عملية مخيم جنين اختبار لقدرة عباس على بسط نفوذه في الضفة الغربية

السلطة الفلسطينية تحت الضغط الأميركي - الإسرائيلي لضبط الوضع في الضفة.
الاثنين 2024/12/16
السلطة الفلسطينية تخشى فقدان السيطرة تدريجياً على الضفة الغربية

يزداد التوتر في الضفة الغربية مع محاولة السلطة الفلسطينية فرض سيطرتها وإثبات قدرتها على ضبط الأمور في عملية أدت إلى مقتل أكثر من شخص، واستياء متزايد بين الفلسطينيين.

القدس - تشهد مدينة جنين في الضفة الغربية أعمال عنف مكثفة منذ أكثر من أسبوع، مع إعلان السلطات الفلسطينية إطلاق المرحلة الثانية من عملية “حماية وطن” والتي قالت إنها تستهدف مسلحين خارجين عن القانون، وتعتبر العملية الأكبر من قبل السلطة في الضفة الغربية منذ سنوات إذ تخشى من فقدان السيطرة تدريجيا على محافظات الضفة الغربية.

وتثير هذه العملية الأمنية مخاوف من اتساع رقعتها لتشمل طولكرم ونابلس، حيث تحاول السلطة الفلسطينية فرض سلطتها على الفصائل المسلحة، وعدم إعطاء ذريعة لإسرائيل لاستهداف مدن الضفة بينما تقول الفصائل إن العملية تهدف إلى القضاء على مقاتليها الذين “يتصدون للجيش الإسرائيلي”، الذي كثف من اقتحاماته لمدن الضفة الغربية منذ أكثر من عام.

وتجادل السلطة الفلسطينية بأنها التي وفرت الحماية والأمن للفلسطينيين منذ سنوات طويلة، واليوم تريد التصدي لمحاولات الفصائل تحويل مخيم جنين إلى منطقة خارجة عن سلطة الدولة.

وتريد من أفراد الفصائل التعاون مع الأجهزة الأمنية وتسليم أنفسهم بهدف “حقن الدماء وأن يعيش الجميع بسلام حتى لا تستخدم إسرائيل ما يحدث في المخيم ذريعة لمواصلة استهداف سكانه المدنيين.” ونقلت قناة “آي نيوز 24” عن مسؤول كبير في السلطة الفلسطينية قوله إن رئيس السلطة محمود عباس “وجه تعليماته لقوات الأمن بضرورة تحقيق السيطرة الكاملة على معسكر جنين، والقيام بذلك بأي ثمن.”

◙ عملية قتل قائد كتيبة جنين بدأت بعد مفاوضات طويلة طلب فيها من المسلحين إلقاء أسلحتهم، فرفضوا

ونقلت عن المسؤول قوله إن “عملية قتل قائد كتيبة جنين بدأت بعد مفاوضات طويلة طُلب فيها من المسلحين إلقاء أسلحتهم، فرفضوا.” وأوضحت أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تنوي التعليق على الموضوع. وتتم متابعة الأحداث عن كثب، لأنه حدث كبير الحجم، فلأكثر من عقد من الزمن لم تدخل الأجهزة إلى مخيم جنين للاجئين لمثل هذه الأهداف.

ويرى متابعون أن السلطة تجاهلت سابقا الحالة الأمنية بمخيم جنين ومناطق أخرى بالضفة، لكنها اليوم تحت المجهر الأميركي والإسرائيلي وسط ضغوط للسيطرة على المخيم، وعادة ما كانت تقوم باعتقالات محدودة وتنتهي العملية لكنها هذه المرة تأخذ العملية شكلا أكثر تصعيدا.

وقتل فتى متأثرا بإصابته برصاص أجهزة أمن السلطة في جنين، خلال حملتها المتواصلة على المدينة والمخيم، وذلك بعد ساعات على اغتيال القيادي في كتيبة جنين يزيد جعايصة بنيران السلطة. وذكرت مصادر محلية أن الفتى محمد عماد العامر، قتل متأثرا بإصابته الخطيرة برصاص أجهزة السلطة في جنين، فيما أطلقت الأجهزة الأمنية الرصاص الحي بشكل عشوائي على منازل المواطنين في المدينة، ما أدى إلى إصابة عدد منهم وصفت جروح بعضهم بالخطيرة.

وأعلنت حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 وتتمتع بحضور قوي في الضفة الغربية، في بيان أن القتيل هو “الشهيد القائد يزيد جعايصة الذي ارتقى برصاص أجهزة السلطة في جنين، بعد أيام قليلة على إعدام الفتى ربحي الشلبي” الذي يبلغ 19 عاما من العمر. وأقرت السلطة الفلسطينية الخميس الماضي بمسؤوليتها عن مقتل الشلبي في جنين.

وقالت وسائل إعلام فلسطينية محلية إن جعايصة كان عضوا في سرايا القدس، الجناح المسلح لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، والتي تنشط بشكل خاص في منطقة جنين. وتعتبر مدينة ومخيم جنين للاجئين معقلا للفصائل الفلسطينية المسلحة التي تقدم نفسها كمقاومة أكثر فعالية للاحتلال الإسرائيلي على النقيض من السلطة الفلسطينية.

ونعت الجهاد الإسلامي في بيان جعايصة، مؤكدة أن “استمرار أجهزة السلطة بهذا النهج المشين.. يدق ناقوس الخطر، ويؤجج خلافات داخلية نحن في غنى عنها.” وأظهرت مقاطع فيديو عددا من عناصر الأمن الفلسطيني المسلحين ومركبات مدرعة يقومون بدوريات في مدينة جنين وقرب المخيم يوم السبت بينما كان إطلاق النار يتردد في المكان.

وفي وقت سابق، قال الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب إن الأجهزة الأمنية بدأت فجر السبت بتنفيذ خطوات جديدة في إطار جهودها المستمرة لـ”حفظ الأمن والسلم الأهلي، وبسط سيادة القانون، وقطع دابر الفتنة والفوضى في مخيم جنين.” وأضاف رجب في بيان نقلته وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، أن “هدف هذه الجهود استعادة مخيم جنين من سطوة الخارجين على القانون الذين نغصوا على المواطن حياته اليومية وسلبوه حقه في تلقي الخدمات العامة بحرية وأمان”.

واعتبر أن الأجهزة الأمنية “اتخذت كافة التدابير والإجراءات التي تجنب المواطن أي تداعيات من شأنها أن تمس بحياته أو تؤثر على سير الحياة الطبيعية في مدينة جنين ومخيمها.” وقال إن الأجهزة الأمنية “تمكنت من إحباط كارثة في مخيم جنين، وذلك بالسيطرة على مركبة مفخخة أعدها الخارجون على القانون.”

وتصاعدت التوترات منذ اعتقال السلطة الفلسطينية لنشطاء في وقت سابق من هذا الشهر. وتضاف هذه الاشتباكات إلى العنف المتزايد في الضفة الغربية، مع تزايد الغارات والمداهمات العسكرية الإسرائيلية وهجمات المستوطنين منذ بدء حرب غزة في أكتوبر 2023.

ودعت سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى “إعلان يوم غضب والمشاركة في تظاهرة شعبية تحت عنوان ‘دم الشهداء يوحدنا والعدو يتربص بنا'." وفي الخامس من ديسمبر تصاعدت التوترات في جنين بعد أن استولى مسلحون على سيارتين تابعتين للسلطة الفلسطينية وساروا في المخيم ملوحين بأعلام حركة الجهاد الإسلامي.

من جانبه، طالب تجمع المؤسسات الحقوقية “حرية” بوقف استخدام أجهزة السلطة في الضفة الغربية للقوة المميتة بشكل فوري، وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، معربا عن إدانته لحالات القتل التي تمت على أيدي هذه الأجهزة. وقال التجمع في بيان له “إننا ندين استخدام القوة المميتة والمفرطة من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ومخيماتها من خلال حملات أمنية ذات طابع سياسي أدت إلى سقوط ضحايا أبرياء."

ورصد التجمع في التاسع من الشهر الجاري مقتل الشاب ربحي الشلبي في مخيم جنين خلال حملة مداهمة أمنية، وبحسب المشاهد التي وثقت الحادث، فإن الضحية لم يشكل أي خطر على عناصر الأجهزة الأمنية، وإطلاق النار عليه وطريقة نقل جثمان الضحية المهينة غير مبررين. وعبّر التجمع الحقوقي عن خشيته إزاء هذه العمليات الأمنية "التي تعتمد القوة المفرطة، والتي تتم بغطاء سياسي مشابه لما جرى في حالة إعدام الناشط السياسي الفلسطيني نزار بنات."

كما دعت الفصائل القوى الوطنية وكل مكونات الشعب الفلسطيني ومؤسساته القانونية والحقوقية إلى اتخاذ "موقف حاسم أمام ما تقوم به أجهزة السلطة وخاصة في جنين وعموم الضفة الغربية، والضغط الجاد عليها لوضع حد لهذه التجاوزات الخطيرة التي تهدد نسيجنا الوطني واستقرارنا المجتمعي."

2