عملية طوفان الأقصى وما بعدها

شنت الفصائل الفلسطينية المسلحة في غزة عملية عسكرية ضد إسرائيل سميت بطوفان الأقصى، جاءت ردا على الاعتداءات المستمرة لقوى الاحتلال على الفلسطينيين، وكانت مفاجأة كبيرة لإسرائيل لكونها أضخم عمل عسكري يواجهها منذ حرب تشرين عام 1973.
وقد تسببت في تصعيد خطير بين الطرفين، وأعادت إلى الأذهان المخاوف بشأن الوضع الهش في المنطقة. خصوصا وأن إسرائيل قد ردت على هذه العملية بقصف قطاع غزة بوابل من الصواريخ ما أدى إلى مقتل المئات وإصابة الآلاف وتدمير واسع في البنية التحتية فأصبح الفلسطينيون المتضرر الأكبر، ويتعرض سكان غزة للقتل الجماعي.
ليس من المرجح أن يقوم حزب الله أو الفصائل الولائية الأخرى بأي عمل عسكري ضد إسرائيل لنصرة الفصائل الفلسطينية أو لتخفيف الضغط الهجومي عن غزة، إلا إذا تعرض النظام الإيراني للخطر. ويشكل التعرض الحالي تحديا كبيرا لإسرائيل ولن تكتفي بالضربات الجوية كما كانت تفعل بعد كل عملية فدائية استهدفتها، بل ستقوم بعمليات برية واسعة في غزة في محاولة لاجتياحها ستكبدها خسائر كبيرة، إضافة إلى المجازفة بقتل أسراها.
◙ الكثير من مشاريع الترانسفير المشابهة جربتها إسرائيل وباءت بالفشل. ومازالت الحكومات الإسرائيلية تضيق الخناق على الفلسطينيين بالحصار أو بالعنف والقتل
إن هذه العملية النوعية من حيث التوقيت وحجم الخسائر تعد ضربة قاسية لبنيامين نتنياهو أيضا الذي قال عنها “إن اليوم هو يوم أسود”، وهو الذي وعد الإسرائيليين بتوفير الأمن وقمع حركات المقاومة الفلسطينية.
وبهذا الصدد صرح نمرود نوفيك كبير مستشاري البيت الأبيض السابق قائلا “إن الحدث المروع الذي شاهدناه يدل على فشل نتنياهو الذي تبنى تعزيز سيطرة حماس على غزة، لإضعاف السلطة الفلسطينية، خشية أن تظهر كشريك قابل للحياة في المفاوضات، وهو أمر كان نتنياهو مصمما على تجنبه”.
لقد سعى نتنياهو على الدوام لتقويض اتفاقيات أوسلو، وأي مشروع يدعو إلى قيام دولة فلسطينية رغم تظاهره بالموافقة على الاتفاقية في البداية. وفي جهوده الرامية إلى ضمان عدم حصول الفلسطينيين على دولة، حرص نتنياهو على إضعاف محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الذي كان مستعدا للتفاوض، في حين عمل على تقوية حماس، التي تعهدت بتدمير إسرائيل.
ولكن ما الذي سيجري بعد هذه العملية التي سميت بطوفان الأقصى؟ وما هي مشاريع إسرائيل تجاه الفلسطينيين في غزة أو الضفة الغربية؟
إذا ما استعرضنا مسيرة السلام الفلسطينية – الإسرائيلية نجد أن عملية اغتيال إسحاق رابين تعني انتصار كل من يعارض عملية أوسلو لأي سبب كان.
بعد فترة حكم شمعون بيريز، توالى على المنصب ثلاثة رؤساء وزراء خلفوا بعضهم بعضا، عارضوا عملية أوسلو منذ اليوم الأول. بنيامين نتنياهو جمد العملية بذرائع مختلفة، وإيهود باراك أكملها، وكان على أرييل شارون مهمة تنفيذ ما كان سيصبح البديل لعملية أوسلو.
ويتلخص مشروع أرييل شارون بترحيل الفلسطينيين إلى الأردن ليكون الدولة الفلسطينية البديلة. ولتنفيذ هذا المشروع ينبغي تضييق العيش على الفلسطينيين حتى يقرروا من تلقاء أنفسهم الهجرة إلى خارج أرضهم. وعند تعذر ذلك، فلا بد من إيجاد أي وسيلة أخرى لإبعادهم عن أرض فلسطين.
◙ نتنياهو سعى على الدوام لتقويض اتفاقيات أوسلو، وأي مشروع يدعو إلى قيام دولة فلسطينية رغم تظاهره بالموافقة على الاتفاقية في البداية
اليوم يجري استخدام نفس المشاريع الفاشلة لترحيل الفلسطينيين. والآن يقول نتنياهو سنغير خارطة الشرق الأوسط. ونسمع أخبارا عن مشروع ترحيل أو طرد الفلسطينيين من غزة، وإقامة وطن بديل لهم في شبه جزيرة سيناء المصرية. هذا المشروع ليس جديدا بل طرح سابقا ورفضه الإجماع الفلسطيني والمصري على حد سواء.
الكثير من مشاريع الترانسفير المشابهة جربتها إسرائيل وباءت بالفشل. ومازالت الحكومات الإسرائيلية تضيق الخناق على الفلسطينيين بالحصار أو بالعنف والقتل أو بالاعتقال لتحقيق هذا الهدف دون جدوى.
وبقي الفلسطينيون يتمسكون بأرضهم على الدوام، وقضيتهم تتجدد على مر الأيام.
على الإسرائيليين أن يتخلوا عن أوهامهم ويسلكوا السبيل الوحيد لتحقيق السلام مع الفلسطينيين في حل الدولتين، القابلتين للعيش، وبعكسه سنشهد المزيد من العنف والعنف المضاد، مع المزيد من الآلام.