عملية عسكرية في جنين: إسرائيل تقرر التعامل مع الضفة بالنهج نفسه المتّبع مع غزة

التصعيد يسلط الضوء على إخفاق السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على الضفة الغربية.
الثلاثاء 2023/07/04
القادم أسوأ

جنين (الضفة الغربية)- رجحت مصادر أن تستمر العملية العسكرية التي أطلقتها إسرائيل الإثنين في جنين أياما وليس مجرد ساعات، وهو ما يعني أن حكومة بنيامين نتنياهو قررت التعامل مع الضفة الغربية بالنهج نفسه المتبع مع غزة.

 وقال مصدر مطلع إن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى 24 ساعة أخرى على الأقل لاستكمال العملية التي بدأت في مدينة جنين بالضفة الغربية في الساعات الأولى من صباح الاثنين.

ورفض الجيش الإسرائيلي تحديد الوقت الذي ستستغرقه العملية، واكتفى بالقول “قد تستغرق أكثر من يوم والقوات ستبقى طالما كان ذلك ضروريا”.

وشنت القوات الإسرائيلية الاثنين ضربة بطائرات مسيرة ونفذت مداهمات واسعة على مدينة جنين خلال واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي تنفذها في الضفة الغربية منذ عشرين عاما، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل.

أيمن الرقب: المقاومة الفلسطينية تساعد على توحش إسرائيل
أيمن الرقب: المقاومة الفلسطينية تساعد على توحش إسرائيل

وشارك في العملية المئات من الجنود وأدت إلى وقوع تبادل لإطلاق النار استمر إلى فترة ما بعد ظهر الإثنين.

وتردد دوي إطلاق النار وانفجارات في أنحاء المدينة لعدة ساعات بعد الهجوم فيما حلقت طائرات مسيرة على ارتفاع منخفض. وقالت كتيبة جنين، التي تضم فصائل مسلحة مختلفة تتمركز في مخيم اللاجئين الكبير بالمدينة، إنها تخوض اشتباكات مع القوات الإسرائيلية وأسقطت طائرة مسيرة.

ووصف سائق سيارة إسعاف فلسطيني ما يجري في مخيم اللاجئين بأنه “حرب حقيقية”. وأضاف أن ضربات من الجو تستهدف المخيم وتدخل إلى المنطقة حوالي خمس إلى سبع عربات إسعاف في كل مرة وتعود محملة بالمصابين.

وخلال ساعات الصباح شوهدت ست طائرات مسيرة على الأقل تحلق فوق المدينة والمخيم المكتظ بالسكان، حيث يضم حوالي 14 ألف نسمة في أقل من نصف كيلومتر مربع.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب لـ”العرب” إن “مخيم جنين لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر مربع ويحاصره الاحتلال بأكثر من ألف جندي وعشرات المسيرات، ويمكن أن تستمر العملية عدة أيام لتؤكد حكومة نتنياهو المرتبكة أنها قادرة على الردع، ومن غير المستبعد أن تطال الضربات الجوية مناطق فلسطينية أخرى في الضفة الغربية بعد الانتهاء من عملية جنين الحالية”.

ولفت الرقب إلى أن “المقاومة الفلسطينية تساعد على توحش إسرائيل واتجاهها نحو تكثيف ضرباتها بعد أن رفعت شعار ‘توحيد الساحات’ دون أن تطبقه على الأرض وتركت مدينة جنين تواجه بمفردها هجمات متتالية”.

ويثير هذا العنف مخاوف متزايدة في واشنطن والعالم العربي، مع عدم فتح طريق حتى الآن أمام استئناف المفاوضات السياسية التي توقفت منذ ما يقارب عقدا من الزمان.

ومنذ أكثر من عام أصبحت مداهمات الجيش الإسرائيلي لمدن مثل جنين من الأمور المتكررة، كما وقعت سلسلة من الهجمات شنها فلسطينيون ضد إسرائيليين، ووقعت كذلك اعتداءات على قرى فلسطينية من قبل حشود من المستوطنين اليهود.

وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته قصفت بناية تُتخذ مركز قيادة لمسلحين من كتيبة جنين، في إطار ما وصفه بجهود مكثفة لمكافحة الإرهاب في الضفة الغربية تهدف إلى تدمير البنية التحتية ومنع المسلحين من استخدام مخيم اللاجئين كقاعدة انطلاق.

وقالت بلدية جنين إنه مع تقدم العملية العسكرية الإسرائيلية قامت جرافات مدرعة بتجريف الطرق في المخيم مما أدى إلى قطع إمدادات المياه في المدينة. وقال سكان إن الجنود يقتحمون المنازل عبر الجدران ليعبروا من منزل إلى منزل.

◙ القوات الإسرائيلية شنت ضربة بطائرات مسيرة ونفذت مداهمات واسعة على مدينة جنين خلال واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي تنفذها في الضفة الغربية منذ عشرين عاما

وقال أحد المصابين وهو يعالج من جروحه في المستشفى “ليس هناك مكان آمن في المخيم”، وتساءل عن ذنب المخيم وسكانه في هذا الدمار الذي أضاف أنه شمل تجريف الطرق والهدم.

وقال متحدث عسكري إن عملية الاثنين، التي شاركت فيها قوة وصفت بأنها “بحجم لواء” أو ما يتراوح بين ألف وألفي جندي تقريبا، تهدف إلى المساعدة على “كسر مفهوم الملاذ الآمن في هذا المخيم، الذي أصبح عشا للدبابير”.

وسلط نطاق الهجوم الضوء على أهمية مخيم جنين وكشف عن إخفاق السلطة الفلسطينية في فرض سيطرتها على بلدات ومدن في الضفة الغربية.

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الاثنين، الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية كافة، لاجتماع طارئ عقب العملية العسكرية المستمرة للجيش الإسرائيلي في جنين في الضفة الغربية.

ووجه عباس في مستهل ترؤّسه اجتماعا طارئا للقيادة الفلسطينية في مدينة رام الله “تحية إكبار واعتزاز بأبناء وبنات شعبنا الفلسطيني العظيم الذين يواجهون ببطولاتهم العدوان اليومي لجيش الاحتلال الإسرائيلي وإرهاب قطعان المستوطنين”.

وقرر محمود عباس تعليق الاتصال والتعاون الأمني مع إسرائيل.

وأطلق فلسطينيون في الضفة صواريخ لأول مرة تجاه مدن إسرائيلية، وهو ما يمثل خطورة بالغة لقرب المستوطنات والمدن الإسرائيلية الكبرى من الضفة الغربية، ولذلك لجأت تل أبيب إلى تفعيل الاغتيالات جوا على غرار غزة.

ويوجد في المخيم المئات من المسلحين المنتمين إلى فصائل، منها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجهاد الإسلامي وفتح. وأقيم المخيم قبل 70 عاما لإيواء اللاجئين في أعقاب حرب فلسطين عام 1948.

وقال الجيش الإسرائيلي إن المبنى المستهدف كان بمثابة “مركز مراقبة واستطلاع متقدم” وموقعا للأسلحة والمتفجرات وكذلك مركز تنسيق واتصالات للمقاتلين الفلسطينيين.

أحمد فؤاد أنور: السعي للتعامل مع الضفة بالنهج نفسه المتبع مع غزة لن يكسر شوكة المقاومة
أحمد فؤاد أنور: السعي للتعامل مع الضفة بالنهج نفسه المتبع مع غزة لن يكسر شوكة المقاومة

وأضاف أنه صادر قاذفة صواريخ بدائية الصنع وأصاب منشأة لإنتاج الأسلحة وتخزين المتفجرات.

ولم يتضح ما إذا كانت العملية ستثير ردا أوسع من قبل الفصائل الفلسطينية، بمن في ذلك الجماعات المسلحة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.

وقال صالح العاروري، الذي تتهمه إسرائيل بقيادة الجناح العسكري لحركة حماس في الضفة الغربية، لتلفزيون الأقصى إن على المقاتلين في جنين محاولة أسر جنود إسرائيليين.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن القوات “تراقب عن كثب سلوك أعدائنا”. وتابع “المؤسسة الدفاعية جاهزة لجميع السيناريوهات”.

وفي أعقاب آخر مداهمة كبيرة في جنين خلال يونيو الماضي قتل مسلحون فلسطينيون أربعة إسرائيليين بالقرب من مستوطنة يهودية في الضفة الغربية أثناء هجوم أدى إلى مهاجمة حشود من المستوطنين لقرى وبلدات فلسطينية.

وأوضح الخبير في الشؤون العبرية أحمد فؤاد أنور لـ”العرب” أن “حكومة نتنياهو تسعى لترميم صورتها النمطية كقوة قادرة دوما على الردع”، لافتا إلى أن “ما يحدث في جنين يعيد إلى الأذهان ما تعرضت له إسرائيل من مطبات عام 2002 وقابلته بمذابح مروعة”.

وذكر فؤاد أنور أن البعض من قادة الاحتجاجات ضد الحكومة اليمينية المتطرفة ربطوا بين توقيت عملية جنين وبين فشل المفاوضات الساعية إلى إيجاد حل لما يسميه نتنياهو إصلاحا قضائيا بينما يسميه معارضوه انقلابا دكتاتوريا.

وأشار لـ”العرب إلى أن “الحكومة الإسرائيلية اختارت أن تشن عملية جنين في اليوم نفسه الذي كان مقررا فيه مسبقا أن تقوم الحركة الاحتجاجية بشل حركة السفر من وإلى مطار بن غوريون”.

وشدد فؤاد أنور على أن “السعي للتعامل مع الضفة بالنهج نفسه المتبع مع غزة لن يكسر شوكة المقاومة، ونتنياهو ووزير دفاعه غالانت لن ينجحا في ما فشل فيه أرييل شارون ووزير دفاعه شاؤول موفاز من قبل، وغير مُتوقع أن تتواصل العملية العسكرية فترةً طويلة”.

1