على الغرب أن يخطو بحذر في ليبيا
اعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما، مؤخرا، بأن سوء التعامل مع الأوضاع في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي كان أسوأ خطأ ارتكبته الإدارة في سياستها الخارجية. وكان أوباما قاسيا تجاه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون اللذين تعلقا في بادئ الأمر بالقوة العسكرية الأميركية ثم اختارا الابتعاد عن ليبيا التي تحولت سريعا إلى دولة فاشلة.
ومؤخرا اتخذت الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لدعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، بعد سنوات من الجهود غير المثمرة، منعطفا نحو الأفضل. ولا يزال الأمل هشا. لكن للمرة الأولى منذ ثـــلاث سنوات، يتطلـــع البلد إلى أن يكون على طريق التعافي البطيء والمصالحة. وفي الوقت نفسه، تعج العواصم الأوروبية وواشنطن بشائعات عن تدخل عسكري لوقف تنامي قوة تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تتمركز قواته في مدينة سرت، المعقل السابق للقذافي، وما حولها.
ويحرص بعض الخبراء الأمنيين الغربيين على “القضاء” على ما يعتبرونه محاولة جادة من تنظيم الدولة الإسلامية، المتراجع تحت ضغط عسكري أميركي وغارات جوية روسية في العراق وسوريا، لبناء قاعدة في وسط ليبيا. وهذا من شأنه أن يشكل تهديدا كبير لأوروبا، ولا سيما إيطاليا، أكثر من أي من بلدان الشرق الأوسط.
وبعد الهجمات الإرهابية في باريس وبروكسل، تحدو القادة السياسيين الغربيين رغبة كبيرة في إجراء “عملية تنظيف” في ليبيا. وتشارك القوات الخاصة البريطانية والفرنسية الآن في عمليات عسكرية على الأراضي الليبية. أما توسيع التدخل العسكري إلى أكثر من ذلك، فهذا يبقى موضع شكك. وهناك ثلاثة أسباب تدعو إلى ضرورة الحذر.
السبب الأول هو أن العدد الدقيق لمسلحي تنظيم الدولة الإسلامية داخل مدينة سرت وحولها، ومدينة درنة وبعض أحياء بنغازي يتراوح بين 1500 و6 آلاف عنصر. لكن بعض الخبراء الغربيين يميلون إلى تضخيم الأرقام لتبرير التدخل العسكري.
ولا أحد يجادل في أن وجود مقاتلين من الشيشان والسودان وباكستان، إلى جانب الجهاديين العرب (ومعظمهم من ليبيا وتونس والمغرب) يشكل تهديدا، لكن ما هو حجم هذا التهديد؟ استراتيجية التواصل التي يعتمدها تنظيم الدولة الإسلامية ممتازة ولكن ما مدى تضخيم التنظيم لقدراته في ليبيا، وإلى أي مدى وقع المحللون الغربيون في الفخ؟
ثانيا، إن الاختلافات بين سوريا والعراق من جهة وليبيا من جهة أخرى تحتم علينا إعادة قراءة المشهد من زاوية أخرى. تم تثبيت فرع ليبيا التابع لتنظيم الدولة الإسلامية في درنة بعد أربعة أشهر من سقوط الموصل في يد التنظيم في شهر يوليو عام 2014. وبحلول شهر نوفمبر عام 2014، قبل تنظيم الدولة الإسلامية بيعة الفرع الليبي.
وفي شهر فبراير عام 2015، سقطت سرت بيد تنظيم الدولة الإسلامية. في بنغازي، مازال أنصار داعش يقاتلون قوات الجيش الليبي التابع للواء خليفة حفتر، بينما تم طردهم من درنة.
وفي العام 2001 تم قصف سرت من طرف قوات التحالف بقيادة حلف الناتو، بينما لم تعد ممثلة اليوم بشكل لائق في المعادلة السياسية الليبية. وصارت البلدة، التي فر منها الكثير من السكان في 2011، منبوذة.
ويتركز العامل الثالث في وجود عشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا من دول جنوب الصحراء الذين يحرصون على عبور البحر الأبيض المتوسط، بينما لا يمكن لقوات خفر السواحل الليبية شبه المنعدمة أن تفعل شيئا حيالهم. الاتجار بالبشر تتحكم فيه العصابات والميليشيات المحلية. أي تدخل عسكري غربي في مستوى متقدم يمكن أن يزيد من تعقيد الوضع المعقد أصلا.
قد يهدد أي تدخل عسكري واسع النطاق أيضا عملية السلام الهشة، لأنه يمكن أن يلقي بالشباب الليبي في أحضان تنظيم الدولة الإسلامية. ومن الحكمة أن يتم ترك الفصائل الليبية تعمل في هدوء بهدف التوصل إلى اتفاق. قد يكون الغرب في عجلة من أمره، لكن الجدول الزمني للأحداث في ليبيا، خاصة بعد المعاناة والعنف الذي تم تحمله منذ العام 2011، مختلف.
بالإضافة إلى ذلك أعربت كل من تونس والجزائر عن معارضتهما لأي تدخل عسكري خارجي في ليبيا. وتصر الجزائر على عدم نشر قواتها في ليبيا، رغم الضغوط لا سيما من فرنسا، للقيام بذلك. دستور الجزائر وعقيدة جيشها الأمنية منذ عام 1962 يمنعان منعا باتا التدخل العسكري في الخارج. سوف تدخل القوات الجزائرية الأراضي الليبية في صورة وحدات مخصصة للدفاع عن حدود البلاد مع جارتها الشرقية وحقول النفط والغاز قرب الحدود الشرقية للجزائر.
وبات على فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة أكثر من أي وقت مضى أن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الحكومتين التونسية والجزائرية عند رسم السياسات المتعلقة بشمال أفريقيا.
كلا البلدين لديهما مصالح حيوية في المزيد من الاستقرار في ليبيا. تونس لديها مصلحة اقتصادية في عودة الهدوء إلى جارتها التي تقع على حدودها الجنوبية الشرقية. تقليديا كان التونسيون من مدنين وبنقردان يعملون في منطقة طرابلس التي تقع غرب ليبيا وهناك الكثير من الروابط العائلية مع السكان الليبيين هناك. عملية إعادة بناء الاقتصاد الليبي لها فائدة كبيرة على تونس، حيث يعاني الاقتصاد من عثرات كبيرة.
ولم تكن الرهانات أعلى منذ سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والقذافي. ليبيا أكثر استقرارا تعني بالضرورة تونس أكثر استقرارا. وليبيا أكثر ازدهارا تجعل من تونس أكثر ازدهارا.
الأمن والنمو الاقتصادي السريع يسيران جنبا إلى جنب، لذلك ينبغي أن يتعامل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع ليبيا بقفازات ناعمة. كلاهما يجب أن يتحدث إلى الجزائر وتونس وليبيا باعتبارها دولا متكافئة، ويعملان أيضا على إقامة بنية أمنية واقتصادية جديدة لشمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
زميل مشارك في مركز برشلونة للشؤون الدولية
عن صحيفة العرب ويكلي (العدد 53)