علل نموذج دولة الرفاه في ألمانيا تمتد إلى أسواق أوروبا

ارتفاع التضخم في أوروبا الوسطى دفع البنوك المركزية إلى رفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها في عقدين، مع معاناة التشيك من الانخفاض في الأجور الحقيقية.
الأربعاء 2024/01/31
تصنيع الأسلحة لوحده لن ينقذ الموقف!

بودابست/براغ – تمثل الحالة المريضة للاقتصاد الألماني التحدي الكبير التالي أمام الدول المعتمدة على التصدير في وسط أوروبا، والتي لا تزال تتعافى من بعض أسوأ زيادات التضخم في العالم في أعقاب الأزمة الصحية العالمية.

ويتلاشى عصر الرواج الصناعي في أكبر اقتصاد في أوروبا لينكشف اقتصاد غير مستعد للحياة وسط التقلبات العميقة، ما يهدد قدرة أحد أسخى نظم دولة الرفاه في العالم على الاستمرار إن لم يراجع المسؤولون حساباتهم لإبقاء بلدهم في القمة.

وكانت العلاقات التجارية الوثيقة مع ألمانيا وقطاع السيارات الذي كان قويا ذات يوم بمثابة نعمة للمنطقة منذ انهيار الشيوعية. لكن هذه العلاقات تخاطر الآن بأن تصبح عبئا على اقتصادات المجر وجمهورية التشيك وسلوفاكيا.

وبالفعل، تحاول بعض الشركات المحلية التي تعتمد على العلاقات مع ألمانيا الاستفادة بشكل أعمق من الأسواق الخارجية الأخرى والتفرع إلى صناعات مثل الدفاع للتخفيف من ضعف جارتها الغربية الكبيرة، حيث يلوح في الأفق عام آخر من الركود القريب.

داون هولاند: الاضطراب الاقتصادي خطر على وسط وشرق أوروبا
داون هولاند: الاضطراب الاقتصادي خطر على وسط وشرق أوروبا

لكن مثل هذه الجهود تأتي في وقت يشهد فيه العالم شكوكا جيوسياسية كبيرة، مع تداعيات الحرب الأوكرانية والصراع في الشرق الأوسط، وتزايد الحمائية التجارية.

وعلى الرغم من التوجه نحو قطاع الدفاع، فإن كل هذه العوامل يمكن أن تعرقل جهود الشركات في المنطقة حتى تتفادى ما هو أسوأ.

وقالت داون هولاند، مديرة الأبحاث الاقتصادية في وكالة موديز، إن “الاضطراب الاقتصادي في الشريك التجاري الأكثر أهمية في المنطقة، والضعف المستمر في قطاع السيارات، يشكلان مخاطر إضافية لانتكاسة اقتصادية في منطقة وسط وشرق أوروبا”.

ودفع ارتفاع التضخم في أوروبا الوسطى، بقيادة مستويات مذهلة بلغت في المجر 25 في المئة العام الماضي، البنوك المركزية إلى رفع تكاليف الاقتراض إلى أعلى مستوياتها في عقدين، مع معاناة التشيك من الانخفاض في الأجور الحقيقية، لعامين.

وبلغ حجم مبيعات الشركات الألمانية السنوية حوالي 250 مليار يورو (270 مليار دولار) في وسط أوروبا في عام 2021، وتوظف حوالي مليون شخص بشكل مباشر وأكثر من ذلك بكثير من خلال الموردين، وفقا للبنك المركزي الألماني.

وتعتمد التشيك والمجر على ألمانيا في ثلث وربع صادراتهما على التوالي، حيث ترسل سلوفاكيا خُمس صادراتها إلى هناك استنادا إلى إحصاءات وكالة ستاندرد آند بورز.

وتعتبر بولندا أقل تعرضا للخطر بسبب قوة اقتصادها المحلي الأكثر تنوعا، مع كون صادراتها أقل اعتمادا على تصنيع السيارات.

وأفضل سيناريو بالنسبة لمعظم الشركات، التي أجرت رويترز مقابلات معها، هو ركود مبيعاتها هذا العام، رغم أن البعض لم يستبعد حدوث انخفاض صريح في الإيرادات واحتمال خفض الوظائف.

خخ

وكانت شركة دي.جي.أي جيبجيارتو المجرية، التي تصنع الهياكل الفولاذية والمكونات الملحومة والآلات المصنعة حسب الطلب، تخطط لتوسيع طاقتها بنسبة 50 في المئة لتلبية النمو المتوقع في الطلب على مدى ثلاث سنوات من 2023 إلى 2025.

وقال تاماس تورناي، المدير التنفيذي للشركة القابضة التي تسيطر على دي.جي.أي، لرويترز “هذا الطلب (المرتفع) تبخر”. ومع ذلك، تمضي الشركة قدما في توسعتها البالغة 2.5 مليار فورنت (6.95 مليون دولار) لخدمة صناعة الدفاع المزدهرة.

ولا يعاني قطاع السيارات في ألمانيا من ضعف المبيعات في أسواقه الأميركية والأوروبية فحسب، بل يعاني أيضا من عقبات تتراوح بين ارتفاع أسعار الطاقة والتحول العالمي إلى التنقل الكهربائي الذي يفرض إعادة التفكير في مستقبل محركات الاحتراق الداخلي.

وفي وسط أوروبا، قادت المجر جهود جذب الاستثمارات في تصنيع البطاريات والسيارات الكهربائية من الصين، ووضعت نفسها كنقطة التقاء للمستثمرين الشرقيين والغربيين.

وقال تاماس موجيوروسي، مدير تطوير الأعمال في مجموعة ألاب، “هناك انخفاض قوي للغاية في الطلب على السيارات، بسبب التضخم والفائدة وعدم اليقين الاقتصادي، وهو ما كاد أن يقضي على المشترين من القطاع الخاص من السوق”.

250

مليار دولار حجم مبيعات الشركات الألمانية إلى وسط أوروبا في عام 2021

وأوضح أن الشركة، التي تقدم إدارة الجودة وخدمات أخرى لزبائن قطاع السيارات والفضاء وصناعة الإلكترونيات، حاولت تعويض الانخفاض في أسواق أوروبا الغربية من خلال زيادة الطلبيات من العملاء الآسيويين.

وقال أوتو دانيك، نائب رئيس جمعية المصدرين التشيكيين، إن “القطاع شهد تباطؤا حادا منذ النصف الثاني من 2023 بسبب الضعف في ألمانيا”.

وأكد دانيك، الذي يملك أتاس إليكتروموتوري ناتشود، وهي شركة تصنع المحركات الكهربائية الصغيرة، أن “الانخفاض الطفيف نسبيا في الطلب من هذه المنطقة له تأثير كبير على قطاع التصدير بأكمله”. وأضاف “نبحث عن أسواق جديدة، خاصة في أوروبا، لكن مثل هذا النقص لا يمكن تعويضه خلال نصف عام”.

وتتوقع شركة آغريكوم كي.أي.أم، التي تصنع مكونات الآلات الزراعية، والتي تخدم معظم الزبائن الألمان، انخفاضا بنسبة 10 في المئة في الإيرادات هذا العام، مما قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 5 إلى 10 في المئة في عدد موظفيها بحلول منتصف 2024.

ويقول المسؤولون في الشركة إن الارتفاع المحتمل في المبيعات إلى الولايات المتحدة لن يعوض بشكل كامل الضعف في أوروبا.

ويعتقد خبراء وكالات التصنيف الائتماني أن الضعف قد يعقد الجهود الرامية إلى كبح عجز الميزانية، والذي تقول ستاندرد آند بورز إنه سيظل “واسعا بشكل استثنائي” من الناحية التاريخية للمنطقة هذا العام.

وقالت كارين فارتابتوف، المديرة والمحللة الرئيسية للتصنيفات السيادية لأوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة في الوكالة، إن “الضعف الذي طال أمده في ألمانيا هو أحد أكبر المخاطر التي نراها بالنسبة لأوروبا الوسطى والشرقية”. وأضافت “يمكن أن يؤثر ذلك على النمو على المدى المتوسط في أوروبا الوسطى والشرقية ويزيد من تقويض ما يبدو بالفعل أنه يمثل تحديا لخطط ضبط الأوضاع المالية العامة”.

11