عمان تحاول الموازنة بين توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام والالتزام بالقيم

خروج عدد من المنابر من المشهد الإعلامي يكشف صعوبة الوضع المهني.
الاثنين 2024/09/02
سباق وتطوير

يحاول "ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي" في عمان الوقوف على أبرز الأمور الحيوية لتطوير الإعلام المحلي وفقا لأدوات الذكاء الاصطناعي وأسوة بالمنابر العالمية، مبرزا في نفس الوقت نقاط الضعف التي تعيق هذه المهمة.

مسقط - ركز “ملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي” في مدينة صلالة العمانية على أهمية توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في صناعة محتوى إعلامي رقمي متطوِّر، مع الالتزام بالقيم الأخلاقية، في مسعى لتطوير وسائل الإعلام المحلية وجذب الجمهور والمعلنين بعد أن سجلت تجارب إعلامية رقمية فشلها بسبب عدم قدرتها على الحصول على تمويل.

ويحمل الملتقى كما جرت العادة في المؤتمرات والملتقيات الإعلامية عناوين عريضة وأهدافا كبيرة في حين أن التنفيذ والتطبيق على أرض الواقع يبقى التحدي الأكبر، إذ غالبا ما تبقى مخرجات المؤتمرات حبيسة الأدراج ويجري تداولها بصيغ أخرى في الملتقيات التالية.

ووفق القائمين على الملتقى الذي نظمته جريدة الرؤية العمانية، تهدف أعماله إلى تسليط الضوء على مستقبل الإعلام العُماني في عصر الذكاء الاصطناعي واستعراض مدى تأثير تقنيات هذه التكنولوجيا على صناعة المحتوى بمهنية ومصداقية وحيادية واستقلالية تحريرية، إضافة إلى تهيئة النقاش أمام المشاركين لبحث إمكانية تأطير جُملة ضوابط أخلاقية لممارسات الذكاء الاصطناعي في الفضاء الإعلامي والضوابط التشريعية والقانونية المُحدِّدة لها، ومتطلبات المواكبة من حيث تطوير المهارات والكفاءات، وتوسيع دائرة المعرفة وتعزيز الفهم الجيد والتوظيف المثالي للذكاء الاصطناعي في كافة الممارسات الإعلامية.

وسبق أن أطلقت صحيفة الرؤية المحلية قبل سنوات إذاعة رقمية متكاملة، ومنصة شبابية إعلامية لكن لم يكتب لهاتين التجربتين النجاح، لغياب المردود المادي الناتج عن عدم مواكبة المؤسسات والشركات المُعلنة والداعمة للمتغيرات والتطورات الرقمية، بحسب ما أكد حاتم بن حمد الطائي رئيس تحرير الصحيفة.

تحد آخر يضاف إلى قائمة التحديات التي تعيق مسيرة التطور الإعلامي العماني وهو الارتقاء بالكوادر الوطنية

ولفت الطائي أمين عام الملتقى إلى أن الإعلام العُماني مرّ بجُملة من التحديات الهائلة تسببت في خروج عدد من الوسائل من المشهد الإعلامي، نتيجة لغياب المورد المالي، وضعف المردود الاقتصادي، تزامنا مع تراجع كبير في الاشتراكات الشهرية والسنوية، وانخفاض شديد في الإعلانات التي تمثل مصدر الدخل الأول لوسائل الإعلام.

وتطرق إلى تحد آخر يُضاف إلى قائمة التحديات التي تعيق مسيرة التطور الإعلامي والدفع بالتحوُّل الرقمي نحو آفاق أرحب، ألا وهو “الارتقاء بالكوادر الوطنية العاملة في هذه المهنة الحيوية والمُهمة للغاية”.

وأشار إلى قضية ضعف التمويل والدعم، وربما في بعض الأحيان عدم توافر البيئة الجاذبة أو الحاضنة، حيث إن عملية تأهيل وتطوير مهارات الصحافيين، تستلزم تقديم تسهيلات من جهات أخرى، تُساعد الشباب على أداء مهامهم الصحفية والإعلامية، منها تقديم المعلومات المطلوبة في التحقيقات الصحفية، والحصول على تصريحات من المسؤولين والمعنيين، والسماح للصحافيين والمصورين بالتصوير على أرض الواقع، خاصة في المشاريع الوطنية الكبيرة.

ويبدو أن غياب دعم الشركات الاقتصادية الكبرى للإعلام المحلي وعدم اهتمامها بتغطية نشاطاتها في المنصات المحلية، يعيقان تطويره ويزيدان في ابتعاده من دائرة التأثير.

ونوه الطائي بأن عددا كبيرا من المؤسسات الحكومية الكبرى والشركات العملاقة تكشف عن مشروعات واعدة للغاية وداعمة لمسيرة النمو الاقتصادي، وتعقد مؤتمرات دولية في مسقط، لكن للأسف تغيب عنها دعوة وسائل الإعلام للتغطية، وتقديم محتوى مُميَّز يُضاهي ما نراه في الدول الأخرى التي نزورها.

وتابع أن من شأن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في التحرير الصحفي والعمل الإعلامي، أن يساعد في التدقيق اللغوي، وفي الوقت الحالي هناك عدد من المنصات العربية المتخصصة التي تسعى للتميز في هذا الجانب، رغم ما عليها من ملاحظات تحريرية، يمكن للصحافيين والمحررين أن يُعالجوها بطريقة أكثر احترافية من الذكاء الاصطناعي.

وناقش الملتقى أهمية الإعلام الجديد والعصر الرقمي في العصر الحديث وتأثير التكنولوجيا على وسائل الإعلام التقليدية والتغييرات التي سببتها في عمليات الإنتاج والتوزيع واستهداف الجمهور. كما تناول التحولات في مواقع التواصل الاجتماعي ودورها الحيوي في تشكيل الرأي العام ونقل الأخبار بسرعة وفعالية.

وقدمت عائشة بنت حمد الدرمكية، عضو مكتب مجلس الدولة والأستاذ المساعد بالجامعة العربية المفتوحة، الكلمة الرئيسية لأعمال الملتقى حول “التشريعات والأخلاقيات.. مُتطلبات المواكبة المنضبطة”، وقالت إن منذ أن بدأ الاهتمام بالذكاء الاصطناعي منذ العقدين الماضيين، وهو يؤثِّر في تسريع التطورات والتغييرات التنموية في المجتمعات، والتي أسهمت في تحسين كفاءة الأعمال ورفع الأداء الاقتصادي.

ويشير تقرير “حدود الذكاء الاصطناعي.. نمذجة تأثير الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد العالمي” إلى أن من المتوقّع أن “الذكاء الاصطناعي سيعزِّز الاقتصاد العالمي بنحو 14 في المئة بحلول عام 2030، أي ما يقارب 15.7 تريليون دولار أميركي، ومن المتوقّع أن تتبنى 70 في المئة من الشركات تقنيات الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030”.

وأضافت الدرمكية أن ازدهار تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العام 2022، مع دخول “شات.جي.بي.تي” واستثمار شركة مايكروسوفت 10 مليارات دولار في الشركة الأم Open AI، جعل تطبيقات “شات.جي.بي.تي” في كافة مناحي الحياة اليومية، وعكس الأمر توقعات لنمو الإيرادات العالمية في سوق الذكاء الاصطناعي من ناحية، وزيادة خطورة تطبيقاته الواسعة خاصة على حقوق الملكية الفكرية، والإعلام، والحياة الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى التحديات التي تواجهها المجتمعات في المجالات الأمنية ومحاربة الجريمة وغيرها.

غياب دعم الشركات الاقتصادية الكبرى للإعلام المحلي وعدم اهتمامها بتغطية نشاطاتها في المنصات المحلية، يعيقان تطويره ويزيدان في ابتعاده من دائرة التأثير

وعلى الرغم من الفوائد العديدة والمنافع واسعة النطاق التي يوفرِّها الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقاته في الإبداع والابتكار، إلّا أن هناك مخاطر وتحديات متزايدة خاصة في ما يتعلّق بحقوق الإنسان والحريات والقيم والمبادئ الأخلاقية وبالثقافة المجتمعية والهويات الوطنية التي تجب المحافظة عليها وحمايتها ورعايتها، ولهذا من الضروري وجود سياسات ضابطة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وتنظيم الوسائل الكنولوجية الخاصة به، وإيجاد أُطر تنظيمية تعزِّز الاستفادة من تلك التطبيقات وتعظِّم قيمتها المضافة من ناحية، وتدفعها إلى احترام معايير القيم الأخلاقية المحلية والإقليمية، وحماية الثقافات وخصوصياتها من ناحية أخرى.

وتحقيقا لهذه الأهداف بدأ التنظيم القانوني لتطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من المبادئ الأساسية الإرشادية، حيث أصدر المجلس الأوروبي في العام 2018 “المبادئ التوجيهية الأخلاقية لذكاء اصطناعي جدير بالثقة”، وبعدها نشرت الحكومة اليابانية في العام 2019 “المبادئ الاجتماعية للذكاء الاصطناعي”.

أما على المستوى العربي، فإن دخول الذكاء الاصطناعي بتطبيقاته الواسعة أدى إلى بروز العديد من التحديات والإشكالات خاصة في ظل الفراغ التشريعي الكبير، إلّا أن هناك تجارب عربية حاولت إيجاد منظومة تشريعية أو على الأقل لوائح وتنظيمات وسياسات ناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، منها تجربة الإمارات بإنشاء وزارة للذكاء الاصطناعي، وإنشاء مختبر للتشريعات التي ستسهم في ضبط مستجدات الذكاء الاصطناعي والسيارات ذاتية القيادة، وتجربة السعودية في إنشاء هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي، ومصر التي أنشأت المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي الذي يتبع مجلس الوزارة باسم “المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي”، كما أنشأ الأردن وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة.

ونوهت الدرمكية بأنه رغم تلك الجهود لم نشهد إلى اليوم أيا من القوانين العربية الناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ولم يتم الإعلان عن أي تشريع عربي صريح يُعنى بذلك، سوى تلك التعديلات في القوانين المعمول بها، وإدخال بعض المواد الضابطة بحسب المجالات المختلفة، وفي سلطنة عُمان تم إنشاء “البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة” في العام 2020، باعتباره أحد البرامج التنفيذية للبرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي، بغية تشجيع تبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وتوطينها، وإعداد إستراتيجية خاصة به بالاستفادة من إستراتيجيات دولية عدة.

وأوضحت أن من بين أهداف هذا البرنامج الوطني إعداد السياسات والتشريعات الناظمة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن أن تكون مساندة للقوانين والتشريعات الحالية المتعلقة بالتطبيقات التقنية والرقمية، والتي تمثل الأطر الناظمة لتلك التطبيقات.

5