عمالة الأطفال في تونس تتفاقم بشكل مقلق

دعت وزارة المرأة والأسرة والطفولة في تونس إلى ضرورة تكاتف الجهود من أجل التقليص من تنامي ظاهرة عمالة الأطفال، مشيرة إلى ارتفاع عدد الإشعارات الواردة عليها في الغرض. وشهدت السنوات التي تلت ثورة يناير 2011 انتشارا واسعا لظواهر باتت تقلق التونسيين منها ظاهرة تشغيل القصر في سن مبكرة.
تونس- باتت ظاهرة عمالة الأطفال تنتشر بشكل مروّع في شوارع تونس العاصمة وحتى في بقية المدن والأرياف التونسيّة، ما يشير إلى قصور القوانين الحالية عن حماية الأطفال وردع عدد من الأسر التي تجبر أبناءها القصر على اقتحام سوق العمل في سن صغيرة.
ومست ظاهرة عمالة الأطفال في تونس بالخصوص محافظات الجنوب والشمال الغربي والوسط الغربي.
وتشير تقارير عدد من الجمعيات والمنظمات الدولية والمحلية إلى تصاعد مقلق في معدلات استغلال الأطفال في سوق العمل في تونس بشكل غير قانوني خلال السنوات الأخيرة، وذلك في ظل غياب الرقابة وعدم تطبيق القانون بسبب الأوضاع غير المستقرة التي شهدتها البلاد بعد الثورة.

~ المشرع التونسي عمل بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011 على منع عمالة الأطفال عبر ترسانة من التشريعات من أهمها قانون الاتجار بالبشر
وأفادت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بأنّ عدد الإشعارات المتعلّقة بتعريض الطفل للتسوّل واستغلاله اقتصاديا بلغ 441 إشعارا خلال سنة 2020 و392 إشعارا سنة 2021، وفقا لمخرجات التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس لسنتيْ 2020 و2021 الذي تمّ تقديمه ونشره مؤخرا.
كما كشف المخطط الوطني لمكافحة عمالة الأطفال في تونس عن تنوع المجالات والقطاعات ذات التشغيلية الكبيرة للأطفال وتفاوتها بحسب الجهات والمناطق، ومنها أساسا امتهان بعض الأطفال المتواجدين بالأوساط الريفية للأعمال الفلاحية واليدوية كجني الزيتون ورعاية الماشية مقابل لجوء غيرهم من الأطفال القاطنين بالوسط الحضري أو شبه الحضري إلى أعمال أخرى كتجميع القوارير البلاستيكية، وغسل السيارات وتنظيفها، وبيع التبغ أو التسول والعمل المنزلي والعمل لدى ورشات الميكانيك والنجارة.
كما يتم استقطاب بعض الأطفال القاطنين بالمناطق الحدودية إلى بؤر التهريب والتجارة الممنوعة واستدراجهم إلى القيام بشتى أعمال التهريب. وتتنوع أنماط وأشكال عمالة الأطفال بحسب الجنس وتشتغل البنات بالأعمال المنزلية.
لذلك، دعت وزارة المرأة مختلف الشركاء والمتدخّلين في مجال الطفولة من هياكل حكومية ومنظّمات وطنية ومكوّنات المجتمع المدني ووسائل الإعلام إلى محاصرة هذه الممارسات والتصدي لها والالتزام بواجب الإشعار عن التجاوزات سواء عن طريق الرقم الأخضر للوزارة (1899) أو لدى المكاتب الجهوية لمندوبي حماية الطفولة.
وجدّدت الوزارة، في بيان لها، التزامها القويّ بتنفيذ التعهّدات الدولية للدولة التونسية، مؤكّدة العزم الثابت على المضي قدما في مقاومة عمل الأطفال وتجنيبهم مختلف أوجه الاستغلال الاقتصادي والقضاء على المخاطر المحدقة بهم على غرار الإهمال والتشرّد وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر لما لها من آثار مدمرة لذات الطفل المعنوية والفكرية والجسدية.
وتشارك تونس المجتمع الدولي والمجموعة الوطنية الاحتفال باليوم العالمي لمقاومة عمل الأطفال الموافق للثاني عشر من يونيو من كلّ عام والذي أقرته منظّمة العمل الدولية سنة 2002 بهدف جلب الاهتمام وتركيزه على مدى استفحال ظاهرة تشغيل الأطفال حول العالم.ولفتت الوزارة إلى أنّ تونس تعمل على تكريس هذه الخيارات الاستراتيجية من خلال آليات الحماية والرعاية والتوعية والتثقيف والتدريب وتكريس مبدأ المشاركة والحوار ونشر ثقافة حقوق الطفل والتعريف بمصالحه الفضلى وفقا لمبادئ وأهداف الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل وعبر مصادقتها على اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 لسنة 1973 المتعلقة بالحدّ الأدنى لسنّ الاستخدام والاتفاقية رقم 182 لسنة 1999 بشأن حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال.
وأكّدت الوزارة الالتزام بحماية الطفولة وإعلاء المصلحة الفضلى للطفل، مبرزة أنّ تشغيل الأطفال واستخدامهم يشكل جريمة يعاقب عليها القانون وتهديدا ملمّا بالطفل على معنى أحكام الفصل 20 من مجلة حماية الطفل والأحكام الحمائية والزجرية الواردة بمجلة الشغل والقانون الأساسي عدد 61 لسنة 2016 المتعلق بالاتجار بالأشخاص والقانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة.
وعمل المشرع التونسي بعد ثورة الرابع عشر من يناير 2011 على منع عمالة الأطفال عبر ترسانة من التشريعات من أهمها قانون الاتجار بالبشر الصادر في الثالث من أغسطس 2016 والذي أقر بمنع الاستغلال الاقتصادي أو الجنسي للأطفال بمناسبة تشغيلهم ولكن دون عرض وضعيات مفصّلة.
~ عدد الإشعارات المتعلقة بتعريض الطفل للتسول واستغلاله اقتصاديا بلغ 833 إشعارا خلال سنتي 2020 و2021
كما أقر القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الصادر في الحادي عشر من أغسطس 2017 في الفصل 20 بأنه “يعاقب بالسجن من 3 أشهر إلى 6 أشهر وبخطية من ألفي دينار إلى خمسة آلاف دينار كل من يتعمد تشغيل الأطفال كعملة منازل بصفة مباشرة أو غير مباشرة. كما يسلط نفس العقاب المذكور بالفقرة المتقدمة على كل من يتوسّط لتشغيل الأطفال كعملة منازل”.
وتظلّ هذه القوانين غير كافية لوقف النزيف المتواصل لعمالة الأطفال، وحسب آخر مسح في 2017 في تونس أكّد وزير الشؤون الاجتماعية السابق محمد الطرابلسي أن 180 ألف طفل يشتغلون ونسبة كبيرة منهم تشتغل في أعمال خطيرة.
كما يرجع أساتذة القانون تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في تونس إلى قصور التشريعات عن حماية الأطفال، من ذلك الفصل 58 من مجلة الشغل الذي ينص على أنه “لا يجوز أن يقل عن ثمانية عشر عاما السنّ الأدنى للقبول في أيّ نوع من أنواع الأعمال التي يمكن بحكم طبيعتها أو الظروف التي يقع القيام بها أن تعرّض صحة أو سلامة أو أخلاق الأطفال للخطر. وتحدّد أنواع الأعمال المشار إليها بقرار من الوزير المكلف بالشؤون الاجتماعية، يتخذ بعد استشارة المنظمات المهنية لأصحاب العمل والعمال الأكثر تمثيلا”.
ووفقا لهذا الفصل فإن الأعمال التي تنتفي فيها شروط التعرض للسلامة والخطر هي أعمال مشروعة ويمكن للطفل ممارستها بكل حريّة.
كما ينص الفصل 55 من مجلة الشغل على تخفيض سنّ قبول الأطفال في العمل إلى ثلاثة عشر عاما في الأعمال الفلاحية الخفيفة التي لا تضرّ بصحتهم ونموّهم، ولا تمس بمواظبتهم وقدراتهم على الدراسة، ومشاركتهم فـي برامج التكوين المهني.
وعارض حاتم قطران الأستاذ المحاضر في قانون الشغل بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس هذه الفصول، مشدّدا على ضرورة تعزيز حماية الطفل بعدم وضع استثناءات قانونية في مجال الشغل، وبإنشاء رقابة صارمة على الإخلالات التي تنتهك حقوق الطفل، داعيا إلى وضع آليات واضحة للتبليغ عن عمالة الأطفال.
