عمالقة البنوك يتسابقون لحجز أعمالهم في الرياض

الاعتماد على المواهب وتوفر المناخ الملائم محددان مهمان لتوسع المؤسسات المصرفية العالمية.
السبت 2024/05/04
التحول إلى مركز للأعمال ليس ببعيد

يراقب المحللون باهتمام السباق العالمي بين كبار القطاع المصرفي لتأسيس أعمالهم في العاصمة السعودية الرياض التي تطمح لأن تكون مركزا للأعمال بنهاية العقد الحالي لمنافسة دبي المركز الرئيسي الأكبر للشركات الدولية في الشرق الأوسط.

الرياض - شرع دويتشه بنك، أحد أبرز المؤسسات المصرفية في العالم، إلى حجز معقد له في السوق السعودية مستفيدا من مبادرة نقل المقرات التي أطلقتها الحكومة السعودية ويشرف على تنفيذها بشكل مباشر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وعندما أعاد البنك الشهر الماضي رئيسه التنفيذي السابق بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا جمال الكشي إلى منصبه، كلفه بأن يكون مشرفا على أعماله هذه المرة من مدينة الرياض، التي تعد أقل بريقا من جارتها الخليجية دبي.

ويأتي ذلك بينما يقوم أكبر البنوك الألمانية بزيادة عدد موظفيه في العاصمة السعودية، وهي واحدة من الأماكن القليلة على مستوى العالم التي يفعل فيها ذلك، حيث تعكس التغييرات أن المدينة بدأت تبرز تدريجيا كمركز مالي.

ومن خلال اتباع نهج “العصا والجزرة”، سهّلت السعودية على الشركات الأجنبية ممارسة نشاطها، لكن قانونا جديدا أصدرته يجبرها على إنشاء مقرات رئيسية في البلاد أو المخاطرة بخسارة أعمالها مع الكيانات الحكومية التي لديها قيمة مالية كبيرة بفضل النفط.

مي نصرالله: نستطيع أن نعتبر السعودية عملاقا نائما، استيقظ أخيرا
مي نصرالله: نستطيع أن نعتبر السعودية عملاقا نائما، استيقظ أخيرا

وتهدف الخطوة إلى جذب الشركات من مراكز مالية دولية مثل هونغ كونغ، وسنغافورة، وخاصة من دبي المجاورة.

ويقول مصرفيون إن الضغط السعودي للتوسع يتجاوز القانون الجديد، فخلال المناقشات، يحاول المسؤولون باستمرار معرفة خطط الشركات لقضاء المزيد من الوقت في البلاد أو توسيع المقرات الحالية.

ويترافق ذلك مع عروض سعودية لتسريع إصدار التراخيص لمن يلتزمون بالعيش مع أسرهم في الرياض.

وتكللت هذه الجهود بالنجاح جزئيا، حيث أنشأ عدد قليل من البنوك الدولية مقرات إقليمية في الرياض، رغم أن الاتجاه واضح.

وافتتحت روتشيلد آند كو مؤخرا مكتبها الجديد في المركز المالي بالرياض وقيمته 10 مليارات دولار، متعهدة بنقل المصرفيين إليه من دبي وأماكن أخرى.

كما وصلت مستويات التوظيف في البنك الاستثماري التابع لأتش.أس.بي.سي هولدينغز وفي بنك الاستثمار الأميركي جي.بي مورغان إلى مستويات مماثلة لدبي، بحسب مسؤولين في كلا البنكين.

وفي الوقت نفسه، اختارت شركة لازارد للخدمات المالية الرياض قاعدة رئيسية لوحدتها الاستشارية الإقليمية. وأنشأت شركة الخدمات المالية الأميركية نورثرن ترست كورب العام الماضي مقرها الإقليمي هناك أيضا.

ورغم مآخذ بعض المغتربين في بلد يكثر فيه حراك المسؤولين وغالبا ما يتخذون قرارات هامة في الليل ويتوقعون حضور المصرفيين ما إن تعن لهم فكرة مفاجئة أو رغبة عارضة، إلا أن أيا من ذلك لم يكن كافيا لإبطاء وتيرة الاندفاع نحو الرياض.

وحصلت مي نصرالله المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات المتخصصة دينوفو بارتنرز على ترخيص مؤقت لتأسيس نشاطها محلياً في الآونة الأخيرة.

وتقول لوكالة بلومبيرغ “تستطيع أن تعتبر السعودية عملاقا نائما، استيقظ أخيرا بقدر كبير من الطاقة المكبوتة ويسعى جاهداً للحاق بمن حوله والتفوق عليه”.

وتضيف “ثمة ضغوط كثيرة بشكل خاص على الشركات والمؤسسات الدولية لإقامة مقراتها الإقليمية مع وعد بفوائد اقتصادية كبيرة لها، مثل منح عقود كبيرة ومربحة للشركة التي تمتثل”.

وتعتقد نصرالله أن السعودية مع مرور الوقت ستسد الفجوة بينها وبين المراكز المالية الأخرى، ولكن “يظل التحدي قائماً حتى الآن؛ إذ أن البنية التحتية الشاملة والنظام البيئي المحيط بها لم يصلا بعد إلى نفس مستوى المراكز المالية الأخرى”.

فرع جديد

وأشارت إلى النقص في السكن والتعليم والخدمات باعتباره التحدي الرئيسي، الذي يواجه الأسر الراغبة في الانتقال إلى الرياض، وكذلك ندرة المواهب المحلية بالنسبة للشركات الدولية التي تتوسع.

ومع مواجهة الاقتصادات الأوروبية والآسيوية قدرا أكبر من عدم اليقين، فإن التأسيس في الرياض يسمح للبنوك بالاقتراب من بعض الكيانات الأكثر تعطشا للصفقات في العالم، بما في ذلك صندوق الثروة السعودي الذي يضخ مليارات الدولارات لتنويع محفظته.

ويقول المصرفيون إن الرسوم التي يمكن تحصيلها في السعودية وكذلك في بقية منطقة الخليج ما تزال أقل من التوقعات نظراً لحجم الاقتصاد والصفقات.

وفي بعض الطروحات السعودية الأخيرة، كانت الرسوم قليلة مما يمكن كسبه في أماكن أخرى. فمثلا، دفعت شركة لوبريف ذراع أرامكو للزيوت 22.67 مليون دولار أو 1.7 في المئة كرسوم مقابل إدراج بلغ 1.3 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية.

وفي الولايات المتحدة، يمكن أن يصل متوسط الرسوم إلى خمسة أضعاف ذلك تقريبا. وهذا يعني أن ازدهار الصفقات السعودية لم يُترجم دائما إلى رسوم كبيرة للبنوك.

وتظل كيفية تفسير قانون المقرات الإقليمية مفتوحة للمناقشة بالنسبة للبنوك الدولية. ويرى البعض أن القانون ليس مخصصا لهم في بادئ الأمر بقدر ما هو للشركات متعددة الجنسيات مثل شركات التصنيع العالمية.

وتعمل وزارة الاستثمار والبنوك مع شركة باين آند كو الاستشارية لتبسيط العملية أو حل أي غموض بخصوص مسألة المقر الإقليمي.

وتخطو الرياض بعض الخطوات في بناء مستشفيات عالية الجودة وغيرها من مرافق البنية التحتية، رغم أنها ليست واسعة النطاق مثل العواصم المالية البارزة في أماكن أخرى.

كما يكثر قادة الأعمال السعوديون في مطالبهم من المصرفيين الذين يتعاملون معهم. وقال أحد المصرفيين المقيمين في دبي، وطلب عدم ذكر اسمه لتتسنى له مناقشة مسائل تجارية خاصة، إن “موكله السعودي حذره من أنه إذا لم يستقر في المملكة، فسيتخلى عن خدماته”.

وفي حين قال دويتشه بنك إن الكشي وهو مواطن سعودي سيتوجه بانتظام إلى دبي، بل وأوروبا، فقد أكد على أهمية وجود عمليات في الرياض.

كما يؤدي الوجود الكبير على الأرض إلى تكوين علاقات طويلة الأمد مع أشخاص يمكن أن يصبحوا يوما ما قادة كبارا.

وتعقد بنوك مثل جي.بي مورغان وأتش.أس.بي.سي التي تعمل منذ عقود بالبلد الخليجي، فعاليات سنوية للخريجين تجتذب السعوديين الذين أصبحوا مسؤولين مهمين في بعض أكبر الهيئات الحكومية.

ورغم توسع البنوك العالمية في الرياض، لكنها تعتمد بشدة على الاستعانة بالمواهب المحلية لأن العديد من المغتربين مازالوا مترددين في الانتقال إلى السعودية.

الشركات التي لا تمتثل لشرط المقر الرئيسي تخاطر بخسارة أعمالها مع الكيانات الحكومية ذات القيمة المالية الكبيرة

ويواصل كبار المصرفيين الأجانب التنقل بين دبي والرياض لتجنب الانتقال إلى هناك. كما باتت الرحلات الجوية بين المدينتين أكثر كلفة، وغالبا ما تُحجز قبل أسابيع، مما يجبرهم على السفر على الدرجة الاقتصادية بدلا من درجة رجال الأعمال على الطائرات.

ويتعين على البنوك الأميركية والأوروبية أيضا أن توازن بدقة بين الرياض ودبي وحتى أبوظبي، حيث تخوض جميعها سباقا لجذب الشركات المالية.

وما تزال دبي مهيمنة كونها المركز المالي الأكبر في الشرق الأوسط، بينما الصناديق السيادية في أبوظبي هي عامل جذب رئيسي. وقد يضر الاندفاع نحو مركز إقليمي واحد على حساب آخر بإقامة البنوك الاستثمارية علاقات طويلة المدى.

ومؤخرا، حصلت شركة بلاك روك الأميركية لإدارة الأصول على نحو 5 مليارات دولار من صندوق الثروة السعودي، للاستثمار في الشرق الأوسط وبناء فريق استثماري مقره الرياض.

ومن خلال وجود أسماء كبيرة متجذرة بقوة في مراكزها المالية، تسعى السعودية أيضا إلى اكتساب نفوذ أكبر في عالم التمويل الضخم، وتوسيع أسواق رأس المال، وجذب الأموال الأجنبية، والتأكيد على أهمية المملكة.

ولكن إحجام العديد من الأجانب عن العيش لفترة طويلة في الرياض على الرغم من احتمال الحصول على رواتب أعلى ما يزال يقوض جهود الحكومة لجذب الاستثمار الأجنبي.

كما أن المنافسين الإقليميين للسعودية لم يقفوا مكتوفي الأيدي. فقد كثفت أبوظبي جهودها لجذب الشركات المالية، وتعزز شركات ذات ثقل، منها مورغان ستانلي ودويتشه بنك وجي.بي مورغان وروتشيلد أعمالها هناك.

وفي خضم ذلك تظل دبي المكان المناسب للعديد من المتخصصين الماليين الذين يشيدون بالمجموعة الواسعة من المطاعم والسلامة في المدينة وشبكة الخطوط الجوية التي تربطها ببقية العالم.

ويقول ألكسندر فون تسور موهلين، عضو مجلس إدارة دويتشه بنك والرئيس التنفيذي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وألمانيا “تحدث أمور كثيرة في السعودية يقلل الناس من شأنها”.

وأضاف “خلاصة القول هي سواء كان ذلك في السعودية أو في مكان آخر، فنحن محليون للغاية (نخدم المنطقة التي نوجد فيها). لكن هذا لا يعني أن الأمر سهل”.

11