عمليات التنقيب عن الآثار لا تشبه أفلام ومسلسلات إنديانا جونز

كشف علم الآثار الكثير عن ماضي الإنسانية وساهم في سد الفجوات المجهولة عن التاريخ البشري وتطوره، ومازال يقوم بدوره بشكل كبير في استعادة التراث وإعادة تصور شامل لرحلة الإنسان وتقلب الحضارات، لكن العمل في الآثار والتنقيب تغير بشكل كبير مع انتشار التكنولوجيا وتغير الواقع الاجتماعي وحتى ما يطلبه الأفراد من هذه الكنوز التاريخية القديمة.
أليكسيا أنجليلوبولو / تاكيس تسافوس
أثينا - عندما يخطر على تفكيرك علماء الآثار، قد يتبادر إلى ذهنك سلسلة أفلام ومسلسلات إنديانا جونز، التي تدور حول المغامرات المثيرة للباحثين عن الآثار وعن الكنوز الفنية المدفونة في باطن الأرض، غير أن عمليات التنقيب عن الآثار في الوقت الحالي، تتطلب استخدام الكثير من أدوات التكنولوجيا والقليل من المغامرات، على الرغم من أن هذا المجال لا يزال يتطلب البحث عن المواقع الأثرية المخفية منذ زمن طويل، ولا يزال يعج بالمغامرين والباحثين عن الغنائم.
وربما يكون العالم القديم أكثر حضورا في اليونان مقارنة بأي مكان آخر، غير أن أعمال الكشف عنه أصبحت تستخدم أحدث الوسائل.
تغير أساليب العمل
فعلماء الآثار الذين يحفرون في منطقة من الأرض، يستخدمون أحدث التقنيات ويستفيدون من صور الأقمار الاصطناعية، وتسجيل المجموعات الضخمة التي يتم العثور عليها رقميا، وهم يراودهم الأمل على الدوام في اكتشاف المزيد من القطع الأثرية.
ومن هنا يصبح هذا العمل بالتأكيد أكثر صعوبة وأشد مدعاة للحذر، مما توحي به أفلام إنديانا جونز.
عمليات التنقيب عن الآثار في الوقت الحالي تتطلب استخدام الكثير من أدوات التكنولوجيا والقليل من المغامرات
كما أن هذا العمل شهد تغيرا كبيرا خلال 150 عاما مضت، فمثلا منذ قرن ونصف القرن صدرت تعليمات لاثنين من علماء الآثار الألمان، كانا متجهين إلى اليونان تدعوهم إلى أخذ أمتعة قليلة للغاية، و22 دراخمة يوميا لتغطية نفقات الطعام والانتقال بالقطار والخيل.
وفي القرن التاسع عشر كان هذا النوع من النصائح، يقدم في الكثير من الأحيان للمسافرين الأثرياء، المهتمين باستكشاف خبايا العالم القديم.
ومن بين أولئك الرحالة عالم الآثار والمهندس المعماري الألماني الشهير فيلهلم دوربفيلد، الذي اهتم بالبحث والتنقيب عن المواقع الأثرية في منطقة أولمبيا القديمة وطروادة، ثم أصبح مديرا لمعهد الآثار الألماني بأثينا خلال الفترة من 1887 إلى 1912.
وتدير المعهد حاليا كاتيا سبورن ومقره مبنى مقام على الطراز المعماري الكلاسيكي الجديد، والكائن في شارع فيدياس الذي يتنفس التاريخ، ويضم المعهد مكتبة بها حوالي 90 ألف كتاب، ومكتبة صور بها نحو 150 ألف صورة تغطي 150 عاما مضت.
وتقول سبورن وهي عالمة آثار متخصصة، إن “الناس يهتمون بشكل كبير بالآثار”، وتضيف أنه “بعد تراجع الاهتمام بها بشكل مؤقت زاد مرة أخرى خلال الأعوام الأخيرة”.
وتوضح أن الناس يبحثون هذه الأيام عن معلومات جديدة عن الماضي القديم، وتقول “نحن مهتمون اليوم بالربط بين الأشياء، ففي الماضي اعتدنا أن نسأل عن مكانة معبد البارثينون فيما يتعلق بتطوير تصنيف المباني أو علاقته بالنحت، أم تساؤلنا اليوم فيتعلق بالوظيفة الفعلية التي يؤديها”.
وتضيف سبورن إن “الزوار وعلماء الآثار يهتمون في الوقت الحالي، بالسياق الذي بني فيه المعبد والأهمية السياسية التي يمثلها، وما الذي كان يفعله الناس وقتذاك فيه. كما غير الباحثون في هذا المجال، المنهاج الذي كانوا يتبعونه”.
وتقول سبورن “كان الهدف في الماضي يتمثل في تسليط الضوء، على أكبر عدد ممكن من الآثار والنصب التذكارية بأسرع ما يمكن، أما اليوم فنحن نحفر ببطء وبعناية ونوثق كل خطوة بدقة”.
وتنوه إلى الأهمية البالغة لترك مناطق دون أن تمس، حتى يتمكن علماء الآثار في المستقبل، من العمل فيها باستخدام وسائل لم يتم اختراعها بعد.
وتؤكد سبورن أن علماء الآثار اليونانيين ينظرون، بكل تقدير إلى التعاون مع معاهد الآثار في الخارج، مشيرة إلى وجود 19 معهدا دوليا للآثار في اليونان، من بينها معهد من الولايات المتحدة وواحد من فرنسا وآخر من بريطانيا إلى جانب المعهد الألماني.
التشارك في التنقيب
من ناحية أخرى يؤكد كوستاس باشاليديس رئيس جمعية علماء الآثار اليونانيين، أن “معهد الآثار الألماني أدى مهاما كبيرة على مدى عمره البالغ 150 عاما”.
الكثيرون يسألون: هل ما تزال هناك الكثير من الآثار التي لم تكتشف بعد؟ وهو سؤال يجعل علماء الآثار يضحكون
كما أشادت عالمة الآثار اليونانية إيليني ستيليانو بدور المعهد الألماني، وقالت إنه جزء لا يتجزأ من العمل اليومي لعلماء الآثار في اليونان، وقالت إن “عدد القطع الأثرية كبير للغاية، لدرجة أننا لا نستطيع القيام بهذا العمل بمفردنا”.
وأضافت إن الزملاء من الخارج يجلبون معهم خبرة واسعة، كما يتمتعون أيضا بطرق منهجية حديثة في البحث، وتابعت “يعتمد التعاون بيننا على الأخذ والعطاء، فيجد الخبراء الأجانب هنا آثارا غير موجودة في بلادهم، ونحن نستفيد من خبراتهم وعملهم ومن التزام المعاهد الأجنبية بالدعم المالي”.
ومثل الكثير من المعاهد الأخرى لدى المعهد الألماني فرق متعددة التخصصات بما في ذلك علماء الجيولوجيا والأحياء والنباتات القديمة وعلماء الأحياء القديمة وعلماء الاجتماع وبالطبع علماء الكمبيوتر.
وهم يستخدمون تقنيات لم يستطع أسلافهم حتى أن يحلموا بها، من الطائرات إلى الطائرات المسيرة والأقمار الاصطناعية.
وتضمن مشروع حديث استخدام أشعة الليزر لمسح مساحة تبلغ نحو 150 كيلومتر مربع في وادي نهر كيفيسوس بجبال بارناسوس من الجو، وتقول سبورن إنه يمكن استخدام النتائج إزالة الغطاء النباتي في المنطقة رقميا على سبيل المثال، واكتشاف شكل سطح الأرض.
ويبقى السؤال: هل لا يزال هناك الكثير من الآثار التي لم تكتشف بعد؟ السؤال يجعل علماء الآثار يضحكون، وترد سبورن قائلة “نعم بالطبع، وعلى سبيل المثال مازلنا نبحث في أولمبيا عن مضمار سباق الخيل، وهو المضمار الذي وصفه كاتب الرحلات اليوناني بوسانياس بالتفصيل في عام 150 ميلادية بالتقريب، غير أن مكانه لم يكتشف حتى اليوم، وفي حالة العثور عليه سيكون اكتشافا كبيرا”.