عملة مزيفة تغزو الأسواق تثير جدلا في ليبيا

طرابلس – أحدث إعلان مصرف ليبيا المركزي عن وجود عملة محلية من فئة 50 دينارا مجهولة المصدر يجري تداولها في الأسواق وتخضع حاليا لإجراءات التحقيق من قبل مكتب النائب العام، بلبلة في الشارع الليبي، خاصة في تبادلات الأسواق العامة والمحلات التجارية.
وكشف المركزي في بيان، عن وجود 3 إصدارات متداولة في الأسواق من فئة 50 دينارا، أحدها صادر عن "مركزي طرابلس" وآخر عن "مركزي بنغازي" وثالث مجهول المصدر.
كما أكد أن فئة الـ50 دينارا مجهولة المصدر تخضع حاليا لإجراءات التحقيق من قبل مكتب النائب العام، مشيرا إلى أنه سيتم سحب هذه الفئة خوفا من ارتفاع معدلات التزوير وتعذّر تمييزها بين المواطنين، وكذلك لإحداثها ضررا جسيما بالاقتصاد ولاستخدامها في أنشطة غير مشروعة.
وطلب محافظ المصرف الصديق الكبير، من البرلمان، منحه الموافقة على قرار سحب فئة 50 دينار من التداول، لافتا إلى أنّه سيتم قبول وإيداع هذه الفئة وفقا للضوابط والإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وسيتم الإعلان عن ضوابط آلية السحب لاحقا.
ولم يصدر أي تعليق من البرلمان عن طلب مصرف ليبيا المركزي، لكن الحكومة أسامة حماد المكلفة من مجلس النواب رفضت سحب العملة المتداولة، مبرّرة قرارها بأنّ سحب العملات لا بدّ أن يسبقها تنبيه وفترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر وهو ما لم يحصل.
وقالت الحكومة في بيان إنه بشأن المعلومات الواردة من الجهات المختصة، حول اللغط والتخبط الدائر بين الناس في كل المدن الليبية، فيما يخص تداول العملة الليبية فئة 50 دينار، وذلك بسب الكتاب الموجه من محافظ مصرف ليبيا المركزي لأعضاء اللجنة المالية بمحلس النواب، والذي يشير فيه إلى دراسة سحب فئه الخمسين دينار بمختلف إصداراتها من التداول .
وأوضح بيان الحكومة، أن ما يحدث الآن من قيام بعض المحلات والمراكز التجارية برفض قبول هذه الفئة من العملة، فإن هذا الأمر يجرمه القانون .
وأكدت الحكومة أن قرار إصدار فئات العملة وسحبها من التداول، هي وفقًا للتشريعات النافذة وقانون المصارف من اختصاص محافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه، ولا بد أن تصدر بموافقتهم جميعا، ولا بد أن يسبق سحب العملة تنبيه وفترة زمنية لا تقل عن 6 أشهر حتى تسحب نهائيا، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
وأشار البيان، إلى أن المعلومات المتداولة بين المواطنين حاليًا ليس لها أساس قانوني، ووفقا للتشريعات النافذة، وشددت الحكومة على أن رفض العملة المتداولة قانونا يعد جريمة معاقب عليها قانون العقوبات الليبي.
وبدوره، حذر جهاز البحث الجنائي ببنغازي، جميع الأشخاص والأنشطة التجارية رفض تداول أو التعامل بالعملة الورقية فئة 50 دينارا.
وشدد الجهاز على ضرورة عدم الانخراط وراء هذه الظاهرة، مؤكدًا أنه ستتخذ الإجراءات القانونية ضد كل من يرفض التعامل بهذه الفئة من العملة الليبية.
وأكد جهاز البحث الجنائي أن هذه الفئة مقبولة لدى جميع المصارف وأن رفض التداول بالعملة المحلية يعد جريمة يعاقب عليها القانون الليبي وفقا لقانون العقوبات المادة (476).
وأكد الجهاز حرصه على مواجهة أي تصرفات أو إجراءات يكون من شأنها المساس باقتصاد الدولة الليبية.
وأشار الجهاز إلى أنه لوحظ في الآونة الأخيرة بعض أصحاب الأنشطة التجارية والأسواق العامة رفضهم تداول أو التعامل بالعملة الورقية فئة 50 دينار.
وكان مجلس النواب الليبي قد أقال في نوفمبر 2022 محافظ مصرف ليبيا المركزي ببنغازي علي الحبري من منصبه وذلك بعد تجدد الخلاف بين محافظي المصرفين واتهامات متبادلة بشأن تزوير فئة من العملة الليبية المتداولة حاليا.
وأظهرت مراسلات متداولة بين مصرف ليبيا المركزي وجهات تنفيذية وتشريعية نيّته سحب عملة الخمسين دينارا من السوق، بعد رصد أوراق مزورة منها في الآونة الأخيرة.
وأحال المصرف إلى النيابة العامة عينات منها تحمل توقيع نائب المحافظ على الحبري، ومختلفة في مواصفاتها عن العملة المطبوعة في روسيا لحساب المركزي في بنغازي.
وتسببت العملة التي طبعت في روسيا من قبل مصرف بنغازي المركزي خلال فترة حكومتي فايز السراج وعبدالله الثني، والتي شهدت انقساما كاملا للمصرفين، في مشكلات كثيرة وإرباك كبير في المعاملات المالية بين الفرعين الشرقي والغربي على مدى السنوات الماضية، بسبب رفض مركزي طرابلس الاعتراف بها وتسلم أي مبالغ مالية من فئة الـ50 دينارا التي طبعت في موسكو حتى يومنا هذا.
وكان المصرف المركزي في بنغازي طبع خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2018 نحو 10.8 مليار دينار ليبي (2.5 مليار دولار تقريبا)، سلمت على دفعات إلى حكومة عبدالله الثني في الشرق الليبي خلال ذلك الوقت، ولا تزال هذه العملية التي اعتبرها مركزي طرابلس مخالفة وغير قانونية، تتسبب في مشكلات وخلافات إدارية بين الطرفين.
وليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن تداول عملة مزيفة في السوق الليبية من فئة 50 دينارا، وهي الفئة الأكبر بين الفئات الأخرى في العملة الليبية خلال العام الحالي، إذ سبق للسلطات الأمنية في بنغازي أن ضبطت شخصا سوداني الجنسية متورطا في توزيع عملة مزورة من هذه الفئة على محال تجارية في المدينة خلال يوليو 2022.
وأرجع أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية عادل المقرحي في تصريح لموقع "بوابة الوسط" المشكلة إلى حالة الانقسام السياسي التي تعاني منها البلاد، وأثرت بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي، مؤكدا أن العملة المزورة ساهمت في زيادة الجرائم الاقتصادية مثل "غسل الأموال" و"التهريب".
ونبه المقرحي إلى مخاوف المواطنين على مدخراتهم في المصارف، ما ظهر في زيادة عمليات سحب الودائع أخيرا، مشددا على أن حل المشكلة يكمن في تعزيز الرقابة على النقود المعروضة، وذلك كوسيلة وأداة رئيسية لإدارة الاقتصاد.
واقترح مدير مركز "أويا" للدراسات الاقتصادية أحمد أبولسين إلغاء العملة من التداول للسيطرة على عرض النقود خارج القطاع المصرفي، داعيا إلى وضع آلية لمعالجة أوضاع المواطنين الذين وقعوا ضحية للعملة المزورة.
ونقل الموقع عن أبولسين، قوله إن سحب تلك الفئة حاليا خطوة في الاتجاه الصحيح لتخفيض عرض النقود، متسائلا "هل يعوض حاملها بدفع مقابل نقدي؟ التعويض يعني أن عرض النقود خارج القطاع المصرفي سوف يبقي على ما هو عليه وتستمر معاناة المصارف من شحة السيولة النقدية".
ومن جانبه، أكد المحلل المالي سليمان الشحومي حجم المتداول من العملة المزورة في السوق غير معروف، ولكن يبدو أنه مؤثر، ما يمثل "تهديدا حقيقيا لقيمة العملة الوطنية".
وأضاف أن هناك عمليات واسعة لغسل الأموال والتهريب تجري في السوق الليبي، موضحا أن هذه الفئة من العملة، التي صدرت من قبل مصرف ليبيا المركزي فرع بنغازي خلال فترة الانقسام، ليست مدرجة ضمن حسابات الإصدار وغير ظاهرة ضمن بيانات عرض النقود بالمصرف المركزي حتى الآن.
وحسب بيانات صادرة عن المصرف المركزي العام الماضي، فقد ارتفعت قيمة العملة المتداولة خارج القطاع المصرفي خلال النصف الأول من العام 2023 لتصل إلى 34 مليار دينار.