حول لجنة تحقيق فلسطينية

هل حصل أن ألفت لجنة تحقيق في العالم العربي ككل؟
الجمعة 2024/01/12
هل ترى لجنة تحقيق فلسطينية النور، ومن يتحمل تبعات عملية طوفان الأقصى

نشرت العرب اللندنية في 8/1/24 مقالاً للكاتب الفلسطيني أوس أبوعطا عن وجوب قيام لجنة تحقيق فلسطينية فيما تم في غزة، ويدعو المثقفين للانضمام لدعوته هذا.

على ما أعلم هي أول دعوة تطفو للسطح. سبقتها انتقادات مخففة على ما تم، دون الدعوة للجنة تحقيق. لا أظن أنه بإمكان تشكيل لجنة تحقيق، فلن تقوم بهذه الخطوة حماس، ولن تسمح السلطة بلجنة تحقيق، فتكون مثل الذي يحفر قبره بيده!

هل حصل أن ألفت لجنة تحقيق في العالم العربي ككل؟

اذكروا لي لجنة تحقيق في رفضنا لقرار التقسيم.

اذكروا لي لجنة تحقيق في رفض الهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني لكل محاولات الوصول لحل وسط.

اذكروا لي لجنة تحقيق في ضرب المنظمة في الأردن، ومجازر أيلول، وطرد منظمة التحرير من الأردن.

اذكروا لي لجنة تحقيق في أسباب انقلاب المزاج اللبناني من مؤيد للفلسطينيين، لرافضٍ لوجودهم.

أستطيع إيراد العشرات من الوقائع التي احتاجت لجاناً للتحقيق، ولكني أرغب في ذكر حادثة واحدة، أظنها تكفي. ذكر رشيد الحاج إبراهيم الحادثة في كتابه "هكذا سقطت حيفا، وللعلم كان رشيد الحاج إبراهيم ممثل الهيئة العربية العليا، ومن أبرز زعمائها، والمسؤول عن منطقة حيفا:

"مخالفة المفتي لجميع أعضاء اللجنة العربية العليا.

هناك مسألة مهمة جداً أثرت في مجرى قضيتنا أثراً محسوساً ملموساّ، وذلك أن الحكومة البريطانية كانت قد دعت إلى عقد مؤتمر المائدة المستديرة في أوائل عام 1939، والذي تحدثت عنه في مكانٍ سابقٍ، وأصدرت الكتاب الأبيض الذي حددت فيه سياستها تجاه فلسطين، وقلت إن العرب رفضوا الكتاب المذكور..

ودعا السيد محمد محمود باشا، رئيس وزراء مصر إلى اجتماع مع الهيئة العربية العليا (في القاهرة)، وحضر الجميع ما عدا الحاج أمين وعزة دروزة، وقال الباشا ما معناه بالضبط:

إن الحكومة المصرية قد تدخلت في مشروعات الحلول في قضية فلسطين منفردة عن الدول العربية، وذلك بعد فشل مؤتمر لندن، وقد توصلنا إلى الحصول على بعض التعديلات في الكتاب الأبيض، وهذه التعديلات هي كما تقرؤونها في هذا البيان. ووزع البيان على الجميع..

وبعد بضعة أيام دعا محمد محمود باشا لاجتماع آخر في دار الحكومة حضره الأشخاص الذين حضروا الاجتماع الأول، وقال إن الحكومة البريطانية قد وافقت على بعض الاقتراحات، ورفضت البعض الآخر، وهي لم تعد تقبل أي تعديل بعد هذا التعديل.

بعد مناقشات مستفيضة قبل الحاضرون الكتاب الأبيض، على شرط موافقة رئيس الهيئة العربية العليا... ونهض جمال الحسيني لمخاطبته على الهاتف، ورجع بالقول أن الحاج أمين وافق عليها، إن كان جميع الحاضرين يوافقون عليها كذلك.

سر رئيس الوزراء المصري وأبرق حالاً للورد هاليفاكس بإعلان موافقة عرب فلسطين على التعديلات.

وفي صباح اليوم الثالث لهذا الاجتماع استدعى رئيس الوزراء المصري عوني عبد الهادي وأحمد حلمي لمقابلته حالاً فذهبا إليه، وكنا في انتظار عودتهما لنسمع منهما أخباراً سارة جديدة، ولكن ظهر على عكس ذلك، إذ سلمهما الرئيس برقية من السيد أمين الحسيني تتضمن رفضه أية حلول تتعارض مع الميثاق الوطني المتضمن الاستقلال التام، كما أنه يرفض الحلول الجديدة.

وقال رئيس الوزراء المصري: إني آسف لإضاعة وقتي وأوقاتكم التي ذهبت أدراج الرياح. واسمحوا لي أن أنسحب من المداخلة في قضيتكم، عليكم أن تعتمدوا على أنفسكم، وتعملوا ما أنتم به أدرى بمصلحتكم، ولا تحملوا الدول العربية بعد الآن مشاكل غير مشاكلها. وقال إخواننا أن محمد محمود باشا كان يتحدث وهو ظاهر الغضب والحدة."

وفي مكانٍ آخر من هذا الكتاب، كتب رشيد الحاج إبراهيم:

"عاشت البلاد في بحرٍ من الدماء، وفي أتونٍ من الخصومات والثارات...وإني لأعترف بعجزي عن تدوين ما جرته ثورة 1937 - 1939 على فلسطين من ويلات كان لها أكبر الأثر في المعركة الفاصلة على التقسيم سنة 1948.."

وفي مكانٍ آخر يقول:

"فأوجزت الكلام بأن مسؤولية ضياع فلسطين تقع على زعماء فلسطين قبل سواهم، وعلى الهيئة العربية العليا بصورة خاصة. فتقصير الدول العربية وتخاذلها كان سببه الصحيح تقصير زعماء فلسطين وتخاذلهم، وعلينا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب غيرنا."   

وأخيرا فإنه يتساءل:

"لا أدري متى يجد العرب في أمتهم من باحثين ناقدين لهم من الجرأة والصراحة ما يمكنهم من دراسة المآسي التي تعرضت لها البلاد في الثورة المذكورة وتصف نتائجها المحزنة التي جرت أمتنا للمعركة الفاصلة وهي مشلولة القوى مهدمة البنيان".

رغم كل هذا، لم يجرؤ رشيد الحاج إبراهيم على نشر كتابه في حياة الحاج أمين. نام كتابه خمسين سنة. بعد مرور خمسين سنة أعادت ابنته إحياء المذكرات هذه، وقدمت المسودة لمؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت، فنشر.

*****

رشيد الحاج إبراهيم. هكذا سقطت حيفا. مذكرات شخصية. مؤسسة الدراسات الفلسطينية - 2005.