عمل الأطفال في العراق لا يزال واقعا مرّا

لجنة الإنقاذ الدولية تحذر من "انتشار مقلق" لعمالة الأطفال في الموصل.
الخميس 2023/03/02
الأطفال محرومون من طفولة طبيعية

بغداد - يتنقل حيدر البالغ 13 عاماً بمكنسته لتنظيف أرضية محل نجارة يعمل فيه، من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء، بعدما حرم من طفولة طبيعية في العراق حيث أرغمت الحروب المتتالية الكثير من الأطفال على العمل لمواجهة الفقر.

ويعمل حيدر منذ كان في الثامنة من العمر في ورشة النجارة التي يديرها عمه. ويقول “جرى طردي من المدرسة بسبب شجار”.

وتابع هذا الطفل الذي بدا أكبر من عمره بكثير “المدرسة رفضت عودتي”، ولذلك قرر والداه أن يبدأ العمل من أجل أن “أبني مستقبلي وأتزوج”.

مستنداً على كرسي خشبي، يقوم بمسح بقايا نثر الخشب عنه. ويحمل حيدر مساند معدنية ثمّ يقوم بنقل ألواح كبيرة تكاد تكون ضعف حجمه.

وخلال يوم عمله يحقّ لهذا الطفل أخذ استراحة تستمر ساعة واحدة لتناول وجبة الغداء. ويتقاضى أسبوعياً حوالي 25 ألف دينار (أقل من عشرين دولاراً) لإعالة نفسه وشقيقته، بعدما أصبحا يعيشان في منزل عمٍّ آخر، بسبب خلافات عائلية أدت إلى انفصال والديه.

عمل الأطفال ظاهرة واقعية في العراق حيث يمكن رؤية الكثير منهم يعملون في ورش التصليح أو المقاهي ومحلات الحلاقة

عمل الأطفال واقع ظاهر في العراق حيث يمكن رؤية الكثير منهم يعملون في ورش التصليح أو المقاهي ومحلات الحلاقة، فيما يبيع آخرون المناديل على مفترقات الطرق.

وعلى الرغم من ثروة العراق النفطية الهائلة، يعاني ثلث سكانه من الفقر، وفقا للأمم المتحدة.

وشهد هذا البلد حروبا وصراعا طائفيا على مدى عقود، وأعقبت ذلك حرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من سكانه. ورغم استقرار أوضاعه الأمنية اليوم ظل يعاني من تداعيات فساد يضرب غالبية مؤسساته وينهب المال العام فيما لم تنجح السياسات الحكومية في درء هذه الآفة تماماً.

ويقول مسؤول شعبة مكافحة عمل الأطفال في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية المهندس حسن عبدالصاحب لوكالة فرانس برس إن “عمالة الأطفال تزداد باستمرار بسبب الحروب والصراعات والتهجير الذي حدث، خصوصا في المحافظات التي تعرضت لغزو داعش”.

وأضاف أن هذه الظروف ساعدت على زيادة عمالة الأطفال، لأنه “أصبحت لدينا عائلات كثيرة دون معيل فاضطرت الأم إلى ترك ابنها يعمل”.

وذكر عبدالصاحب أن القانون العراقي يحظر عمل الأطفال دون سن الـ15 ويعاقب بغرامة مالية وبالسجن لفترة قد تتجاوز ستة أشهر من يخرق هذا القانون.

وأشار المسؤول إلى أن المحافظة الأكثر تأثراً بهذه الظاهرة هي نينوى في الشمال، التي احتلها الجهاديون قبل تحريرها في العام 2017، وتأتي بعدها “محافظات بغداد وكركوك وبابل”.

وللحد من عمالة الأطفال تقدم وزارة العمل حالياً راتب “رعاية اجتماعية” شهريا لعدد كبير من العائلات الفقيرة، “يبلغ معدّله 125 ألف دينار (حوالي 83 دولارا) لكل طفل”، وفق المسؤول. لكن يبقى هذا المورد محدوداً أمام متطلبات الحياة.

ويرى المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في العراق ميغيل ماتيوس أن من بين العوامل الرئيسية التي تقف وراء تزايد عمالة الأطفال “الفقر” و”انعدام المساواة الاقتصادية”.

وأضاف “يجب أن نضع تاريخ البلاد في الاعتبار، السنوات الأخيرة أحدثت بيئة دفعت الكثير من الأطفال إلى العمل”، مشيراً إلى أن المنظمة تعمل “مع الحكومة لبناء نظام حماية اجتماعية.. يمكنه أن يساعد على انتشال هؤلاء الأطفال من الفقر”.

وتابع أن منظمته “تساعد الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان (في شمال العراق) على تطوير برامج لبناء مهارات وتعليم الأطفال لتأخير دخولهم سوق العمل إلى أن يبلغوا 18 عاماً”.

الفقر والتهجير يزيد من عمالة الأطفال
الفقر والتهجير يزيد من عمالة الأطفال

من جانبها حذّرت لجنة الإنقاذ الدولية في تقرير نشر أواخر العام 2022 من “انتشار مقلق” لعمالة الأطفال خصوصا في الموصل، المعقل السابق لتنظيم الدولة الإسلامية، والتي لا تزال تعاني من ضعف في عملية إعادة البناء رغم مرور خمس سنوات على تحريرها.

وأكدت هذه المنظمة غير الحكومية أنه من خلال معلومات شملت 411 أسرة إلى جانب 265 طفلاً، تبين أن 90 في المئة من الأسر التي شملتها الدراسة لديها طفل يعمل أو أكثر.

وأشار تقرير المنظمة إلى أن نحو 75 في المئة من هؤلاء القاصرين لديهم “وظائف غير رسمية وخطرة، من بينها جمع القمامة أو الخردة المعدنية والعمل في مجال البناء”.

ونبه إلى أن 85 في المئة من هؤلاء “لا يشعرون بأمان في العمل”، لدواع من بينها سوء المعاملة أو نقص معدات الوقاية.

وفي إحدى ورش العمل في بغداد، يقوم مهند جبّار البالغ من العمر 14 عاماً، بصناعة مصافي رمل تستخدم للبناء، في مقابل 10 آلاف دينار (حوالي 6 دولارات) في اليوم.

ويعمل هذا الطفل منذ كان في السابعة من العمر، كما هو حال شقيقه الأكبر، لمساعدة والديه على تأمين متطلبات عائلتهم المؤلفة من سبعة أفراد.

ويقول هذا الطفل “أتمنى أن أذهب إلى المدرسة لأصبح مهندساً”، لكن “أهلي يحتاجون إليّ”.

القانون العراقي يحظر عمل الأطفال دون سن الـ15 ويعاقب بغرامة مالية وبالسجن لفترة قد تتجاوز ستة أشهر من يخرق هذا القانون

وأسهمت الظروف الأمنية والاقتصادية التي مرت على العراق في ارتفاع ظاهرة عمالة الأطفال، رغم القوانين الحازمة التي تقضي بمعاقبة المتسببين فيها. وفي عام 2021 أطلقت وزارة العمل ومنظمة العمل الدولية حملة لمكافحة اتساع ظاهرة عمالة الأطفال التي وُصفت بأنها الأسوأ مما مرّ على البلاد في السنوات الماضية.

ولا تقتصر عمالة الأطفال على محافظة دون أخرى، فهي ظاهرة اتسعت خلال العقد الماضي في العراق بشكل كبير، ويرجع الخبراء تفشي الظاهرة إلى الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي تعيشها البلاد، إضافة إلى عدم انتظام قطاع العمل.

وبين الخبراء أن سبب تفشي الظاهرة هو كثرة الصراعات والحروب التي مرّت على البلاد، وانتشار البطالة وإغلاق المعامل والشركات، ووجود قطاع عمل غير منظم وغير مسيطر عليه سواء نقابيا أو حكوميا.

وألقى الخبراء باللائمة على بعض الأحزاب والشخصيات السياسية النافذة في تدخلها بسوق العمل وبعدها عن الرقابة وتفعيل القوانين.

ولفتوا إلى أنه رغم وجود لجان ثلاثية من النقابة ووزارة العمل واتحاد الصناعات، فإن دورها “ليس بالمستوى المطلوب” ولا يغطي كل مرافق العمل.

وتنص قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين “الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل”، أو حتى إيقاف النشاط. وفي قانون الاتجار بالبشر، يعاقَب من يستغل شخصا لا يعي حقه، كالأطفال، بالسجن أو الغرامة المالية.

ويقول الخبير القانوني علي جابر التميمي إن قانون العمل 37 لعام 2015 الأخير منع تشغيل الأطفال دون سن الـ15، وحصر السماح بتشغيل من هم بين سن الـ15 والـ18 وفق شروط ورقابة وفي مهن محددة.

وقد حدّد القانون عقوبة تطال أصحاب العمل إذا تم خرق القانون، لكنه يرى أن هذه القوانين ولدت شبه مشلولة في الأصل ولا تُطبق. فعلى الرغم من القوانين مازال الآلاف من الأطفال منتشرين في الأسواق والأحياء الصناعية ومكبات النفايات، يعملون في أقسى الظروف التي لا تراعي أي قانون.

15