عملية برخان تثير نقاشات فرنسية حول جدوى التدخل في المستنقع المالي

بعد مقتل جنود في مالي.. الفرنسيون لا يدعمون التدخل العسكري في منطقة الساحل.
الخميس 2021/01/14
تقييم إعلامي وسياسي تفرضه الخسائر في مالي

باريس – للمرة الأولى منذ بدء عملية سيرفال في يناير 2013 والتي حلت عملية برخان محلها في 2014، كشف استطلاع للرأي أن نصف الفرنسيين (51 في المئة) لا يدعمون التدخل العسكري في مالي.

وأوضح استطلاع لايفوب، نشر الاثنين، أن 49 في المئة فقط من المستطلعة آراؤهم لا يزالون يؤيدون العملية مقابل 73 في المئة في فبراير 2013 و58 في المئة نهاية 2019.

وتنتشر قوة برخان الفرنسية التي ارتفع عديدها عام 2020 إلى 5100 جندي مع تعزيزها بـ600 عنصر، في خمس دول من منطقة الساحل حيث تواجه جماعات جهادية إلى جانب قوة من مجموعة دول الساحل الخمس تضم جنودا من موريتانيا وتشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وأثار مقتل خمسة جنود فرنسيين في مالي في الآونة الأخيرة نقاشا ساخنا حول أكبر عملية عسكرية فرنسية في الخارج، وارتفعت المزيد من الأصوات في فرنسا متسائلة عن مدى فائدة التدخل العسكري المستمر في منطقة الساحل منذ ثمانية أعوام، فيما تبحث السلطات إمكان التخفيف منه.

وبمقتل الجنود الخمسة ارتفع عدد الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا في منطقة الساحل منذ 2013 في عمليّتي سيرفال وبرخان المناهضتين للجهاديين، إلى خمسين جنديا بينهم امرأة.

ورغم أن استطلاع الرأي أجري بعد بضعة أيام فقط من الخسائر الفرنسية في المنطقة وما أثارته من مشاعر، فإنه يعكس تنامي نفاد الصبر سواء في البرلمان أو لدى وسائل الإعلام الفرنسية.

وفي هذا السياق، عنونت صحيفة لوموند افتتاحيتها الأربعاء "فرنسا تواجه المستنقع المالي"، معتبرة أن العمليات التي نفذت في الساحل "كفت بالتأكيد أيدي العديد من القادة الجهاديين، لكنها لم تحل دون تصاعد العنف بحق المدنيين وتحقيق اختراقات للإسلاميين في مالي".

ورأى باستيان لاشو النائب عن حزب "فرنسا المتمردة" اليساري أن "الكلفة البشرية والمالية للعملية لا تقاس بالفوائد التي تجنيها"، مؤكدا أن "أي اعتداء على الأراضي الفرنسية لم يتم تدبيره من منطقة الساحل الصحراوية".

وقال النائب المنتمي إلى الأكثرية الرئاسية توما غاسيو إن "قواتنا تقوم بعمل استثنائي، ولكن إذا كانت قوة برخان قادرة على كسب معارك، فإن مسؤولية كسب الحرب لا تعود إليها وحدها"، آملا أن تبادر دول الساحل إلى المزيد من المشاركة.

تقليص الجنود

الفرنسيون يرفضون تقديم المزيد من التضحيات
الفرنسيون يرفضون تقديم المزيد من التضحيات 

قرر الرئيس الفرنسي ونظراؤه في مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد)، في قمة بو (جنوب فرنسا) في يناير 2020، تكثيف مكافحة الجهاديين للقضاء على دوامة العنف.

ومذاك، حققت برخان انتصارات تكتيكية لا ريب فيها إلى جانب جيوش محلية أكثر استنفارا، وخصوصا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى في المنطقة التي تتقاطع فيها الحدود بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

لكن السلطات المركزية في الدول المذكورة، وهي بين الأفقر في العالم، تواجه صعوبات كبيرة في حماية هذه المناطق النائية وتقديم حد أدنى من الخدمات إلى سكانها، في المقابل توفر جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الجماعة الجهادية الأخرى الناشطة في المنطقة، خيارات بديلة للسكان المحليين على صعيد الخدمات الأساسية أملا في استقطابهم، وباتت أخيرا الهدف الرئيسي للعمليات العسكرية الفرنسية والمالية.

وتستعد وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي للدفاع الأربعاء أمام مجلس الشيوخ عما حققته قوة برخان، متوقعة سيلا من الأسئلة عن مستقبل العملية الفرنسية، بعدما تحدثت أمام الجمعية الوطنية الثلاثاء الفائت.

وقالت بارلي "هدفنا أن تملك القوات المسلحة في الساحل القدرة على ضمان الأمن هناك"، لكنها "استراتيجية تستدعي جهودا بعيدة المدى"، مع تنديدها بمحاولات عدة لتشويه صورة ما تقوم به فرنسا.

واتهمت الوزيرة الفرنسية تركيا وروسيا بشنّ "نوع من الحرب الإعلامية"، إضافة إلى الجهاديين، وقالت إن هيئة الأركان الفرنسية تشتبه في أن هذه الأطراف تقف وراء شائعة سرت أخيرا عن عدم كفاءة الجيش الفرنسي، سرعان ما تم نفيها.

وتحتدم كل هذه النقاشات في وقت يحل زمن الخيارات الصعبة بالنسبة إلى الحكومة، التي تسعى إلى دعم الجنود الفرنسيين بقوات أوروبية بهدف تجنب اتساع نفوذ الجهاديين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في 2022.

ويتوقع أن تؤكد قمة جديدة في نجامينا منتصف فبراير انسحاب 600 جندي فرنسي أرسلوا قبل عام، تمهيدا لوصول القوات الأوروبية.

والأربعاء، قال الكولونيل رافاييل برنار الضابط الرفيع السابق في برخان أمام جمعية صحافيي الدفاع "اليوم (الأربعاء)، يجب أن تشهد برخان تحولا".

وأضاف "ليس المقصود الانسحاب، بل المضي نحو تقليص وجودنا على الأرض مع تأمين أدوات تشكل قيمة مضافة للجيوش المحلية، مثل الاستخبارات والطائرات المسيرة والضربات والتحرك الجوي، بحيث ندعمها بأي وسيلة وفي أي مكان".