على عكس الإسرائيليين.. نازحو جنوب لبنان يعانون غياب الدعم الحكومي

بيروت- يواجه النازحون من جنوب لبنان ظروفا صعبة في غياب أي دعم من الدولة، على خلاف الإسرائيليين النازحين على الجهة المقابلة، حيث وفرت لهم حكومة بلادهم ثمن الإقامة في الفنادق وغيرها من المساكن المؤقتة إلى جانب الرعاية. ووجد الآلاف من اللبنانيين في جنوب البلاد أنفسهم مضطرين إلى النزوح مجددا مع اندلاع الاشتباكات واحتدامها بين حزب الله وإسرائيل، وكأن النزوح قدر كتب عليهم.
ولد أحمد أبودلة في قرية يارين اللبنانية قبل أن يطلق على الأراضي الواقعة إلى الجنوب اسم إسرائيل.
وكان أبودلة يأمل أن يقضي أيامه الأخيرة هناك، ولكن بعد مرور 80 عاما، ومع تعرض مسقط رأسه للقصف الإسرائيلي، أعطاه أبناؤه خيارا لا رجعة فيه: إما أن يرحل عن يارين أو أن يأتوا للعيش معه والموت معه.
◄ اللبنانيون يعانون بشدة جراء الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات والذي أدى إلى تجميد مدخراتهم في البنوك وخفض قيمة الليرة، وأجبر الدولة على رفع الدعم
وقال “تفتكروا أنا اللي قررت؟ ولادي. حطوني بخيار. يا تنزل يا منطلع.. هيدا اللي خلاني انزل (انتقل)”.
وكان أبودلة وشقيقه الأصغر آخر سكان يارين الذين ما زالوا يعيشون هناك هذا الربيع. ونزحت معظم العائلات في أكتوبر الماضي بعد وقت قصير على بدء حزب الله اللبناني تبادل إطلاق النار مع الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع الحرب في قطاع غزة.
وقال أبودلة والدموع تغرق عينيه وهو يصف المنزل الذي بناه في يارين وتحيط به مزرعته الخاصة ومجموعات من الماشية “يللي خلاني أصمد.. التربة (الأرض)… في ناس ما عندها جذور الأرض. ما تعبانة بالأرض عايشة – بس يللي بنى حبة حبة، تصوروا واحد يعيش 80 سنة بأرضه”.
وأضاف “الأرض اللي بنبني فيها إذا بتبرمي (تقلبي) التراب بتلاقي آثار أيدينا فيها”. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 95 ألف شخص من جنوب لبنان منذ اندلاع الأعمال القتالية. وعلى الطرف الآخر من الحدود في إسرائيل، نزح 60 ألفا من منازلهم. ولم تتلق العائلات في لبنان سوى دعم ضئيل من الدولة وأحيانا لم تحصل على أي دعم على الإطلاق.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، يسكن أكثر من 80 في المئة من النازحين في لبنان مع أقاربهم أو أصدقائهم. ويؤجر 14 في المئة منهم منازل ويعيش اثنان في المئة فقط في ملاجئ جماعية.
◄ العائلات في لبنان لم تتلق سوى دعم ضئيل من الدولة وأحيانا لم تحصل على أي دعم على الإطلاق
وسكان يارين من بين الأغلبية الذين انتقلوا للعيش مع أقاربهم، وهذه ليست المرة الأولى. ويتذكر العديد من سكان القرية الفرار من يارين عام 1978، أثناء التوغل العسكري الإسرائيلي في السنوات الأولى للحرب الأهلية في لبنان.
وسافروا إلى مدينة صيدا الساحلية مرورا بعدة بلدات في الجنوب وصولا إلى منطقة الشوف الجبلية قبل أن يستقروا في نهاية المطاف على مشارف البيسارية على بعد 50 كيلومترا شمالي مسقط رأسهم وبنوا منازل متواضعة.
ومع استقرار المزيد من سكان يارين هناك في الثمانينات، مدوا شبكتهم الخاصة من أنابيب المياه وبنوا مدرسة، ما أكسب المنطقة اسم “حي يارين” في البيسارية. سامر أبودلة، ابن أخت زوجة أحمد، من مواليد “حي يارين” خارج البيسارية عام 1979. أصبح معلما وبنى منزلا في قرية يارين عام 2011 ليعيش فيه مع زوجته وأطفالهما الستة معتقدا أن الأوضاع على الحدود استقرت بعد الحرب التي استمرت شهرا بين حزب الله وإسرائيل عام 2006.
لكنه عاد الآن إلى “الحي” بعد فراره من القصف على الحدود. وقال “نحن كتجربة بالهجرة، أول ما طلعوا أهلنا، قالوا يومين وبنرجع، فهذا الشعور أو التجربة السابقة بتظل تسير كأنها معلومات تتوارثها الأجيال، منقول يومين ومنرجع وقعدنا تلاتين سنة لرجعنا”.
وقال أمام منزل والدته المتواضع على مشارف البيسارية حيث يقيم الآن “هذا الشعور فيه بعض ناس عندها خوف منه”.
80
في المئة من النازحين في لبنان مع أقاربهم أو أصدقائهم
ينام ابنا سامر الصغيران على الأريكة منذ شهور، بينما يعيش هو وزوجته وبناتهما الأربعة في غرفة نوم واحدة. لم تكن الطاولة في مطبخ والدته كبيرة بما يكفي لاستيعاب 11 شخصا يعيشون هناك الآن، لذا كانت تقدم كل وجبة على مرتين للتأكد من أن الجميع يتناولون طعامهم وهم يجلسون.
وقال سامر إن هناك ما لا يقل عن 70 عائلة مثل عائلته فرت من يارين وعادت الآن إلى البيسارية، وإن مواردهم الضئيلة لا تكفيهم. ويعاني اللبنانيون بشدة جراء الانهيار الاقتصادي المستمر منذ خمس سنوات والذي أدى إلى تجميد مدخراتهم في البنوك وخفض قيمة الليرة، وأجبر الدولة على رفع الدعم الذي كان في السابق يجعل بعض الخدمات الأساسية في متناول الجميع.
ولم تعلن الحكومة اللبنانية عن مدفوعات أو أشكال أخرى من الدعم للأسر التي تأثرت بتبادل إطلاق النار مع إسرائيل، في حين وزع حزب الله بعض المساعدات المالية وسدد الإيجارات عن بعض العائلات. وذكرت عائلة أبودلة أنها حصلت على سلة غذائية من مجلس الجنوب، وهو جهة رسمية، لكنها لم تكن كافية لتغطية احتياجاتهم أثناء نزوحهم.
وقالت لمياء أبودلة (74 عاما) خالة سامر “ولا شي ولا حدا دق بابنا ولا حدا سأل.. كل واحد دبر حاله بجهده الخاص يعني. الدولة غايبة عنا”. وأضافت “نحن من 1977 اتهجرنا، وبعدنا بنتشرشح من هون لهون. شو بنعمل؟ شيء انفرض علينا، مش بأيدنا”.