عمال البناء في العراق يحاولون التكيف مع حرارة لا تطاق في غياب مظلة قانونية تحميهم

دعوات لإعادة التفكير في ممارسات العمل وضمانات أفضل في مجال البناء ومجالات العمل الأخرى على نطاق أوسع.
الأربعاء 2023/08/09
يكافح الحرارة برشة مياه في غياب آليات حماية

بغداد - تحت درجة حرارة يمكن أن تتجاوز 50 مئوية، لطالما شكلت مواقع البناء في العراق أماكن خطرة للعمل في الصيف، إذ يجد العمال صعوبات في التعامل مع القراميد والحجارة التي تكون شديدة الحرارة بحيث يستحيل لمسها ويمكن أن تتسبب في حروق. ويصاب البعض بالإغماء ويسقطون من المباني.

وتتزايد المخاطر في بلد وضعته الأمم المتحدة في المرتبة الخامسة بين أكثر البلدان عرضة للتأثر بتغير المناخ، مما أدى إلى انطلاق دعوات لإعادة التفكير في ممارسات العمل وضمانات أفضل في مجال البناء ومجالات العمل الأخرى على نطاق أوسع.

12

عاملا بين البصرة وبغداد بات من المعتاد بالنسبة إليهم رؤية زملائهم يصابون بالإغماء في مواقع البناء

وقال سجاد الزاملي، وهو رجل في منتصف العمر يرتدي قبعة لحمايته من الشمس فيما كان يعمل في مجمع سكني مترامي الأطراف في مدينة البصرة جنوب العراق، “هذه مرمرة (حجر تغليف من المرمر) لا تستطيع مسكها ساخنة.. بسبب درجة الحرارة المرتفعة بعد الساعة التاسعة صباحا ترى العامل هذا يقع، الثاني يفقد الوعي، ويحدث لديه هبوط بالضغط بسبب شدة الحرارة”.

وأضاف متحدثا عن الواقع الاقتصادي في بلد يبلغ معدل البطالة الرسمي فيه 16 في المئة “هو إذا ما يعمل لا يستطيع العيش”.

ويتمتع القطاع بازدهار بفضل موجة من الاستقرار النسبي بعد عقود من الصراع، فضلا عن الاستثمار الذي يحركه ارتفاع أسعار النفط. لكن حرارة الصيف المرتفعة تجعل العمل أكثر صعوبة بالنسبة إلى مئات الآلاف من العاملين في مجال البناء.

وفرضت دول أخرى في المنطقة، ولاسيما السعودية والإمارات، منذ فترة طويلة استراحة في منتصف النهار لتجنب العمل تحت أشعة الشمس المباشرة من الظهيرة حتى الساعة الثالثة مساء.

وينتقد مراقبون مثل هذه الأوضاع في العراق ويقولون إن إجراءات الحماية من هذا القبيل محدودة، إن وجدت أصلا، وتُطبّق بصورة فضفاضة. ويجري تشغيل العديد من العمال بشكل غير رسمي، مما لا يترك لهم سوى القليل من الضمانات القانونية.

وقال نصير علي حسين، معاون مدير قسم التفتيش في وزارة العمل، إن العراق ليست لديه لوائح خاصة تتعلق بحرارة الجو وإنه من الممكن إعادة النظر في تحديث الأطر القانونية. لكنه أشار إلى أن القانون يلزم أصحاب العمل بضمان سلامة العمال على نطاق واسع.

وأضاف أن الوزارة لم تتلق أيّ شكاوى رسمية من العمال تتعلق بارتفاع درجات الحرارة، مضيفا أن العراقيين ربما أصبحوا معتادين على درجات الحرارة المرتفعة في بلد تعتبر 45 درجة مئوية فيه طبيعية في الصيف.

واعتبر أكثر من 12 عاملا بين البصرة وبغداد أنه أصبح من المعتاد بالنسبة إليهم رؤية زملائهم يصابون بالإغماء في مواقع البناء، بل ورؤيتهم وهم يسقطون من المباني عندما ترتفع الحرارة بشدة.

وعندما أمرت السلطات في البصرة موظفي القطاع العام بالبقاء في منازلهم مؤخرا عندما ارتفعت الحرارة فوق الخمسين درجة مئوية، استمر العمل في موقع البناء الذي يعمل فيه الزاملي.

وقالت مها قطّاع، ممثلة منظمة العمل الدولية في العراق، إنه يتعين على السلطات تعزيز اللوائح المتعلقة بالحرارة والرقابة للحفاظ على سلامة العمال.

وأضافت نقلا عن بيانات وزارة العمل أن العراق سجل نحو 4000 إصابة مرتبطة بالعمل في عام 2022. لكنها قالت إن هذا العدد من المحتمل أن يكون أقل بكثير من العدد الحقيقي، لكن لم يتضح كم من هذه الحالات مرتبط بالحرارة.

وأوضحت “هذا النوع من الإصابات سيزداد بزيادة مطردة نظرا لازدياد درجات الحرارة في العراق. الإبلاغ ليس كل شيء. الإبلاغ جيد لكن ما هي الإجراءات بعد الإبلاغ؟ كيف سيجري التعامل مع هذه الحالات وكيف سيتم تعويض العمال. اليوم العامل الذي يعمل بشكل غير منظم، غير مسجل وليس لديه ضمان اجتماعي، ليس لديه ضمان صحي، اليوم إذا تأثر بحالة إصابة عمل ناتجة عن زيادة درجة الحرارة من سيتكفل بتعويضه؟”.

وتوقف إبراهيم مهدي، الذي يعمل في موقع بناء في بغداد، ليرتشف جرعة من الماء وهو يحكي موقفا صعبا وقع في اليوم السابق. رأى بعينيه زميله يصاب بالإغماء ويسقط من مبنى ويتهشم رأسه.

وقال إن توفير الحماية واجب على الشركات وأرباب العمل، لأن من هم في مثل ظروفه يحتاجون إلى العمل بغض النظر عن الظروف. وأضاف “لديّ عائلة تحتاج إلى معيل (من يعولها)، تأكل وتشرب… يجب عليّ أن أعمل لأن معاش من الدولة ما عندي (لا أحصل على معاش من الدولة)”.

ومضى قائلا “نعم مضطر لو درجة الحرارة 70 أعمل، يجب أن أعمل من أكعد لا نأكل ولا نشرب (إذا لم أعمل فلن أجد الطعام ولا الشراب)”.

3