح، وذكرت في البحث المقدم من ليلى بارسيمنز، جاء فيه أن علاقة خاصة قد قامت بين اليشوف والدروز أيام الانتداب البريطاني، وتحولت إلى تحالف سري أثناء الحرب في الـ48، وذكرت بشكل خاص أنه عندما كان الدروز يخرقون هذا الاتفاق في مكان ما، فإنهم لم يكونوا يعاقبون بعد جلاء المعارك، فيُسمح لهم بالبقاء، وكان هذا يعني أن غيرهم كان يطرد!

رغم قناعة الإسرائيليين بأن يانوح قد غدرت بهم، فإنهم لم يُطردوا بعد انجلاء المعارك. في المقابل طُرد سكان الرامة، وعيلبون المسيحيون، رغم أنهم لم يساهموا في المعارك

هذا وقد حصلت معركة يانوح خلال عملية “حيرام”، التي كانت آخر عملية كبيرة في شمالي البلاد، والتي كانت ترمي إلى القضاء على آخر جيوب المقاومة النشطة في الجليل.

قاومت القرية هجوم الجيش الإسرائيلي على القرية، رغم أنها كانت قد تعهدت في السابق بعدم المقاومة. وكان هذا التعهد لا يختلف عما تم من اتفاق بين الجيش الإسرائيلي والقوة الدرزية اللبنانية، بقيادة شكيب وهاب، قبل معركة شفا عمرو وهوشة، والتي قتل فيها أخ دايان.

تختلف التقارير الموجودة في الأرشيف الإسرائيلي في تحديد السبب. وأيا كان السبب فإنها جميعها تتفق على أن الخسائر التي تكبدتها القوة المهاجمة كانت بسبب خيانة القرويين الدروز في يانوح.

إن مفهوم الخيانة هذا أثر على العلاقة المستقبلية بين القرية والسلطة. إذ أشرفت الدولة على القرى الدرزية جميعها، ما عدا قرية يانوح، التي بقيت تحت الإدارة العسكرية للجيش.

وقد أشار إلى ذلك يهودا بلوم، وزير المعارف آنذاك، في رسالة وجهها إلى وزارة الأقليات، قال فيها “إن يانوح، كما هو معروف، قد غدرت بنا، والسلطة العسكرية مسؤولة عن الإدارة فيها. إذا تغيرت سياسة الحكومة، يجب أن نفكر في ترتيبات لتعليم أبناء القرية”.

ما يلفت النظر هنا أنه رغم قناعة الإسرائيليين بأن يانوح قد غدرت بهم، فإنهم لم يُطردوا بعد انجلاء المعارك. في المقابل طُرد سكان الرامة، وعيلبون المسيحيون، رغم أنهم لم يساهموا في المعارك.

توجد فقرة في يوميات بن غوريون، حسب ترجمة د. إلياس عفيف سليمان وابنه، نشرت في موقع “شمس” بتاريخ 15/8/ 2013، أنه قد ورد في يوميات بن غورين إدخال “تم قتل جميع أفراد الفصيل الدرزي المشارك مع الجيش الإسرائيلي وقتل معهم ثلاثة من الجنود اليهود في القرية الدرزية يانوح. استقبلتنا القرية بسلام في البداية، ولكن عندما وصلها القاوقجي انضمت إلى الأعداء”.

القرية قاومت هجوم الجيش الإسرائيلي على القرية، رغم أنها كانت قد تعهدت في السابق بعدم المقاومة. وكان هذا التعهد لا يختلف عما تم من اتفاق بين الجيش الإسرائيلي والقوة الدرزية اللبنانية

هذا وقد وجدتُ عدة صفحات من كتاب “حلف الدم: الجنود الدروز في الدولة” بالعبرية، مترجمة من هذا الكتاب، ورد فيها “إن معارضة الشيخ أمين الشديدة لمشاركة الدروز في حرب 48 أثارت ضده العداء من الكثير من العائلات المتنفذة بين الدروز، والتي سمحت لأبنائها بالانضمام إلى الجيش. فقُتل عشرة منهم بنار المدافعين عن قرية يانوح. هذا بالطبع غير الثلاثة اليهود الذين ذكرهم بن غوريون في يومياته”.

القتلى الدروز العشرة لم يهتم أحد بذكرهم، ولا ذكرت أسماؤهم. وليس هذا فقط، بل ذكر يعقوب يهوشع، وهو موظف في وزارة الأديان، “ألقى الشيخ أمين طريف الحرمان السري على المجندين الدروز العشرة. لهذا السبب فإنه لم تقم الصلاة عليهم، ولم يدفنوا، بل تركت جثثهم لطيور السماء”.

وتؤيد هذه الفقرة ما وجدته في قراءات أخرى أن الشيخ أمين طريف كان معارضا بشدة اشتراك الدروز بالحرب إلى جانب الجيش الإسرائيلي، ولكنه خضع أخيرا لضغوطات الزعماء الدروز العلمانيين، وخشي انقسام المجتمع الدرزي على هذه المسألة.

6