علي بن تميم رائد مشاريع ثقافية عابرة للحدود

لا يمكن للمرء سوى أن ينبهر بالمشاريع الثقافية التي تُقدم دولة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها راعية وصانعة لثقافة عربية معاصرة. في الوقت نفسه لا يمكن النظر إلى شخصية من نوع علي بن تميم إلا من منطلق كونه مبتكر أساليب في احتضان ثقافة عربية حية وتبنيها. فالرجل الذي هو وليد مشروع الدولة الشابة كان قد استوعب في وقت مبكر من حياته شروط وعي وفكر جديدين يؤسسان لتجربة لا يقع محتواها في ظل الشعارات القومية المرفوعة سياسيا بالرغم من أن تلك التجربة تنتسب بعمق إلى التراث العربي بحيوية طاقته على الخلق.
مفكر شاب في دولة شابة، تلك صفة تأخذنا إلى المعاني الحقيقية التي تنطوي عليها تجربة بن تميم في قيادة العمل الثقافي التي لم يتم اختياره لها إلا بعد أن صهر أدواته في معمل الثقافة باعتباره ناقدا أدبيا، درس الأدب العربي لا من أجل أن ينال شهادة التميز التي لن يستعملها، بل من أجل أن يذوب بذاته في أشعار المتنبي وسواه من شعراء لغة الضاد الكبار. وها هو اليوم يتصدى لواحدة من أعظم المهمات لتطوير اللغة التي آمن بها وجعلها محور حياته.
حياة يومية وعادات أدبية
بن تميم نموذج مثالي للمثقف الحداثي الذي يؤمن بعظمة الثقافة وأهمية الدور الذي تلعبه في النهوض بالشعوب.
ما فعلته دولة الإمارات العربية المتحدة في خدمة الثقافة العربية المعاصرة لا يدخل في باب الترويج السياسي. ذلك ما يشكل خلفية مهمة لظهور شخصية مثل علي بن تميم الذي لا ينظر إلى ارتباطه بالثقافة العربية الأصيلة من زاوية سياسية. فهو مستقل بأفكاره كما أنه يجد حريته قد اكتملت حين يزاوج بين ترف انتمائه إلى العصر ورخاء امتزاجه بما أنتجه العرب عبر عصورهم الذهبية من لقى أدبية.
لا يخفي علي بن تميم وقوعه في دائرة سحر ما يُحب. فشغفه بالأدب يساويه شغفه بالفنون.
يا لروعة ما يفعله. كلما عثر على تحفة فنية في أسفاره نراه يتحدث عنها كما لو أنها كانت بيتا من المتنبي. ومن ولعه بالمتنبي انبثق حبه للخيول. كل ما يقوم به وهو يمتطي الحصان واقعيا لا يفارق فضاء الشعر. لذلك فقد حرص دائما على أن يرفق بصوره وهو في نادي الفروسية أبياتا شعرية كما لو أنه يريد أن يخبرنا أن هواياته لا تنفصل عن عاداته الأدبية.
ناقد أدبي في فضاء إعلامي
ولد علي صالح علي محمد بن تميم عام 1973 في أبوظبي. درس اللغة العربية في جامعة الإمارات. عام 2001 حصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية من الجامعة الأردنية وبعدها نال شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي من جامعة اليرموك بالأردن عام 2005.
عام 2007 وبعد التحاقه بالعمل الأكاديمي في جامعة الإمارات أسس تخصص المرأة والثقافة في الجامعة نفسها وبعده أسس شبكتي مرايا الثقافية والذاكرة الثقافية. كانت الأولى عبارة عن مكتبة رقمية للأدب العربي.
عام 2011 تم تعيينه مستشارا ثقافيا وإعلاميا في مكتب نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد. وفي العام نفسه أصبح أمينا عاما لجائزة الشيخ زايد. عام 2013 أطلق موقع 24 الإخباري.
شغل الدكتور بن تميم منصب مدير مشروع كلمة منذ 2007. ذلك مشروع يسعى إلى إحياء الترجمة في العالم العربي وقد فاز عام 2012 بجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للترجمة.
وفي عام 2016 عُين بن تميم مديرا عاما لشركة أبوظبي للإعلام.
أصدر بن تميم ستة كتب تعتبر مراجع مهمة في موضوعاتها “السرد والظاهرة الدرامية”، “الإسلام وتاريخ العرب”، “النقاد ونجيب محفوظ”، “بنت بن ظاهر”، “زايد بن سلطان آل نهيان: سيرة التحول والنهوض”، “الشعر على الشعر” الذي صدر عام 2021.
تلك سيرة أدبية وعملية شديدة الاقتضاب لشخصية تعرّف عليها المولعون بالشعر من خلال برنامج “أمير الشعراء”. وهو برنامج استعاد الشعر العربي من خلاله شعبيته. وقد يختلف الكثيرون في معنى تلك الشعبية ومدى قيمتها على المستوى الأدبي غير أن ما يفكر به بن تميم يقع في مكان آخر. مكان يحتضن المواهب الشعرية الجديدة خارج إطار ما هو مكرّس ثقافيا. إضافة إلى أنه يستعرض ذائقة جمالية في الشعر لن يتسع لها التاريخ الرسمي الذي تم احتكاره بطريقة تمنع الدخول إليه.
يحرك علي بن تميم من خلال “أمير الشعراء” المياه الراكدة.
مشروعان ثقافيان
يلعب علي بن تميم دورا قياديا مهما في مشروعي “جائزة الشيخ زايد” و”كلمة”. وهما يقفان من وجهة نظري في مقدمة المشاريع الثقافية العربية التي تعمل على تطوير المعرفة واكتشاف أدواتها في سياقيها العربي والعالمي.
من المؤكد أن الجائزة تنطوي على تكريم لجهد خلاق قام به كاتب عربي غير أنها في الوقت نفسه تهدي قراء العربية واحدة من اللقى المعرفية الفريدة.
أما مشروع “كلمة” فإنه يعتبر تتمة خلاقة لمشروع “الألف كتاب” المصري الذي تعرفنا من خلاله في ستينات القرن العشرين على مئات الكتاب العالميين الذين لعبت كتبهم المترجمة إلى العربية دورا عظيما في تطوير معرفتنا الثقافية وذائقتنا الجمالية. يمكن اعتبار “كلمة” مشروعا إنقاذيا. تلك مهمة نجح بن تميم في القيام بها.
عرف علي بن تميم كيف يُدير الصلة المعرفية بالعالم. مَن سنحت له الفرصة لقراءة عدد من كتب “كلمة” لا بد أن تبهره قوة ودقة الانتقاء الذي يكشف عن أنه ليست هناك عشوائية في ما يُترجم من كتب، وأن هناك خططا محكمة يتم من خلالها الوصول بالقارئ العربي إلى تخوم الثقافة العالمية.
يقول بن تميم “إن الاحتفاء بجهود الترجمة والمترجمين يمثل تقديرا عالميا كبيرا في مجال المعرفة. فتعدد اللغات وانفتاحها على بعضها البعض يلعب دورا حيويا في مجالات التنمية البشرية والاجتماعية ويقلص الفجوة المعرفية بين الشعوب ويسهم في التعريف بالمشروعات الإبداعية والحضارية”.
في خدمة لغة الضاد
يقوم علي بن تميم برئاسة مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة السياحة والثقافة والذي تم تأسيسه عام 2021. وفي ندوة شهدتها مكتبة الإسكندرية عام 2022 اختصر بن تميم مهمة المركز بإدارة عدد من المشاريع والمبادرات التي صُممت من خلال استقراء عدد من أبرز الإشكاليات المتعلقة بحضور اللغة العربية سواء في العالم العربي أو بقية دول العالم.
كما أكد على حرص المركز على العمل وفق رؤية قيادة دولة الإمارات لتعزيز حضور اللغة العربية باعتبارها لغة ثقافة وفنون وعلم وحضارة.
وكما هو واضح فإن سيرة بن تميم، مفكرا ورائد مشاريع ثقافية متشعبة تمتزج بسيرة بلده الشاب التي هي سيرة كرم وعطاء وفكر نهضوي وإتقان في بناء الإنسان بما يصب في خدمة الحضارة البشرية.
